بدويات

رشيد أيلال … ونهاية أسطورة صحيح البخاري (الجزء الثالث)

محور التاريخ المبكر لإسلام:

< هناك أحاديث عن ختان الإناث وقد سالت الأحبار فيها سلسبيلًا بلا انقطاع.

أذكر أنني ذهبت لإمام المسجد الأزهر الشيخ عيد قبل بضع سنوات عجاف، فأورد لي حديث في البخاري عن أم عطية بما معناه (اقطعي ولا تنهكي). هل درستم هذه السلسلة من الأحاديث التي تتطرأ لقضية ختان الطفلة؟ علمًا بأن المسيحيين في إثيوبيا وإرتريا وبلاد إفريقية أخرى يختنون الطفلة وقد ذكرت مصادر إغريقية وجود العادة في مصر الفراعنة.

يا حبذا إن أفدتم بتفصيل في هذا الأمر!

> أتقدم بالشكر لجريدة المدائن بوست في شخصكم الكريم على إتاحتها هذه المساحة، قصد إلقاء الضوء على تاريخنا الإسلامي في فجره المبكر، وقبل أن أجيب على سؤالك أذكر بأن موقع قناة bbc نقل عن الأمم المتحدة بأنه تعيش بيننا الآن أزيد من 200 مليون امرأة تعرضت لتشويه أعضائهن التناسلية، تحت اسم ختان الإناث، أو الخفض، كما أذكر بأن دار الإفتاء المصرية، وبعد جدل فقهي كبير أفتت بتحريم ختان الإناث، باعتبار أن الأطباء جزموا بأضراره النفسية والعضوية، فهو بلا جدال يضر بصحة المرأة ويؤذيها إيذاء عميقا وراسخا، حيث يرافقها هذا الضرر طيلة حياتها.

وقد اعتمدت هذه الفتوى المانعة للختان على فتاوى لكثير من الأئمة من بينهم الإمام الشوكاني في «نيل الأوطار» (1/ 191): [ومع كون الحديث لا يصلح للاحتجاج به فهو لا حُجَّةَ فيه على المطلوب] اهـ.

وذكرت، أنه يقول شمس الحق العظيم آبادي في «عون المعبود» (14/ 126): [وحديث ختان المرأة رُوي من أوجه كثيرة، وكلها ضعيفة معلولة مخدوشة لا يصح الاحتجاج بها كما عرفت] اهـ.

وقال العلامة ابن المنذر: [ليس في الختان -أي للإناث- خبرٌ يُرجَع إليه ولا سُنَّةٌ تُتَّبَع] اهـ، وقال الإمام ابن عبد البر في «التمهيد»: [والذي أجمع عليه المسلمون أن الختان للرجال. انتهى والله أعلم] اهـ.

وكما تفضلتم فإن المسلمين انتقلت إليهم هذه العادة المقيتة من اليهود، الذين أخذوها بدورهم عن الفراعنة، فهي عادة وليست شعيرة من شعائر الإسلام، لكن الكثير من الشيوخ اجتهدوا أيما اجتهاد لصنع نصوص حديثية لإدخالها للإسلام، وكأنها دعوة لتصحيح خطإ خلقي للبارئ المصور، جل الله عن الخطإ، وأعوذ بالله من حكاية قول يخرج صاحبه من الملة، فالقرآن يقول: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) فالدين القيم الذي جاء في القرآن يرتكز على الفطرة وعلى عدم تبديل خلق الله، لكن الفقه الذكوري الغريب أمعن في تكريس مبدإ مغاير لمبدإ القرآن في تبديل خلق الله.

لكن وجب التذكير أيضا بأن الكثير من البلدان الإسلامية منذ زمن بعيد، تخلت عن هذه العادة المقيتة، كالمغرب وتركيا والسعودية والامارات والكويت وماليزيا…، إلا أن الإحصائيات تقول بأنها لاتزال تمارس في العديد من دول في إفريقيا وآسيا.

ودعني أوضح أن كل الكتب التي ادعت أنها كتبت عن الرسول وحياته وسيرته، لم تدون ولو بالتلميح، بأن الرسول قام بختان إحدى بناته، أو أن إحدى زوجاته كانت مختونة، أو أنه أمر بختان النساء، مما يوضح أن هذه العادة  دخيلة على الثقافة الإسلامية، وأنها دخلت بشكل مبكر  للإسلام، إثر دخول الإسرائيليات في مرحلة التدوين، وتحديدا في القرن الثالث الهجري.

< لقد كتبتم عن ختان الطفلة وزواجها كقاصر في كتابي هل أخطأ السلف وقد حظر في بعض الدول منها بلدي السودان لا سيما في معرض الكتاب وقد حدث ذلك في بلدان أخرى، أُعطي فيه الناشر البطاقة الحمراء.

هلا حدثتنا عن الأحاديث التي تُعنى بزواج القاصر وعن ماهيتها. وهل حدث ذلك فعلًا أن النبي عقد قرانه على السيدة عائشة وهي بنت السادسة وبنى بها وهي بنت التاسعة؟

> أمعن الفقهاء بشكل مطرد في البحث عن أدي دليل يجيز الاستمتاع الجنسي بالصغيرات تحت أسماء وعناوين عديدة، منها الزواج وملكات اليمين والجواري وغيرها، حتى أن الكثير من هؤلاء الشيوخ جوزوا زواج الطفلة وهي في المهد، وطبعا شاع زواج القاصرات قديما وحديثا، رغم الصراع الشرس الذي تخوضه المنظمات الحقوقية، والجمعيات النسائية للقضاء على هذه الظاهرة التي باتت سمة تميز مجتمعاتنا الإسلامية، أو على الأقل للحد منها.

تسلح الشيوخ بالرواية الحديثية في البخاري ومسلم، المنسوبة لعائشة بأنها تقول أن الرسول تزوجها وهي بنت ست سنين ودخل بها وهي بنت تسع، لا تستقيم، ولا تقوى على الوقوف أمام التمحيص التاريخي البين، بل لا تقوى على الوقوف أما القرآن، الذي يقول:( وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) هذه الآية واضحة في أن هناك سن محدد للنكاح، وهو السن الذي يقع فيه الرشد، بقوله تعالى (..فإن آنستم منهم رشدا…)  فارتبط الرشد الذي هو النضج العقلي والنفسي والعاطفي ببلوغ سن النكاح، ولا يمكن أن نعتبر طفلا يبلغ من العمر ست أو عشر سنوات راشدا.

بالاستناد لأمهات كتب التاريخ والسيرة المؤصلة للبعثة النبوية ( الكامل- تاريخ دمشق – سير اعلام النبلاء – تاريخ الطبري – البداية والنهاية لابن كثير – تاريخ بغداد – وفيات الأعيان، وغيرها الكثير) اتفقت إلى حد كبير على أن الخط الزمنى لأحداث البعثة النبوية كالتالي: البعثة النبوية استمرت (13) عاما في مكة، و(10) أعوام بالمدينة، وكان بدء البعثة بالتاريخ الميلادي عام (610م)، وكانت الهجرة للمدينة عام (623م) أي بعد (13) عاما في مكة، وكانت وفاة النبي عام (633م) بعد (10) أعوام في المدينة, والمفروض بهذا الخط المتفق عليه أن الرسول تزوج (عائشة) قبل الهجرة للمدينة بثلاثة أعوام، أي في عام (620م), وهو ما يوافق العام العاشر من بدء الوحى، وكانت تبلغ من العمر (6) سنوات, ودخل بها في نهاية العام الأول للهجرة أي في نهاية عام (623م), وكانت تبلغ (9) سنوات, وذلك ما يعنى حسب التقويم الميلادي أي أنها ولدت عام (614م), أي في السنة الرابعة من بدء الوحى حسب رواية البخاري، وهذا وهم كبير. كما يشير الباحث إسلام بحيري في مقالة له نشرت على موقع اليوم السابع، حيث يخلص في النهاية بعد تشريح تاريخي للكتب الإسلامية على أن عائشة كانت تبلغ من العمر 18 عاما على أقل تقدير عندما تزوجها الرسول، وهي أيضا الخلاصة التي وصل إليها الشيخ عدنان إبراهيم في بحث مطول لنيل شهادة الماجستير تناولت رسالته عمر السيد عائشة عندما بنى بها الرسول.

< هل تعرف الأمّة حقًا الرسول والسيرة النبوية كما ينبغي وهل سُجلت هذه الأخيرة بدقة، علمًا بأن المشافهة حتى في الأدب تنطوي التأويل والتحوير والغش ومداخلات (مثل الإسرائليات) التي هي شوائب علقت بها. ما هو الوضع الراهن لهذا الموروث الخضم؟ كيف يمكننا أن نرتاد دفتيه، بأي وعي وبأي أدوات؟

> الحقيقة التي لا يعرفها كثير من الناس سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، هي اننا لا نكاد نعرف شيئا عن سيرة رسولنا الكريم، لأن كل كتب السيرة ملفقة، وفيها كثير من الدس، سيما إذا علمنا بأن أول سيرة في تاريخ المسلمين هي سيرة ابن إسحاق، لا وجود حقيقي لها البتة، لا توجد لهذه السيرة الشهيرة أي مخطوطة، ولا يعرف أحد عنها شيئا، سوى أنها كتبت في العصر العباسي خلال القرن الثاني الهجري، لكن لم يصلنا منها شيء، واختلف الفقهاء والمحدثون في حقيقة هذا الرجل، فمنهم من رفعه الى منزلة كبير الاخباريين والمحدثين في عصره، ومنهم من وصفه بأنه دجال الدجاجلة كالإمام مالك، ومنهم من اعتبره من القدرية، منهم من نسبع للتشيع، ليبقى ساحب أول سيرة للرسول تحت عنوان المغازي لغزا محيرا في حد ذاته.

أما سيرة ابن هشام والتي تم تأليفها حسب الرواة خلال أوائل القرن الثالث الهجري، أي بعد وفاة الرسول بأزيد من مائتي سنة، والتي تقدم على أنها تلخيص لسيرة ابن إسحاق، فإنها تعاني من انعدام مخطوطتها الأصلية، إذ لا وجدود حيقي لهذه السيرة إلا في القرن الرابع، وما يؤكد طرحنا هو أن اقدم مخطوطة لسيرة ابن هشام توجد بالمكتبة الوطنية بباريس تحت رقم 6496 بخط النسخ، والمهتمون بعلم المخطوطات( الكوديكولوجيا) وعلم الخطاطة ( باليوغرافي) يعرفون بأن هذه المخطوطة قد كتبت بخط النسخ الذي أبدعه ابن لقمة الشيرازي خلال القرن الرابع الهجري، وبالتالي فإن سيرة الرسول التي بين أيدينا الآن لا توجد إلا بعد وفاة الرسول بنحو ثمانية أجيال، فكيف يمكننا أن نعتبرها حقا سيرة نبوية، رغم ما يفصلها من بون زمني شاسع عن زمن الرسول؟ !.

لذلك فإن الحديث عن هذه الكتب باعتبارها المصدر الأوحد والوحيد لمعرفة سيرة الرسول، يعد مجازفة غير محسوبة العواقب، وتجنبا للوقوع ضحية للتخاريف التي تعج بها هذه الكتب، علينا الاستعانة بالعلوم التاريخية المعاصرة كالفيلولوجي والكوديكولوجي والباليوغرافي والبيتروغليف، كما يجب عرض هذه السيرة على القرآن، إذ لا يمكن أن يكون الرسول معارضا لرسالة ربه، أو عاصيا لها، وهو المعصوم في تبليغها.

< من ثمّة عندما نسائل أنفسنا السؤال الآتي كيف يمكننا أن نتعرف على حياة الرسول وكيف تنعكس هذه في كتب السيرة؟

>  لا مجال لمعرفة سيرة الرسول وشخصيته الحقيقية من أي كتاب سوى القرآن، ألم ينسب لعائشة أنها تصف الرسول بأنه كان خلقه القرآن، فيكفي أن نتدبر أوامر الله ونواهيه في القرآن، لنقف على سلوكات وتصرفات وحركات وسكنات رسول الإسلام، فقد كان قرآنا يمشي على رجليه، وكل كلمة (قل) في القرآن تبين أن ما بعدها هو السنة القولية للرسول، وان سنته الفعلية كانت تتمثل تطبيق كتاب الله في كل مناحي حياته الشريفة.

أما كتب السيرة فقد قدمت الرسول على أنه غاز، عاش حياته تحت ظلال السيوف، وأن رزقه كان تحت ظل رمحه، وأنه نصر بالرعب مسيرة شهر، وهذا يتنافى بشكل رأسي مع قوله تعالى وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين، لذلك علينا أن نقيس هذه السير الموجودة في بطون الكتب بميزان القرآن وجودا وعدما، لنتحقق منها ومن صدقها، حتى نميز الخبيث من الطيب.

< إن السؤال السابق عن ماهية حياة الرسول في عصره تقودنا لتساؤلات عدّة: كيف عاش الخلفاء الراشدين والسلف الصالح؟ وهل ما أتانا من سير وتراجم هو حقيقة مسلم بها أنها أيضا تحتاج لدراسة فاحصة متأنية علمية تزيل منها شوائب الإضافات التي نمت عن حبّ لهم أو عن تفاخر بأن كل من يسرد ترجمة ما يريد أن يحظى بالتقدير والامتنان بما أنّه كان مقربا لهذا أو ذاك من الصحابة الكرام. رؤيتكم لهذه القضية المتشعبة من بعيد ومن قريب، في سياقها التاريخي ومن منظور العلوم المعاصرة التي بسطت أمام أيدينا أدوات علمية تمكننا من تتبع الأثر.

> ما قلناه عن سيرة الرسول، يمكن أن نعيده بخصوص التاريخ المبكر للإسلام عموما، فالخلفاء الراشدين، لا نكاد نجد أي أثر لهم، إلا علي ابن أبي طالب الذي ذكر في الحوليات المارونية بكنيته (أبو تراب)، كما أنه لدينا في السير والاخبار الشفهية الإسلامية كثير من التناقضات والاختلافات ، حيث نجد مثلا  اختلافا شديدا حتى في أسماء الصحابة، فقد ذكروا لأبي هريرة أكثر من عشرين اسما، واختلفوا في معرفة امه وأبيه، كما حاروا في معرفة قبيلته، ومتى اسلم، لكن مع ذلك تعتبر هذه الشخصية الغامضة هي أكثر من روى أحاديث الرسول، ولكم ان تحكموا، كيف أن مجهول الحال عند المحدثين لا يؤخذ منه الحديث، لكنهم أسقطوا هذا الشرط عن أبي هريرة !

لذلك لا مناص لنا من الاستفادة من علوم العصر المتعلقة بالتاريخ والانتربولوجيا لكي نستعين بها على معرفة التاريخ المبكر للإسلام.

< لقد فتح الخليفة عمر بن الخطاب فلسطين سنة634 للميلاد ماذا يشكل هذا التاريخ بالنسبة لكم كباحث في علم التاريخ؟

> هذا السؤال مهم جدا، وتتمثل أهميته في المثال الذي أعطيتم بخصوص فتح فلسطين، ففي تاريخنا الشفهي هناك قطع ويقين بأن من فتح القدس(إيلياء) هو عمر الخطاب، لكن بالنظر للمخطوطات القديمة والمعاصرة لفتح القدس، من خارج الدائرة الإسلامية، كلها تحدثت على أن النبي محمد هو من دخل القدس بطلب من اليهود وهزم هرقل في معركة فاصلة، كمخطوطة سيبيوس الأرميني التي تتحدث عن اعمال هرقل والتاريخ الأرميني، وأيضا الرسالة التعليمية دوكاترينا جاكوبي، وغيرها من المخطوطات، فأيهما نصدق تاريخنا الشفهي الذي لم يدون إلا بعد وفاة الرسول بأزيد من 300سنة أم تاريخ غيرنا الذي دون الأحداث في عصرها ووقتها وكان مدونوه معاصرين للأحداث، هنا سيخلق لدينا مشكل كبير ففي سنة 634 للميلاد حسب السردية الإسلامية، فإنه قد مرت سنتان على وفاة الرسول، وحسب الوثائق التاريخية المعاصرة للأحداث فإن الرسول لايزال حينها على قيد الحياة، بل إن من فتح فلسطين هو الرسول وليس عمر بن الخطاب !

< لقد أثيرعبر الحقب والقرون وحتى إلى الآن جدل كبير بخصوص معاوية بن أبي سفيان، هلا قدمت لنا إضاءة تاريخية عن حياة هذه الخليفة الأموي. وما تأثير ما قيل عنه في كتب التاريخ وانعكسااه على حياتنا واعتقاداتنا الآنية؟

> دعني أخبرك بأن كل ما نعرفه باعتبارنا مسلمين من داخل المنظومة التاريخية الإسلامية عن معاوية، دون في العهد العباسي، لكن ما وصلنا من خلال الوثائق التاريخية من خارج الرقعة الإسلامية، وما دونه الآخر عن هذه الشخصية المحورية في الانقلاب التاريخي الذي عاشه المسلمون، يختلف تماما عما تعلمناه ونعرفه، حيث أن الحوليات المارونية مدعومة ببعض الشواهد والإرهاصات من كتب المسلمين، تشير كلها إلى أن معاوية كان مسيحي الديانة، ولم يكن مسلما، فهو تزوج امرأة مسيحية، ورغم هجرها له، وذهابها عند عائلتها، لم يتزوج امرأة أخرى، على الطريقة المسيحية على عكس ما كان معروفا على الخلفاء حينها من تعدد الزوجات، بالإضافة الى الكنيسة التي بناها وكانت تحمل اسمه( كنيسة معاوية) بالإضافة الى زيارته للجلجتة وصلاته أمام عمود الأحزان، الذي صلب عليه المسيح حسب اعتقاد الكنيسة، لنعرف بأنه عند احتضاره كان يضع صليبا حسب كتب الاخباريين المسلمين أنفسهم.

والحقيقة أن معاوية كان حدا فاصلا بين تاريخين وبين مرحلتين، مرحلة النبوة وعصر النبوة، مرحلة أخرى يمكن ان نعتبرها مرحلة الكسروية الإسلامية، والتي بدأت الدولة الإسلامية تقلد الأنظمة السياسية في أوروبا وتحدو حدوها في الاتجاه الى التوسعات الاستعمارية، وظهور الارهاصات الأولى لاختلاق الروايات باسم الرسول، قبل ان تستوي على سوقها في العصر العباسي الذي شهد مرحلة تدوين كل ذلك، الشيء الذي نعيش تباعته المضطربة الى يومنا هذا.

< ذكر لي أحد الأصدقاء أن السيد رشيد أيلال قد أجحف في حق العلامة ابن تيمية؟ لأنّه برّاء من كلما ذكر. كيف ترد عليه وما هي فتاوى بن تيمية على صعيد التطرف والحرب ضد غير المسلمين.

> لقد أفتى ابن تيمية 428 مرة بقتل المسلمين المختلفين معه، في كتابه الفتاوى وحده، تخيل معي ان الرجل أفتى بقتل حتى من يجاهر بالنية في الصلاة معتقدا بأنها من الدين، وبالتالي حسب رأي ابن تيمية فإنه يجب قتل كل المالكية والحنفية الذين يعتقدون بأن الجهر بالنية في الصلاة من الإسلام، كما أن ابن تيمية معروف بمناصبته العداء لآل بيت النبوة، بشكل غريب، ويشهد على هذا ما قاله بخصوص مخالفة علي للكتاب والسنة، أما فتوى ماردين التي صدرت عن ابن تيمية والتي اعتبرها أخطر فتوى في التاريخ الإسلامي والتي أباحث أراضي غير المسلمين وأعراضهم واعتبرتها دار حرب، وأجازت قتل المسلمين الذين يتمترس بهم غير المسلمين، وهي الفتوى التي تلهم داعش والقاعدة وكل الإرهابيين في عصرنا.

< أود أن أطرح لكم سؤالا ملحًا لدى شغل الرأي العام بألمانيا ألا وهو فتح أبواب مسجد النور الذي تؤم الصلاة فيه امرأة. ماذا عن إمامة المرأة سواء في جوق من النساء أو إن تقدمت الرجال؟ أعرف أنه سؤال جريئ لكن العديد من مسلمي أوروبا يطرحونه في ساحة الرأي والرأي الآخر ومن منطلق حرية التعبير والجهر بها.

الإسلام لم يمنع المرأة من أن تؤم المصلين، ولا يوجد نص واحد في كتاب الله يمنعها من ذلك، بل نجد قوله تعالى المؤمنون والمؤمنات بعض أولياء بعض، وكل منع للمرأة من أن تمارس حقها الذي لم يمنعه الشارع سبحانه وتعالى يعتبر في نظري تعد على حرية المرأة وعلى دينها، وعلى عبادتها، والقاعدة الأصولية تقول الأصل في الأشياء الإباحة حتى يقوم الدليل على تحريمها، ولم يقم الدليل على هذا التحريم المزعوم من طرف فقهاء ذكوريين يمنعون كل اجتهاد، او كل شيء خرج عندهم عن المألوف.

< الأستاذ رشيد نحن نأخذ كل صغيرة وكبيرة من الغرب لا سيما في هذه الفترة الأخيرة. هب أنهم غلقوا الأبواب وقدوا بلداننا من دبر، وقالوا لن نعطيكم لقاح الكرونا، فماذا كانت ستكون النتيجة؟ ورغم ذلك نجد أن صهوة المساجد في كثير من الدول يمتطيها أهل الكراهية والبغضاء. يحرضون الناس على الحرب ضد الكفار، ويقصدون بذلك أهل الغرب. كيف ترى هذا الانفصام والشيزفرينا في شخصية الداعية الذي إن ألمّ به سقف نراه يختار بلاد الغرب، تلك التي كان يجاهر بفسادها وينادي بمحاربة أهلها. هل هو انفصام في الشخصية المسلمة؟ أم أنّه شئ آخر لم يخطر لي ببال؟

> إنه الفقر المعرفي، والفقر الروحي، الممتزجان بضيق الأفق، المؤدي إلى الانتقام من الغرب الذي تعتبر مزاياه مرآة لمعايبنا، فنحن نكره أن نرى ضعفنا في قوة الغرب، وتخلفنا في تفوق الغرب، وتمزقنا في وحدة الغرب، فأردنا بشكل ضمني أن نزيل أي أثر لتلكم المرآة المرعبة التي تفضحنا أما أنفسنا، فننكرها بالدعوى إلى إزاحتها، والقضاء عليها، إنه مرض نفسي لشخصيتنا الجمعية مع كامل الأسف، ولقد وجدنا في نصوص الموروث الثقافي الديني ما يشجع هذه النزعة الاقصائية فينا مع كامل الأسف.

< حدثنا عن الطبعة الجديدة (الثالثة) لكتابك صحيح البخاري وماذا أضفت إليها من تعديلات أو تنقيحات أو ما شابه ذلك

> كتاب صحيح البخاري نهاية أسطورة في طبعته الثالثة تتميز أولا بكونها طبعة أكثر أناقة، بل يمكن أن نصفها بأنها طبعة فاخرة، تميزت بمقدمة جديدة نوضح فيها رأينا ومنهجنا الذي اعتمدناه في البحث الذي نقدمه، كما فيها رد تفصيلي وتشريح لمخطوطة جديدة لصحيح البخاري ظهرت على الساحة وتسمى بمخطوطة القابسي،  كما أنني اتفقت مع دار بدوي للنشر، على أن ترفق هذه النسخة بكتيب يقدم شهادات وآراء حول كتاب صحيح البخاري نهاية أسطورة، سيوزع مجانا كهدية لمن اقتنى الكتاب، حتى يتمكن القارئ لمعرفة الظروف التي أنتجته، وردود الأفعال التي أثارها في الساحة بعد صدوره. كما أن هذه الطبعة الجديدة ستكون رهن إشارة كل قراء اللغة العربية، في مختلف دول المعمور وتحديدا أوروبا والشرق الأوسط وكثير من دول شمال إفريقيا.

شاكرلكم سيدي لتفضلكم بالإجابة المستفيضة والمتأنية وصبركم الجميل على إلحاحي المستمر.

الشكر الكبير والأوفى لمنبركم الإعلامي الذي أتاح لي فرصة على مدار ثلاثة أسابيع لألتقي بجمهور جديد ألا وهو جمهوركم العريض والمتميز، وقد سحت بي في أجواء من الفكر الإنساني الحر، فجزاكم الله حسن المآب، وسلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق