
على الدول الأوروبية خفض استهلاكها الشهري من الغاز بنسبة 15%
خبراء ... ملء مخزونات الغاز لن ينقذ أوروبا من أزمة الطاقة
عبد العالي الطاهري
في الوقت الذي تتنافس فيه دول الاتحاد الأوروبي لملء مخزونات الغاز بالكامل قبل موسم الشتاء الذي يشهد ذروة الطلب على الكهرباء لتدفئة المنازل والشركات، يُحذّر خبراء من أن التخزين ليس الحل المثالي لنقص إمدادات الطاقة في القارة العجوز.
ويؤكد خبراء في مجال الطاقة أنَّ العامل الأكبر لأمن الطاقة في أوروبا خلال الشتاء المقبل هو خفض الاستهلاك بما يكفي لضمان استمرار الوقود المُخزَّن خلال الأشهر قارسة البرودة، وفقًا لوكالة رويترز.
وأصبحت خزَّانات الغاز في روسيا ممتلئة الآن بنسبة 79.94%، بحسب ما نشرته رويترز، لكن مفوَّضة الطاقة في الاتحاد الأوروبي كادري سيمسون أعلنت يوم الأربعاء 31 أغسطس/آب- نجاح دول القارة في الوصول إلى تخزين 80% من الغاز قبل الهدف المحدد سابقًا بحلول الأول من نوفمبر/تشرين الثاني، بحسب بيانات اطّلعت عليها منصّة الطاقة المتخصصة.
مخزونات الغاز في أوروبا
كان التنافس بين الدول الأوروبية على ملء مخزونات الغاز جد شرس خلال شهور الصيف، خوفًا من نقص إمدادات الغاز الروسي، جرّاء هجوم موسكو على كييف في فبراير/شباط من العام الجاري (2022)، وما أعقبه من توتر في العلاقات بين البلدين، وحظر لمنتجات النفط والفحم الروسي.
وأعلنت شركة غازبروم الروسية يوم الأربعاء 31 أغسطس/آب، وقف خط أنابيب نورد ستريم 1، للصيانة من الساعة 01:00 صباحًا بتوقيت غرينتش (04:00 صباحًا بتوقيت مكة المكرمة) بداية من يوم الأربعاء، حتى الساعة 01:00 صباحًا بتوقيت غرينتش (04:00 صباحًا بتوقيت مكة المكرمة)، ليوم السبت 3 سبتمبر/أيلول (2022).
ويمتد موسم الغاز الشتوي من أكتوبر/تشرين الأول إلى مارس/آذار، ويبدأ موسم الغاز الصيفي في أبريل/نيسان، وعادةً ما ينخفض الطلب على الغاز في موسم الصيف، ويذهب المزيد من الغاز إلى التخزين.
ويمكن أن تغطي مخزونات الغاز الحالية ذروة استهلاك الغاز في أوروبا خلال موسم الشتاء في أيّ سنة عادية، لكن في عام 2022، مع انخفاض التدفقات الروسية عبر خط أنابيب الغاز (نورد ستريم 1) -خط الأنابيب الرئيس إلى أوروبا- إلى 20% من طاقته الإنتاجية، فإنَّ هذه المخزونات لن تكون قادرة على تحقيق التوازن المطلوب.
ويرى مركز أبحاث الطاقة (أورورا) أنَّ التخزين الكامل للغاز يمكن أن يلبّي احتياجات الدول الأوروبية لنحو 3 أشهر، في أفضل الأحوال.
وفي ألمانيا -موطن ما يقرب من ربع مخزونات الاتحاد الأوروبي- يمكن للغاز المُخزَّن تلبية 80 إلى 90 يومًا من الطلب المتوسط.
وتمكّنت ألمانيا في منتصف أغسطس/آب (2022) من تجاوز الهدف المتمثل في ملء مخزونات الغاز بنسبة 75%، قبل أسبوعين من الموعد المحدد.
خفض استهلاك الغاز
قال الزميل في مركز بروغيل ثينك تانك، سيمون تاغليابيترا: «للتعامل مع هذا الوضع المتأزم، سيكون خفض الطلب أكثر أهمية من ملء مخزونات الغاز».
ومع تخزين نحو 888 تيراواط/ساعة من الغاز الآن، تجاوزت دول الاتحاد الأوروبي الـ 858 تيراواط/ساعة، التي خُزِّنَت قبل موسم الشتاء الماضي (2021).
لكن إذا فشلت الدول في خفض استخدام الوقود، فإن كهوف الغاز الأوروبية ستصبح فارغة بحلول مارس/آذار (2023)، وفقًا لبيانات شركة (أي سي أي إس)، حتى في سيناريو يستمر فيه تدفّق بعض الغاز الروسي طوال فصل الشتاء، مع استقرار درجات الحرارة عند مستوياتها المعتادة.
وتواجه العديد من دول الاتحاد الأوروبي انخفاضًا في الشحنات الروسية، إذ قطعت موسكو -أو خفَّضت- الإمدادات عن نحو 12 من أصل 27 دولة عضوًا في الاتحاد.
ولتجنّب أزمة في إمدادات الطاقة خلال موسم الشتاء المقبل، تحتاج الدول الأوروبية إلى خفض استهلاكها الشهري من الغاز بنسبة 15% أقلّ من متوسط 2017-2021.
وسيؤدي ذلك إلى ملء مخزونات الغاز ما بعد الشتاء بنسبة 45% حال استمرار روسيا في إرسال الغاز، و26% إذا خفضت روسيا التدفقات، بدءًا من أكتوبر/تشرين الأول (2022).
وزوّدت موسكو دول الاتحاد الأوروبي بـ40% من احتياجاتها من الغاز، قبل غزوها أوكرانيا في فبراير/شباط الماضي (2021)، ومنذ ذلك الحين انخفضت التدفقات الروسية إلى أوروبا بنحو 30% من متوسط 2016-2021.
وقال مدير أبحاث الغاز الأوروبي في وود ماكينزي، ماورو شافيز رودريغيز، إن غياب الغاز الروسي وعدم خفض استهلاك الغاز بنحو كبير في الصناعات والمباني، يمكن أن يؤدي إلى «تقنين استخدام الكهرباء» خلال موسم الشتاء.
ومع ذلك، لم تحدث حتى الآن التخفيضات المأمولة في الطلب على الغاز بالقارة العجوز، على الرغم من إجبار العديد من الصناعات على تقليص إنتاجها بسبب الأسعار القياسية للغاز، وهي ظاهرة تؤثّر الآن في ثلثي الطاقة الإنتاجية لشركات الأسمدة الأوروبية.
ووافقت دول الاتحاد الأوروبي، في أواخر يوليو/تموز (2022)، على خفض استخدام الغاز بنسبة 15% خلال المدة من أغسطس/آب 2022 وحتى مارس/آذار 2023، من متوسط استهلاك شتاء 2017-2021.
وكان معدل استهلاك الغاز في أوروبا، في النصف الأول من أغسطس/آب الجاري، أقلّ بنسبة 11% من متوسط الـ5 سنوات.
ألمانيا الأكثر تضررًا
أظهرت بيانات من هيئة تنظيم الطاقة الفيدرالية أن استخدام الغاز في الصناعة الألمانية تراجع عند أعلى مستوى له بنسبة 21% في يوليو/تموز (2022)، مقارنة بمتوسط 2018-2021، مقابل 14% في أوقات سابقة.
وعلى عكس معظم الحكومات الأوروبية، أعلنت ألمانيا بعض التدابير لتوفير استهلاك الطاقة، تدخل حيز التنفيذ الشهر المقبل، وتتضمن حظرًا على تدفئة حمامات السباحة الخاصة بالغاز، وتقليل إضاءة المعالم العامة وفرض حظر على المتاجر التي تعمل بنظام التدفئة وتبقي أبوابها مفتوحة طوال اليوم.
وقال محلل الشؤون الأوروبية في أغورا إنرجيويند، ماتياس باك، إن ألمانيا تحتاج إلى خفض استهلاك الغاز بنسبة 20% إلى 25% خلال موسم الشتاء، ويشمل ذلك خفض الطلب من الأسر، وهي خطوة يجب أن يصاحبها مزيد من الإجراءات الحكومية لحماية الأسر منخفضة الدخل من ارتفاع تكاليف الغاز والطاقة.
وتسبّبت المستويات المرتفعة لأسعار الغاز في ألمانيا نحو دفع فواتير الكهرباء إلى مستويات غير مسبوقة، ودخل واحد ضمن كل 4 أشخاص -حتى الآن- ضمن نطاق شرائح «فقر الطاقة»، وفق بيانات معهد كولوغن للأبحاث الاقتصادية.
وسيؤدي عدم خفض الاستهلاك هذا الشتاء إلى زيادة صعوبة ملء مخزونات الغاز خلال فصل الشتاء المقبل (2023).
وقال معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، إنه إذا فشلت أوروبا في تقليص الاستهلاك، وخفضت روسيا تدفقات الغاز، فقد يُستَنزَف مخزون أوروبا العام المقبل بحلول نوفمبر/تشرين الثاني (2023).
وساعدت واردات الغاز الطبيعي المُسال أوروبا على ملء مخزونات الغاز بسرعة هذا العام، ولكن في حال غياب التدفقات الروسية عام 2023، لن تكون سوق الغاز الطبيعي المسال قادرة على إعادة مرافق التخزين في أوروبا إلى مستويات ما قبل الشتاء.
ومن ثم فإن تقليص استهلاك الغاز في القارة العجوز أمر حتمي لا مفرّ منه.
وقال محلل الشؤون الأوروبية في أغورا إنرجيويند، ماتياس باك: « التخزين هو عنصر الأمان
أوروبا، لكن ما نحتاجه أولويةً في هذه الأزمة هو خفض كبير في الطلب على الغاز ».
صادرات خطوط أنابيب الغاز الروسي
إلى أوروبا تهبط لأقل مستوى في 40 عامًا
تراجعت صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا عبر خطوط الأنابيب لأقلّ مستوى في 40 عامًا، خلال يوليو/تموز 2022، مع تداعيات غزو أوكرانيا.
وأظهر تقرير صادر عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية، اليوم الثلاثاء (9 أغسطس/آب)، أن صادرات خطوط أنابيب الغاز من روسيا إلى الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة سجّلت 1.2 مليار قدم مكعبة يوميًا، منتصف يوليو/تموز 2022، وهو أقلّ مستوى منذ ما يقرب من 40 عامًا.
وخلال الـ7 أشهر الأولى من 2022، تراجعت صادرات الغاز الروسي إلى الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بنسبة 40% تقريبًا، مقارنة بالمدّة نفسها من عام 2021، كما هبطت بنحو 50% تقريبًا، مقارنة مع متوسط آخر 5 سنوات (2017-2021)، وفقًا لبيانات ريفينيتيف إيكون.
وكان الغاز الروسي يمثّل ثلث إمدادات الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة عبر خطوط الأنابيب خلال المدة بين عامي 2016 و2020.
صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا
تراجعت صادراتالغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب إلى الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة منذ عام 2020، نتيجة لانخفاض الطلب في أوروبا مع تداعيات وباء كورونا.
وفي منتصف عام 2021، بدأت روسيا الحدّ من صادراتها من الغاز الطبيعي لأوروبا إلى الأحجام المتفق عليها في العقود طويلة الأجل فقط، وأنهت مبيعات السوق الفورية.
وبلغ متوسط صادرات روسيا من الغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة 16 مليار قدم مكعبة يوميًا عام 2019، قبل أن يتراجع في عامي 2020 و2021 إلى 12.4 و10.9 مليار قدم مكعبة يوميًا، على التوالي.
وتصدّر روسيا الغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة من خلال 3 ممرات رئيسة لخطوط الأنابيب، التي تبلغ سعتها 16 مليار قدم مكعبة يوميًا، مع الخطوط الصغيرة المرتبطة بها.
ووفقًا لوكالة ليبر ميركادو، يُعَد الغاز الأمريكي باهظ الثمن، إذ يُستخرج عن طريق التكسير، ثم يُصدّر في صورة غاز مسال.
كما اشترت إسبانيا 5 آلاف و882 غيغاواط/ساعة (18.8 مليار قدم مكعّبة) من الغاز الطبيعي شهريًا من نيجيريا في العام الجاري (2022)،ما يشكل ارتفاعًا مقارنة بالعام الماضي، حيث عرف تسجيل 1142 غيغاواط/ساعة (3.65 مليار قدم مكعّبة) برسم سنة (2021).
ويُعَد هذا الغاز أكثر تكلفة بسبب الحاجة إلى إسالته، ونقله بوساطة ناقلات الغاز المسال.
بالإضافة إلى ذلك، استوردت إسبانيا 5 آلاف و317 غيغاواط/ساعة (17 مليار قدم مكعّبة) شهريًا من روسيا، ما يشكل ارتفاعًا مقارنة بالعام الماضي، حيث عرف تسجيل 2204 غيغاواط/ساعة (7.05 مليار قدم مكعّبة) في يوليو/تموز من العام الماضي (2021).
ووِفقًا للبيانات الرسمية لشهر يوليو/تموز، وهي الإمدادات التي تضاعفت 2.4 مرة مقارنةً بالشهر نفسه من العام السابق (2021).
وعلاوةً على ذلك، كان من المفترض -أيضًا- أن إسبانيا اضطرت إلى إرسال الغاز إلى شمال أوروبا، لتخفيف النقص الناجم عن الأعمال الانتقامية من روسيا.
والواقع هو أن الـ20 يومًا الأولى من شهر أغسطس/آب قد استُخدمت لوقف إرسال الغاز إلى شمال أوروبا عبر خط أنابيب غاز بيرينيه، واستقبلت إسبانيا الغاز عبر فرنسا، بحسب التقرير الذي نشرته وكالة الأنباء.