
هبة دنهاش*
شهد العالم خلال الفترة الأخيرة إقبالا كبيرا على مواقع التواصل الإجتماعي، مما جعل أغلب الأطفال والمراهقين مدمنين على هذه المواقع وعلى رأسها منصة (تيك توك) والتي جعلت من الكثير من الحمقى مشاهير والأخطر هو أن أغلب من يتابع هؤلاء الحمقى المشاهير هم أطفال لم يتجاوزوا بعد ال15 أو ال16 من أعمارهم، وهذا ما جعل الكثير من الآباء يشتكون من إهمال أبناءهم للدراسة وضعف تركيزهم ويقولون أ، ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى الإدمان على المنصة السابق ذكرها، وهناك من يقول أنه حاول مرارا أن يمنع ابنه من مشاهدة المقاطع على منصة التيك توك لكن من دون جدوى… وهنا يطرح السؤال : لماذا تيك توك بالظبط وليس مواقع أخرى؟
صنف المختصون في مجال علم النفس الحاجات المرتبطة بوسائل الإعلام إلى خمس فئات: الحاجات المعرفية وهي مرتبطة بالمعلومات والمعارف، والحاجات الوجدانية وهي مرتبطة بالجوانب العاطفية والمشاعر، وحاجات التكامل النفسي والاجتماعي وهي مرتبطة بالتقدير الذاتي والتواصل مع الآخرين، وأخيرا حاجات الهروب وتعكس كل ما هو مرتبط بالترفيه والتسلية.
وقد توصلت دراسة بعنوان «التعرف على الآثار النفسية والاجتماعية لاستخدام تطبيقات الفيديو القصير (تيك توك) من خلال نظرية الاستخدامات والإشباعات « إلى أن دوافع صناع المحتوى هي الشهرة والنجومية وكسب المال بالدرجة الأولى من خلال نشر فيديوهات ولو تنافت مع العادات والتقاليد وأن الأهم لديهم هو إرضاء الجمهور للحصول على الإعجاب ولو لجؤوا إلى التنمر والابتزاز.
وهذا واضح من خلال الفيديوهات التي يتم نشرها في هذا التطبيق، فأغلب مشاهير التيك توك لا محتوى لهم غير التفاهات والرقص في الفيديوهات دون أن نتكلم عن اللايفات والتي تتضمن أحيانا مواضيع ومشاهد تخدش بالحياء وهذا ما يجعل الأطفال و المراهقين اللذين يتابعونهم يظنون أنهم إن أرادوا كسب المال بطريقة سهلة فعليهم اتباع نفس الطريق التي يسلكونها مشاهير التيك توك وهذا هو الأمر الخطير .
من جانب آخر بينت دراسة أخرى أن معدل تعرض المراهقين لمحتوى غير مرغوب فيه جاء بنسبة 48.5 بالمئة، ويساهم في ذلك غياب رقابة الأهل، وهذا يشير إلى أن تطبيق تيك توك من التطبيقات التي سهلت انتشار المحتوى غير المرغوب فيه للمراهق. كما أن استخدام هذا التطبيق والإفراط فيه وصولا إلى مرحلة الإدمان يسرق براءة الأطفال وعفويتهم ويحول حياتهم إلى مجرد لقطات تمثيلية وغنائية .
وقد بينت إحدى الدراسات أن 89.5 بالمئة من فيديوهات تطبيق تيك توك التي يظهر فيها الأطفال تتضمن مشاهد أغاني ورقص، وذلك للطبيعة التي يقوم عليها التطبيق، كما يظهر الطفل بنسبة 10.25 بالمئة كمشارك مع أحد أفراد أسرته من أجل كسب المتابعين والتعليقات، مستغلين براءة أطفالهم لتحقيق الربح المادي.
تتجاوز سلوكيات الأطفال في هذه الفيديوهات سنهم، ومعظمها تقليد للكبار غلب عليها المبالغة في التعبير عن المشاعر كالغضب والإعجاب وإبداء الإنبهار برؤية شيء ما والظهور في مشاهد الرقص والتمايل. أما طبيعة القيم والسلوكيات التي يكتسبها المراهق والطفل نتيجة استخدامه هذا التطبيق فهي التأثير السلبي على التحصيل الدراسي، وهذا راجع إلى انشغال المراهق وانغماسه بعالم التيك توك بعيدا عن الواقع، وعلى الرغم من أن التطبيق يدور حول التواصل الاجتماعي مع الجمهور، فإنه يؤدي إلى الانسحاب الملحوظ للفرد من التفاعل الاجتماعي وتفضيل الشاشة على ذلك.
على الآباء المهتمين بنوع المحتوى الذي يشاهده الأطفال أن يعرفوا أنهم قد يصادفون على المنصة فيديوهات غير لائقةأخلاقيا وأخرى تحث عن العنف مما يؤدي إلى تبني الطفل قيما جديدة مغايرة للعادات والقيم الاجتماعية.
حلم رواد التكنولوجيا في جعل العالم أكثر ترابطا لا يعني بالضرورة أن يكون عالما أفضل، فقد ثار كثير من الجدل حول العولمة الرقمية وتأثيرها في الأنظمة الثقافية المحلية لصالح الثقافات المستوردة.
*صحافية متدربة،
طالبة المعهد العالي للصحافة والإعلام مراكش.