
جذور البيدوفيليا في الفقه الإسلامي (2-2)
المفكر المغربي أحمد عصيد
يبدو أنّ هذا الشذوذ الجنسي كان سائدا لدى الشعوب الأخرى من غير المسلمين كما أشرنا في الفقرة أعلاه، مما يمكن معه القول إنّ الفقه الإسلامي تأثر بثقافة محيطه كما تأثر بها الفقهاء من الذين قرؤوا النصوص الإسلامية وفهموها في سياقها لذلك الزمان.
إنها أمور كانت طبيعية في القرون الغابرة، لكنها اليوم صارت منكرة وفي غاية القبح، ولهذا انقسم فقهاء اليوم بين من سكت عن هذا الموضوع وترك الدول تقرر فيه ما تراه وفق التزاماتها وحسب التحولات الجارية، وبين من ظلّ مُصرا على تكرار المواقف الفقهية القديمة معرضا نفسه إما للمحاسبة أو للسخرية.
حيرة الفقهاء والدعاة وارتباكهم في عصرنا:
ما زال الكثير من الفقهاء والدعاة الدينيين يصرون على النظر إلى الطفلات بنظرة غير سوية، حيث يعتبرونهن صالحات للاستهلاك الجنسي طبقا لما أجمعت عليه المواقف الفقهية القديمة، كما يعارضون كل الدعوات المدنية الداعية إلى حماية الطفولة من الاغتصاب باسم الزواج، حيث يعتبرون ذلك عرقلة لـ «العِشرة الحلال» كما سماها الدكتور أحمد الريسوني، دون أن ينتبهوا إلى أن «العِشرة» المعنية هنا إنما هي مسؤولية جسيمة تتعلق بالراشدين البالغين وببناء أسرة، وليس فقط استهلاك لحم الطفلات في الفراش.
ومما يترتب عن هذه النظرة المليئة بالشذوذ ما يتعلق بـ»حجاب الطفلات»، حيث يثبت إصرار المتطرفين على تحجيب الطفلات الصغيرات نظرتهم غير البريئة إلى أجسادهن، وقد كتب أحدهم قبل عام من هذا التاريخ دون خجل أو وجل، معلقا على ظاهرة اغتصاب أئمة المساجد للطفلات الصغيرات، بأنه على المغاربة أن يمتنعوا عن إلباس طفلاتهم تنورات قصيرة لتجنب إثارة شهوات الرجال ( !؟). وهل هناك خبل أكثر من هذا ؟
وفي عصرنا هذا ما زال بعض المشايخ يكررون ما ورد على ألسنة فقهاء الأمس البعيد، فهذا الشيخ عبد العزيز بن مرزوق الطريمي في معرض رده على من أنكر تزويج الطفلات في سن السادسة أو التاسعة انطلاقا من حقوق الإنسان المعاصرة وحقوق الطفل، وبعد أن استعرض أسانيد الأخبار الواردة في البخاري ومسلم والتي تثبت بأن الرسول تزوج عائشة في السن السادسة ودخل عليها في سن التاسعة قال موضحا بمنطق غريب لا يصدر عن عاقل:» إذا كان الغرض من ذلك (أي احترام الطفولة) هو أن يتأسى المسلمون بأنظمة عالمية فينبغي أن يشار إلى أمر مهم وهو أن هناك فرق بين المسلمين والكفار في باب الأخلاق، ينبغي أن يعلم أننا نختلف معهم في أصول الأخلاق».
فالشيخ هنا يعتبر بأن من الأخلاق الحميدة التي يتحلى بها المسلمون ويختلفون بها عن «الكفار» نكاحهم للطفلات وهذا معناه أن الغربيين «الكفار» غير متخلقين ما داموا لا يمارسون هذه الأفعال الشنيعة، إنه العالم مقلوبا رأسا على عقب.
وقد حاول «الأزهر» سنة 2019 فرض قانون للأحوال الشخصية في مصر يبيح زواج الطفلات ـ طالما وافق ولي الأمر والقاضي الشرعي ـ وهو أكبر دليل على أن المؤسسات الدينية الرسمية ما زالت لم تستطع إحداث القطيعة المطلوبة مع مساوئ الفقه القديم، غير أن قرارا رئاسيا عجل بإصدار مادة قانونية مجرمة لتزويج القاصرات في مصر وهي المادة رقم 227، فقرة 1 من قانون العقوبات، نصت على أنه «يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين أو بغرامة لا تزيد عن ثلاثمائة جنيه، كل من أبدى أمام السلطة المختصة بقصد إثبات بلوغ أحد الزوجين السن المحددة قانونا لضبط عقد الزواج، أقوالا يعلم أنها غير صحيحة، أو حرر أو قدم لها أوراقا كذلك، متى ضبط عقد الزواج على أساس هذه الأقوال أو الأوراق».
إن مجتمعا يقبل بتزويج القاصرات هو مجتمع عليل يعاني من انعدام الوعي بقيمة الإنسان، ومن الضروري التفكير في مواجهة هذه الظاهرة التي هي من مظاهر التخلف الفاضحة.
وإذا كانت الكنيسة قد اعتذرت غير ما مرة واعترفت ببشاعة ما يقع داخلها، فإنه لا توجد حتى الآن أية مؤسسة أو مرجعية رسمية إسلامية اعتذرت أو نشرت بيانا في الموضوع، حيث ما زالت طبقة الفقهاء المسلمين تلوذ بالصمت وتتهرب من مواجهة المشكل وتحمل مسؤوليتها التاريخية.
الحلول والتدابير المطلوبة لوضع حد لاغتصاب الطفلات باسم الزواج:
لمواجهة هذه الظاهرة السلبية والخطيرة من الضروري العمل على:
ـ إقبار فقه اغتصاب الطفلات بشكل حاسم ونهائي من طرف المرجعيات الفقهية الرسمية للدول الإسلامية، والاعتراف بأن ما ورد فيه مرتبط بزمان آخر غير زماننا هذا وأنه لا يجوز بحال إحياؤه من جديد والاستمرار في اعتماده.
ـ تغيير مفهوم البلوغ من المعنى التقليدي إلى المعنى القانوني العصري، احتراما لمعنى الطفولة ولحقوق الطفل.
ـ إلغاء المواد 20، و21، و22 من مدونة الأسرة، وملاءمة التشريعات الوطنية طبقا للدستور مع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل. وسن مواد في مدونة الأسرة تتضمن عقوبات ضد من خرق سن الزواج القانونية التي هي 18 سنة.
ـ القيام بحملات تحسيسية واسعة وممتدة وغير موسمية لرد الاعتبار للطفلات وحمايتهن، وخاصة في المناطق القروية مثل نواحي ميدلت ووزازات، وتوفير بنيات التمدرس وإلزام العائلات بتدريس بناتها.
ـ معاقبة القضاة الذين يبالغون في استعمال سلطتهم التقديرية لتكريس ظاهرة تزويج القاصرات.
ـ معاقبة المواطنين الذين يعتمدون زواج «الفاتحة» الذي لا يتم توثيقه لدى قاضي محكمة الأسرة بسبب خرقه لسن الزواج القانونية.
ومن لا يريد ان يصدق هذا التدافع الحقيقي، فلربما يقضي المعركة الكبرى وهو يكذّب ظله حينما ترفع يمينه الراية.
وليبق ما بيننا