سياسة

الملكية الدستورية المغربية … جدل الاصالة والمعاصرة (1-6)

* طارق زيادة صالح سوار الدهب

•قدمت هذه الورقة العلمية في ذكرى عيد العرش الملكي المغربي، ولأسبوع العلاقات السودانية-المغربية الذي نظم بمعهد الدراسات الافريقية بجامعة محمد الخامس بالعاصمة الرباط…

مفتتح أول:

بسم الله الحق والجمال… وواجب عرفان وتحية للملكة المغربية: ملكاً وحكومةَ وشعباً يتسامى فوق حدود الزمان والمكان ليوصلها بعناية الرحمن  وهي تترسم طريقاً بخطى (واثقة) تستلهم تاريخاً تليداً، تستشرف به مستقبلاً واعداً، تستصنع منه تكاملاً متفرداً بين مكونات أصولها الحضارية ومقتضيات حداثتها الإنسانية (المعولم) لتستخرج منها عبرة تاريخية سنحاول أن نقف على اهم معالمها في فضاءات وطنية وإقليمية وعالمية مسكونة بالتناقض وحيرة التساؤل… والشكر والتقدير لسفارة المملكة المغربية بالسودان: سفيراً ومنسوبين بما يستوجب مقامهم الرفيع من تجلة، التي أتاحت لنا أن نرد بعض من جميل لمن أسهموا في تشكيل أبجديات تفكر عقولنا نحو حفريات سعيها لإدراك التدبر وصياغة حظوظ حاضرنا بما استودعوه فينا من دوافع التأمل الحر الطليق ونوازع الصرامة العلمية تحت رعاية أيادي واسماع وابصار سلسلة وضيئة من العلماء الأماجد، فلقد شرفنا بان نكون من ذلك الجيل الذي تشارك مع جلالة الملك محمد السادس رحاب جامعة محمد الخامس ننهل من معين لا ينضب من علوم القانون والإدارة ومعارف الآداب والعلوم الانسانية. وأن نكون شهوداً على الشواغل التي أرتسم بها الحراك الوطني والإقليمي والعالمي الذي انتهي حينها بانهيار الإتحاد السوفيتي وسقوط جدار برلين والانتقال من حقبة الثنائية للأحادية القطبية وما افرزته من مواقف ومقولات أرخت لأدب سياسي لمجال حيوي (استراتيجي) ومفاهيمي لخارطة عالم (متحول) من حولنا. والوعي المبكر بطبيعة تلك المرحلة التاريخية، بمخاضاتها العظيمة التي أرسي دعائمها جلالة الملك الحسن الثاني والتي شكل الملك (الشاب) حينها جلالة الملك محمد السادس استيعاباً (تاريخياً) لكل مضمونها وجسراً (أمناً) لكل متغيراتها لعبور مبادر بها نحو الضفة الأخرى التي وضعت المملكة المغربية (باقتدار) على اعتاب الحداثة والألفية الثالثة.

مقدمة عامة:

هي محاولة (متواضعة) لمحركات بحث (مختزلة) لا تسير على شاكلة النهج العلمي (الصارم) والمنهجية التحليلية (الاكاديمية): بل تقدم محفزات أولية لقراءات تاليات تستدعى مجالات واسعة للدرس المتأمل (الحصيف) الذي لا يقف عند الأصول المعرفية: التاريخية والاجتماعية للملكية الدستورية ولا ينتهي عن حدودها المفاهيمية: النظرية والتطبيقية، ولا لتمثلاتها الإجرائية: الدستورية والقانونية. أو لما قدمت من اسهام لجدلية الاصالة والمعاصرة… باستلهامها من مكونات تجربتها ذات الخصوصية، وبحسبانها وليداً اكتسب مشروعية من رحم نضالها ذاته، هادياً لها ونبراساً لما ينبغي لها أن تُنجز من قطيعة وما تستشرف من مآل وما تنتقل به عفواً أو قصداً بتداعي الحركية التاريخية بغاياته الانسانية من مرحلة اجتماعية وأيدلوجية لأخرى منفتحة على معارف أنساقها وعالمها المحيط.

هي أذن مقاربة أولية للملكية الدستورية بالمقام الأول على ضوء وثيقة دستور 2011م: لما جاء في صدارته ولأحكامه العامة الناظمة لهيكله الدستوري ولحرياته وحقوقه الأساسية التي كفلها وبشر به مواطنيه بالأساس، لنترك باقي ما جاء به من أبواب وفصول لموضوعات قراءة قادمات.

هي محاولة (تحليلية) تأسيسية أولية لمقاربات ثلاث، ينقصها الكثير حتى ترتقي بمراتب الكمال – مما قد لا يفوت على صاحب فطنة ودراية – أو أن تقترب من حدود جهد الكفاية وصوابية الاجتهاد، فهي بهذا الوجه – إذا ما التمس لصاحبها ولها عذراً لضيق ماعوني زمان وأدوات تحليل تمثلُ إسهاماً متواضعاً – فهي أولاً مقاربة سيوسيو سياسية ومقاربة سيوسيو قانونية ثانياً ومن بعد ذلك ثالثاً هي خلاصة لمقاربة النموذج المغربي في إطار المشهد العام لما يتعارف عليه ببلدان الربيع العربي.

الملكية الدستورية مقاربة سيوسيو سياسية، مدخل لتأسيس (نظري) أول:

مثل النموذج المغربي في انصهاره وتوحده مع المؤسسة الملكية تصالحاً (تاريخياً) وتطابقاً (متماثلاً) بين متلازمات ثلاث ميزت حقب تشكله المختلفة: مرابطون وموحدون وادارسة. تمثلت في اطر جامعة: المرجعية الإسلامية العربية أساساً للمشروعية الحاكمة، استمرارية المؤسسة الملكية المتعاقبة زماناً تاريخياً ومكاناً جغرافياً واجتماعاً انسانياً ليتحدد وفقاً لتفاعلات هذه العلاقات شرعنة (لمخزن) انماط مجالها السيادي والديني، والذاتية المغربية (لسائب) مختلف مكونات هويتها: الاثنية واللغوية، المدينية والريفية. وعاءاً لإنتاج رؤيتها الخاصة لعلاقتها بمرجعيتها الحاكمة ومؤسستها الملكية وهي بذلك وأن تشاركت عمومية وشمولية هذه المصادر الحضارية الإسلامية مع مثيلاتها من الأنظومات إلا أنها تقدم (معالجتها) الأيدولوجية الوطنية بمزاجها الذهني والنفسي متعدد (المشارب) بالنص (القرآني) المؤسس (الكتابي) وفي اختيار الخطاب السني المالكي مجانباً للمشافهة ومجسداً لعناصر هذه اللحمة ومعبراً عن روحها ومادتها المتجانس،

يقول المؤرخ ارنولد تويبني: (أن الثورة الثقافية تمثل نموذجاً كلاسيكياً لذلك الصراع النمطي بين معاملي الحداثة والتقليد في مجتمع تاريخي ما) أو ما يمكن أن نطلق عيه بصورة أخرى اشكالية تثاقفية لتمثلات هذا الصراع.

الحاجة للمؤسسة الملكية انطلاقاً من هذا الفهم، كأداة منهجية لصناعة التحولات الكبرى بالمغرب التاريخي لم تتمثل فقط بقدر ما أصبغته على الهياكل السلطوية (أو السلطانية حين من دهر) من شرعية بالمعنى (السياسوي) المحدود للمفهوم بل بالمقدار الأعظم بما استطاعت احداثه من قدر (ديناميكي) من تغيرات ثقافية (حداثية) سابقة للفعل السياسي (موضوعاً وشكلاً) والتي استخدمت بوعى تاريخي لتشكيل الانماط النفسية والذهنية أولاً والاجتماعية والاقتصادية ثانياً للمجتمع المغربي:

* المؤسسة الملكية ساهمت في استمرارية البعد التاريخي للمجتمع المغربي، وذلك من خلال النجاح في إدارة الحوار التثاقفي بين مكونات وعناصر هذا المجتمع التاريخية (التقليدية) وبين المتطلبات (الحداثية) التي تقتضيها ضرورات التفعيل الموضوعي لشرائط النهوض السياسي والاقتصادي المرتبطة بالإجابة التي يقدمها هذا الحوار (الاصلاحي) دوماً للعلاقة ما بين الأصول التاريخية والحضارية والمستجدات الوافدة للمنتوج الحضاري (الحداثي) بمستوييه المفاهيمي والتقني.

* المؤسسة الملكية حافظت على الوحدة العضوية للمجتمع المغربي التاريخي، فالفعل الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي (الاصلاحي، أو حتى التثويري إذا شئنا) يأتي عندها بمفهومات شمولية، لا تتعامل فقط مع عناصر (البنية الفوقية) للمجتمع المغربي بل يطال الخطاب (الاصلاحي، التثويري) باستصحاب كل الروافد المجتمعية في اتجاه تقديم مشروع اجابة متكامل يساهم في تشكيل الذهنية النفسية والعقلية بنفس القدر الذي يسوق فيه السلوك الفردي والجماعي ليصنع انماط المشروعية الاجتماعية والسياسية عند تعاطيها مع العلاقة بين معاملي الاصالة والمعاصرة او (ظاهرة التنمية والحداثة المعولم). مستدله بالتاريخ لربط حركيته بما يقابلها من بنيوية وظيفية للصيرورة التي يخوضها المجتمع المغربي خلال فترة ما من عمر تجربته السيوسيولوجية والسيكولوجية لبلوغ ما ينشده من كمالات انسانية.

(يتبع)

٭ كاتب صحفي وباحث

في مجال دراسات السلام والتنمية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق