ثقافة وفن

للكاتبة الأمريكية: (دروسيلا دونجي هيوستن 1836م – 1941م) من معرض الكتاب الدولي – بالخرطوم

تمت مُصادرة كتاب النوبيون العُظماء

د. محمد عطا مدنى

(1)

استهل الكاتب الأمريكى (جورج جيمس) قوله فى كتابه (الإرث المسروق ) أن الفلاسفة الإغريق الكبار أمثال أفلاطون وأرسطو قد سرقوا الحكمة من العلوم والمعارف الأفريقية وخاصة الجنوبية ، ورَوَى فى كتابه أن الأصل فى ثقافة وحضارة الإغريق والمصريين القدماء يعود إلى الحضارة النوبية العريقة ، أقدم حضارات التاريخ .

ولمعرفة عظمة النوبيين القدامى والحديث لمترجم كتاب الكاتبة الأمريكية دورسيلا هيوستن الأستاذ غانم سليمان  لابد لنا من معرفة شخصية النوبى القديم الذى كان متدينا ورعا وتقيا وعفيفا ومستقيما وقد يكون لصلة النوبيين بسلالة الأنبياء دورا فى ظهور هذه السمات فهم أحفاد (كوشايم بن حام بن نوح) عليه السلام . فقد نهل النوبيون من هؤلاء الأسلاف التدين والعقيدة السمحة ، حيث تضمنت عقائدهم الدينية القديمة عقيدة الإيمان باليوم الآخر قبل ظهور الأديان السماوية . وكذلك البعث والحساب . وهذه من أساسيات العقيدة الإبراهيمية المنزلة . لقد كان النوبى القديم يتقى ربه ويراقبه فى قوله وعمله ويدل على ذلك :

(كتاب الموتى ودعاء المبعوثين)

فى تراثهم الدينى .

إلا أن الموروث الثقافى والعلمى والفكرى لهؤلاء العظماء والذى كان موجودا حتى ظهور المسيح عليه السلام ، قد تم تدميره بواسطة التطرف المسيحى الأعمى ، ولم يتبق منه سوى ألفى مخطوطة محفوظة فى متاحف العالم المختلفة ولا تجد من يناشد بها أو على الأقل من يطلع عليها ويجرى بعض الدراسات لاستخراج ما فى بطونها من علوم وحكمة وإرث حضارى يعتبر الأقدم فى تاريخ العالم .

ويواصل مترجم الكتاب الأستاذ (غانم سليمان) حديثه فى تقديمه للكتاب اعتمادا على مراجع موثوقة بقوله :

أما الصفة الثانية من خصائص النوبيين فهى السخاء والكرم إذ وصف المؤرخ (هيرودوتس) النوبيين قائلا :

إنهم الرجال العاقلون الذين ترجع أخلاقهم إلى العصر الذهبى حيث يقوم الإله (جوبتير) بحضور ولائمهم ومآدبهم ويتقبل قرابينهم .

كَذَلِكَ علِيَ الْجَانِبُ الْأُخَرَ وصف (هيرودتس) كذلك مائدة الشمس التى كانت تقام فى معبد أمون فى مروى قائلا :

توجد حديقة وميدان كبير فى الضواحى مزودة بموائد مملوءة بمختلف اللحوم والأسماك وتقدم أثناء الليل وطوال النهار لكل من يريد أن يتناول الطعام ، وكانت الموائد تقدم للزوار والحجاج والطلاب والتجار المارين بالقوافل التجارية التى كانت تعبر بلاد النوبيين ،

وكان الطعام يوضع فى الميدان وداخل المعبد والهيكل المقدس ، والذى كان بمثابة كلية جامعية كذلك فهمنا من أَثناء هذا المصدر من أين جاءت عادة الافطار خارج البيوت فى رمضان وإيقاف السيارات عنوة للإفطارعلى الطرق الرئيسية ، أنها عادة نوبية قديمة انتشرت فى كل أنحاء السودان .

ويواصل الأستاذ غانم فى تقديمه لهذا الكتاب قوله نقلا عن (هيرودوتس) :

*ومن شيم النوبيين الرجولة وقوة الشخصية والشكيمة والاعتداد بالنفس ، فعندما أراد (قمبيز الفارس) الذى دوخ الإغريق وفتح الوجه البحرى فى مصر استكشاف بلاد النوبيين استعدادا لغزوها ، وبعث السفراء يحملون الهدايا إلى ملك النوبيين ويقال أنها كانت مكونة من جبة حمراء قطيفة وذهب وعطورا وبرميلا من عرق التمر ، نظر ملك النوبيين إلى هذه الهدايا باحتقار وذكـر لهم : أنا لا أستغرب أنكم تأكلون مثل هذه القمامة لذلك لا تعمرون كثيرا . نحن نعيش أكثر من مائة وعشرين عاما بصحة جيدة ، وأرسل إلى قمبيز سهما حديديا ورسالة غاضبة يقول له فيها : عندما تستطيع أن تثنى هذا السهم الحديدى الصلب والذى هو من صنعنا ، سوف تستطيع حينئذ ان تشن حملة على بلاد النوبيين .!!

ولولا أن الكاتبة الأمريكية قد رجعت الى مراجع أصلية مثل كتب : راولنسون (الممالك القديمة) ، وبونسون (فلسفة التاريخ القديم) ، وبلدوين (الأمم القديمة)، وديودورس الصقلي (الكتاب الثالث) ، وهيرودوتس (الكتاب الثانى) ، وريكلوس ( كتاب أفريقيا) ، وايميليا ادواردز (ألف ميل فى أهالى النيل) ، ولم تعمد إلى الرجوع إلى المراجع التي اعتمدت على المنقول من المعلومات والأحاديث المروية ، لما صدقنا حرفا مما كتبته عن الحضارة الكوشة . وحتى أنها لم تعمد إلى الكتابة فيما نعرفه عن الحضارة الكوشية من تاريخ مكتوب ومحفوظ وإنما عمدت إلى استنباط ماهو مخبوء فى بطون تلك الكتب الأصيلة من معلومات نجهلها تماما عن حضارتنا الزاهره .

وتقول الكاتبة الأمريكية (دورسيلا هيوستون) :

ان الحفريات التى قام بها عالم المصريات والأثار (السير ماثيو فلاندرز) فى مصر بَيْنَت وَاِظْهَرْت عن آثار جنس سبق وجود المصريين القدماء وهذا الجنس هو الذى قام بتعمير المراكز الحضارية الأولى فى العالم . وقد سمى هذا الجنس الرائد الذى أوقد مشاعل الفن والعلوم (الكوشيون السمر) الذين أسسوا أوليات المدن والمراكز الحضارية فى العالم القديم . ومبتكروا الأساليب الحياتية المعاصرة . وقد امتد تأثيرهم من الهند الى العراق واسيا الصغرى وحوض البحر المتوسط وشمال افريقيا ووادى النيل بأكمله من اواسط افريقيا الى البحر المتوسط .

(وهذا الزمن سابق لتحرير (بعانخى وتهارقا) لوادى النيل من الليبيين بسنوات طويلة جدا). وتقول لماذا يخفى المؤرخون الحقائق التى تتحدث عن الجنس المعلم لمصر القديمة والجنس الذى اعتمدت علي علمه حضارة الإغريق واليونان ؟ وقالت حتى الآلهة الأغريقية والرومانسية : (زيوس) و (جوبتير) هى آلهة نوبية أصلا . وتواصل (دورسيلا هيوستن) :

لقد حكم الكوشيون بلادا تمتد من أَثناء ثلاث قارات لآلاف السنين . فهل ينتظر العالم مدة أطول ليعرف من هم المعلمون الأوائل الذين تتضاءل امام مجهوداتهم فتوحات الاسكندر الأكبر ويوليوس قيصر ونابليون ؟

وتتساءل :

هل هنالك (مخاوف) من الجديـد عن هذا الجنس حفاظا على ماكتب عن حضارات مصر والاغريق والرومان طوال العهود السَّابِقَةُ ؟

لقد بنى الكوشيون مدنا عظيمة امتدت آثارها حول نطاق حوض البحر المتوسط والتى تبدو وكأنها أنجزت بواسطة عمالقة مما يظهر براعة وعبقرية الشعوب الكوشة ، لقد كان الكوشيون مصدر كل علم ومعرفة عرفها المصريون القدماء ونقل هذا العلم فيما بعد الى بلاد الأغريق والرومان . (حديث يضعنا كنوبيين أمام مسؤولية جديدة وخطيرة ، ولا أعلم بالضبط إلآم سيؤول هذا الكلام الخطير ومن سيتحمل مسؤوليته ؟)

تقول مؤلفة الكتاب :

لقد تعودنا على الاعتقاد بأن الكوشيين يقطنون فقط البلاد الأفريقية . ولكن هذه ليست الحقيقة ، إن دراسة الخرائط الجغرافية القديمة ومدونات الجغرافيين القدماء تكشف لنا أن أراضى الشعوب الكوشية السمراء كانت واسعة وممتدة بشكل كبير .

فقد أوضح العالم (روزنمولر) بأن اسم كوش كان يطلق على جميع بلدان المناطق الحارة من الهند الى شمال أفريقيا وأسبانيا ..!! والدليل الآخر أن الإغريق كانوا يطلقون اسم كوش على البلاد التى تحيط بنهرى السند والجانج

(روزنمولر : الجغرافيا الإنجيلية ج 3 ، ص154) وضمت أراضيهم أجزاء من إيران . وكان الكوشيون أول من قدم للعالم نظام الحكومات . فقد كتب المؤرخ (اسطفانوس البيزنطى) معبرا عن الشهادة الصادقة للتاريخ قائلا :

(كانت دولة الكوشيين أول دولة تأسست فى العالم ، كَذَلِكَ على الْجَانِبُ الْأُخَرَ أن الكوشيين هم أول من عبد الآلهة وسن القوانين) (وليس حمورابي فى العراق) .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق