آراءسياسة

ضفاف

إشكالات الخارطة الحزبية السودانية!

عاصم فقيري

تشكلت في السودان حركات وجمعيات سودانية إبان فترة الاستعمار البريطاني وواكبت فترة التحرر الوطني التي كانت تشتعل في أنحاء مختلفة من العالم.

ما كان يميز الحركة الوطنية السودانية حينها هو ليس فقط مقاومة المستعمر وإنما مقاومة من ترتبط مصالحهم بالمستعمر حيث تحالفت القطاعات التقليدية مع المستعمر في مقاومة الحركة الوطنية السودانية التي كانت تراهن حينها على الجماهير، تشكلت الحركة الوطنية في المدن الكبيرة وتمددت لتصل الريف.

وكانت أولى لبنات الحركة الوطنية هي جمعية الوحدة السودانية بقيادة الضابط على عبد اللطيف والذي تم سجنه من قبل سلطات المستعمر بتهمة التحريض في العام 1921م، وفي العام 1924م تم تشكيل تنظيم/حركة باسم جمعية اللواء الأبيض وكان هدف التنظيم طرد المستعمر البريطاني من البلاد وبسبب الحراك الجماهيري الذي قادته جمعية اللواء الأبيض انطلقت المظاهرات الشعبية والتي عمت الخرطوم في ذلك العام 1924م الى أن تم قمعها عند اغتيال السير لي ستاك وعندها اجبر البريطانيون الجيش المصري على الانسحاب من السودان.

وبعدها تشكل مؤتمر الخريجيين ككيان سوداني مدني مقاوم والذي تسيد المشهد حتى ظهور الأحزاب السياسية السودانية في العام 1946م.

كان مؤتمر الخريجيين يضم مختلف ألوان الطيف السياسي من يمين و وسط ويسار، وهنا كان دور الأحزاب في السيطرة على مؤتمر الخريجيين عبر الزعيم اسمعيل الأزهري بواسطة حزب الأشقاء والذي كان هو أول الأحزاب السياسية بقيادة زعيم طائفة الختمية السيد علي الميرغني، كما أسّس المعتدلون حزباً خاصاً بهم، حزب الأمة، بدعمٍ من السيد رحمان المهدي، نجل المهدي وزعيم طائفة الأنصار، بنية التعاون مع البريطانيين إلى جانب السعي للاستقلال، تحت شعار “السودان للسودانيين.”

وكما سيطر الحزب الشيوعي على الحركة النقابية العمالية من خلال عمال سكك حديد السودان، وتمكن الحزب الشيوعي من تكوين اتحاد نقابي تم الاعتراف به رسميا وكذلك تشك اتحاد المزارعين في نقابة يسارية وساهمت هذه الكيانات العمالية والمزارعين في النضال ضد المستعمر.

يبدو فيما ورد من المقدمة أعلاه أن هنالك اصطفاف طبقي وبروز خريطة سياسية ذات تصنيف ذو ملامح واضحة من حيث الموقع الطبقي لكل فئة، وهذا ما كان يبدو وكأنه نضج سياسي مبكر، إلا أن هذا قابلته في ذات الوقت تحالفات غير معلنة كانت تتهيب حدوث حركة تحرر وطني كاملة الأركان ولا سيما أن الطائفتين الرئيسيتين دخلا السياسة من خلال سيطرتهما على اهم أضلع المنظمات الجماهيرية المكونة لمؤتمر الخريجين وهما الاتحاديين والمستقلين وخط اليسار خطه عبر النقابات من عمال ومزارعين فكانت تلك مرحلة فرز مبكرة جعلت من الصراع يحتد وان لم يكن بشكل معلن!

هذه البداية لتشكل ومخاض و ولادة الحركة السياسية السودانية والتي لم تمكث كثيرا حتى نال السودان استقلاله و وجد الحزبين الدعم الكافي من المستعمر قبل أن تصل مرحلة الوعي الجماهيري الى مستوى النضج الذي يجعل منها صانعة لقراراتها  المصيرية دون وصاية، حيث أنها وقعت تحت الوصاية الطائفية فورا بعد خروج الوصاية الاستعمارية البريطانية فكان هذا ملمح رئيسي من ملامح الخارطة السياسية السودانية والذي استمر على نفس الوتيرة حتى يومنا هذا بالرغم من تشكل كثير من الكيانات والأحزاب السياسية الا أنها كانت تدور في نفس الفلك للخريطة التي رسمت مسبقاً ولم تقوم حتى الأحزاب الجديدة بتبني برامج تهدف الى تكوين جبهة عريضة من خلالها تعمل على تقويم الخارطة السياسية وتقود الوعي الجماهيري!

الوضع الحزبي والسياسي في السودان أصبح أشبه بتربص كل فئة ضد الأخرى أكثر منه برنامج وطني لكل فئة أو حزب أو كيان لبناء سودان حر مستقل!

سرعان ما تشكل أيضاً حزب إسلامي واستطاع اختراق الأحزاب الطائفية الرئيسية ومرر أجندته من خلالها وهنا كان دور الحزب الإسلامي (الحركة الإسلامية فيما بعد أو الجبهة الإسلامية) واضحا في معاداته للأحزاب اليسارية وكرس كل جهده وتكتيكاته في محاربة الأحزاب اليسارية لأنه على علم أنها الوحيدة في الساحة السياسية التي يمكن أن تسهم في نشر الوعي الجماهيري والذي ان وصل مستوى متقدم لن تكون هناك أرض خصبة لنمو حزب إسلامي أو أي حزب ديني، وفي ذات الوقت كانت الأحزاب الطائفية أيضاً متربصة بالأحزاب اليسارية ومتربصة حتى بالكيانات النقابية والعمالية والتي تعتبرها أيضاً أداة من أدوات الفعل الجماهيري الذي سينتفض يوماً ما ضد الطائفية وغيرها من أشكال السيطرة التقليدية!

على الجانب الآخر كان الصراع السياسي هذا يأخذ حيزاً من المؤسسة العسكرية وكل من الأحزاب السياسية تسعى لأن تسيطر على القوات المسلحة وتستغلها كأداة لتوطيد حزبها دون الاهتمام لأهمية أن تكون القوات المسلحة قوات قومية غير حزبية وأن تكون بعيدة عن السياسة والاستقطاب الحزبي والأيديولوجي، هذا من شأنه أيضا أن أربك البنية السياسية السودانية وإليه تعود الانقلابات العسكرية  المتكررة وافساد المؤسسة العسكرية والذي نتائجه واضحة للعيان في الراهن، ولكنه بدأ مبكرا في السودان وتمادت مؤخراً الحركة الإسلامية في تخريب المؤسسة العسكرية لصالح طموحاتها السياسية فكان هذا الوضع الراهن!

كل تلك العوامل سويا هي التي جعلت الاوضاع الحالية ماثلة أمامنا، لذا المخرج من هذا المأزق القديم المتجدد صعب جداً ويحتاج إلى إعادة هيكلة الأحزاب السياسية كما هيكلة القوات النظامية!

كيف تكون هيكلة الأحزاب السياسية؟

من خلال مؤتمر سوداني شامل وعريض مؤتمر سمه مؤتمراً دستوريا أو مؤتمر وفاق تستطيع من خلاله كل القيادات الحزبية الحالية المشاركة بروح وطنية جادة وتقدم تنازلات لوضع دستور للأحزاب نفسها قبل كل شيء وأن تلتزم الأحزاب بذلك وفي ذات الوقت أن تكون هناك شروط من شأنها أن تجعل أقصى عدد للأحزاب لا يتجاوز الأربعة أحزاب!

ثانيا، قانون الأحزاب يجب أن يضع فقرات تحدد الممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب نفسها ويجب منع أن يكون الحزب تحت طائفة دينية أو زعامة قبلية أو أي طائفة كانت!

فهل نستطيع أن نعيد هيكلة أحزابنا ونعيد هيكلة قواتنا النظامية ونعمل من أجل الوطن قبل أن نعمل من أجل حزب أو طائفة أو قبيلة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق