
بعد 63 سنة كوليّ عهد التاج البريطاني …
الملك تشارلز الثالث في مواجهة السياسة، البيئة وحوار الأديان
عبد العالي الطاهري
يعتبر الأمير تشارلز أطول وريث لعرش بريطانيا، حيث أمضى 63 عامًا كأمير لويلز، لكنه الآن أصبح ملكا لبريطانيا وهو في عمر الـ 73 عاما عقب وفاة الملكة إليزابيث الثانية. وحصل تشارلز على لقب « الملك تشارلز الثالث « بعدما تولى العرش، فيما جرت، وبعناية شديدة، مراسيم تتويجه ملكا للبلاد. إلى ذلك، قال روبرت هازل، أستاذ الشؤون الدستورية في جامعة كوليدج لندن، إنه جرى التخطيط لنقل العرش بعناية بما يشمل ترتيبات جنازة الملكة لذا سيكون الانتقال سلسا في البداية. وفي مقابلة مع DW، أضاف «سيعتمد الكثير بعد ذلك على مدى قبول الشعب لتتويج تشارلز وأيضا تصرفات تشارلز كملك ومدى دعم الحكومة له». ورغم ذلك، فإن الأمير تشارلز يمتلك متسعا من الوقت قبل أن يدخل تحت دائرة الضوء كملك لبريطانيا.
حياته الاجتماعية وأولوياته
تخرج تشارلز من كلية ترينيتي في كامبريدج عام 1970 قبل أن يبدأ حياته العسكرية، التي بلغت ذروتها في قيادة كاسحة ألغام «إتش. إم. إس. برونينجتون.» وفي صيف عام 1981، تزوج تشارلز الشابة العشرينية ديانا سبنسر التي تنحدر من أسرة نبيلة ذات دماء ملكية فيما أثار الزواج ضجة إعلامية ضخمة. وكانت الأميرة ديانا أو «أميرة القلوب» كما كانت تُلقب، تحظى بشعبية كبيرة، لكن عصفت بالزواج مشاكل أدت في نهاية المطاف إلى الطلاق عام 1996، لتلقى ديانا حتفها بعد ذلك بعام في حادث سيارة مأساوي في باريس. وترددت الأنباء بأن حديثا دار بين تشارلز وديانا إبان الطلاق، قال فيه تشارلز: «هل تتوقعين جديا أن أكون أول أمير ويلز ليس لديه عيشقة؟» في إشارة إلى محبوبته كاميلا باركر بولز التي تزوجها عام 2005. وفيما عُرف عن تشارلز مغامراته العاطفية، عُرف عنه أيضا مساهماته الخيرية حيث يدعم العديد من المنظمات الخيرية بالإضافة إلى مؤسسته «برنسس ترست» الخيرية. و في سياق متصل، من المتوقع أن يُقدِم تشارلز على تعزيز تنوع الثقافات والأديان في إنجلترا حيث وعد بتنفيذ مراسيم تتويج متعددة الأديان، وهو ما شهدناه فالفعل مع مشاركة العديد من الشخصيات الدينية العالمية المُمثِّّلة للديانات السماوية الثلاث: الإسلام والمسيحية واليهودية.
ومع ذلك، فإن قضايا حماية البيئة ومكافحة ظاهرة تغير المناخ تمثل أولوية للملك تشارلز الثالث، إذ أطلق عام 2007 مشروعا يحمل اسم» مشروع الأمير للغابات المطيرة»، التي تمثل مبادرة عالمية تحظى بدعم رجال أعمال وسياسيين ومشاهير لزيادة الوعي ضد إزالة الغابات الاستوائية والعمل على مكافحة الظاهرة.
الحياد السياسي
لم يحذو الأمير تشارلز حذو والدته الملكة إليزابيث في البقاء على الحياد عند التطرق إلى القضايا السياسية أو الاجتماعية فيما تعود قصة خروج تشارلز عن الحياد السياسي إلى زمن بعيد. بيد أن أشهر الوقائع كانت سلسلة من الخطابات حملت اسم «مذكرات العنكبوت الأسود» فيما يعود هذا الاسم إلى الطريقة التي كُتبت بها المذكرات. ونُشرت المذكرات عام 2015 بعد أن نجحت صحيفة الغارديان البريطانية بعد معركة قانونية خاضتها لمدة عشرة أعوام، في الحصول على الحق في نشر الخطابات التي كتبها الأمير تشارلز للوزراء في محاولته للتأثير على السياسة. وكان تشارلز قد كتب الخطابات لسبع وزارات مسئولة عن التجارة والصحة والبيئة والثقافة والإعلام والرياضة وإيرلندا الشمالية، للتأثير على قضايا ما بين إنقاذ الأسماك المهددة بالانقراض وطلب معدات عسكرية للقوات البريطانية في العراق وحتى الموافقة على قتل الغرير لمكافحة انتشار مرض السل الحيواني بين الماشية.
لكن بمجرد جلوسه على العرش البريطاني، سيتعين على تشارلز الالتزام بالحياد، وفقًا لما أشار إليه روبرت هازلو أضاف ، أنه يجب أن يكون الملك محايدا للغاية في جميع القضايا السياسية كما كانت الملكة. وستتاح للملك الجديد فرصة في لقائه الأسبوعي مع رئيس الوزراء للتعبير عن آرائه وممارسة صلاحياته الثلاث التي ينص عليها الدستور البريطاني وهي حق الاستشارة، والتشجيع، والتحذير». وقال إنه في حالة تجاوزه هذه الحقوق، فقد تقوم الحكومة «بتذكير الملك بصلاحياته الدستورية».
فضائح الأمير … الملك
لم تكن حياة الأمير تشارلز خالية من الفضائح إذ أنه في عام 2017 وجد نفسه متورطا فيما أطلق عليه تسريبات «باراديس بيبرز» أو «أوراق الجنة» الخاصة بوثائق مالية تظهر استثمار أثرياء العالم لأموالهم في ملاذات ضريبية واستثمارات مشبوهة في الخارج. ووفقًا للتسريبات، فإن الأمر يتعلق بأعمال تشارلز التجارية في جزر برمودا. ومؤخرا، أثيرت تساؤلات جديدة حيال فضيحة أخرى هزت العائلة الملكية أطلق عليها اسم «الألقاب مقابل المال» في إطار مزاعم حصول شخصيات ثرية أجنبية على ألقاب وأوسمة مقابل التبرع في مؤسسة ولي العهد البريطاني تشارلز، فيما ذكرت صحف بريطانية أنَّ رجل أعمال سعودي نال وسام فارس فخري بسبب تبرعاته. وقد أدَّت الفضيحة إلى تقديم ثلاثة موظفين رئيسيين في المؤسسة الخيرية استقالاتهم من بينهم مايكل فوسيت الذي يُعَدُّ مساعد تشارلز المقرب فيما نفى تشارلز معرفته بهذه الممارسات. وفي ذات الإطار، يرى مراقبون أنه يتعين على ملك بريطانيا الجديد أن ينأى بنفسه عن هذه الأمور إذا كان يرغب في الحصول على دعم الشعب البريطاني.
الأمير الداعم لقضايا البيئة
بعد أن علقت به صفة الزوج الخائن، حاول الأمير أن يغير نظرة البريطانيين وبقية العالم نحوه. وانتظر ثماني سنوات حتى يعلن زواجه من عشيقته، التي تعتبر حبه الكبير، كاميلا باركر بولز. شغوف بعلم النباتات والبستنة، اعتنى بصورته كمحب للبيئة عبر رعاية عدة جمعيات تعمل في المجال، و في 2007، أنشأ مشروع «برانس رانفوريست» للتحسيس بخطر إزالة الغابات. كما أنه رئيس «دوبل في دوبل في إف» البيئية في المملكة المتحدة، ويقود معركة لصالح الزراعة البيولوجية. ولو أنه انتظر طويلا موعد اعتلائه العرش، ظلَّ الأمير تشارلز يشغل مهاما مختلفة في الملكية البريطانية، فباسم الملكة، كان يحضر مناسبات التنصيب وتشييع جنازات الشخصيات الأجنبية بعدة دول. في 2013، مَثَّل والدته للمرة الأولى في اجتماع رؤساء حكومات دول الكومنولث. وفي 2022، حظي بشرف تلاوة خطاب العرش لأول مرة أمام البرلمان بعد أن كانت الملكة إليزابيث الثانية تعاني من مشاكل صحية.
أمير في مهب العاصفة
أثار الأمير، الذي يعتبر غريب الأطوار، الجدل في 2005 عندما صافح الديكتاتور روبير موغابي في جنازة البابا يوحنا بولس الثاني، عشر سنوات بعد ذلك، كشفت رسائل، نشرتها الصحافة، وجهت إلى أعضاء في حكومة توني بلير، تدخل ولي العهد في الأمور السياسية على عكس تقاليد الحياد لدى العائلة الملكية. وفي 2017، أُدرج اسمه ضمن «أوراق الجنة» التي أظهرت أن دوقية كورنوال، التي تدير أمواله، قد تكون استثمرت 3,5 مليون يورو في جزر كايمان. وفي يوليو/تموز 2022، وجد نفسه مجددا في قلب فضيحة، بسبب اتهامات مفادها أنه تلقى مليون يورو من عائلة أسامة بن لادن في إطار أعماله الخيرية. وهذا ما أثَّر بشكل كبير على شعبيته التي تدهورت وسط البريطانيين من 50 إلى 42 بالمئة، حسب استطلاع رأي أصدره معهد «يوغوف»، بعيدا عن ابنه البكر وليام الذي يحظى بتقدير أكثر في المملكة المتحدة.
واختار كعاهل جديد للبلاد اسم تشارلز الثالث، رغم أن اسم «تشارلز» يعتبر مشؤوما في التاريخ البريطاني، وفي كل الأحوال، سيكون أمام مهمة جديدة لن تكون طويلة على غرار المدة التي قضتها والدته في الحكم بالنظر لعمره، ربما يحرمه هذا من ترك بصماته الخاصة في تاريخ الملكية البريطانية.
تشارلز الثالث ملكا لبريطانيا: ما الذي يتوقعه العرب
من الملك الجديد؟
طوال الفترة التي كان فيها وليًا لعهد بريطانيا، فإن الملك تشارلز الثالث، لم ينقطع عن زياراته للمنطقة العربية، التي يقول كثيرون إنه يعشق تاريخها، ولم ينقطع يوما عن الاطلاع على ثقافتها، ربما بحكم تاريخ بلاده وعلاقاتها التاريخية بها، وقد شوهد في صور كثيرة وهو يزور متاحف للفن الإسلامي، كما شوهد وهو يرتدي الزي العربي التقليدي، ويرقص رقصة العارضة الشهيرة مع العديد من الأمراء، في المملكة العربية السعودية.
راعٍ للحوار بين الأديان
وبعيدا عن ماضي المملكة المتحدة، وتورطها في المنطقة العربية عبر حقبة استعمارية تاريخية طويلة، فإن عدة تقارير سابقة، أشارت إلى أنَّ الملك تشارلز الثالث، أبدى اهتماما منذ عقود، بالتعرف على الثقافة العربية والفن الإسلامي، وأنه سعى إلى تعلم اللغة العربية لفترة طويلة كما قرأ القرآن، طبعًا في صيغته المترجمة إلى اللغة الإنجليزية. وضمن زياراته المتكررة للمنطقة العربية، اختار الملك تشارلز الثالث، حين كان وليًّا لعهد بريطانيا، أن تكون المنطقة وجهته، في أول زيارة يقوم بها، بعد انقشاع أزمة كورونا، حيث زار كلا من الأردن ومصر، وهناك أبرز دوره الذي عُرف به منذ عقود كباني لجسور التواصل بين الأديان.
فعقِب زيارته للجامع الأزهر خلال تلك الجولة الشرق أوسطية، أكَّد الأمير تشارلز على هذا الدور، وقال في كلمة ألقاها في جامعة الأزهر بمصر «أؤمن من عميق قلبي، بأنه يتعين على كل الرجال والنساء المسؤولين في هذا العالم، أن يعملوا من أجل استعادة الاحترام المتبادل بين الأديان، وأن علينا أن نبذل كل ما بوسعنا لإنهاء حالة انعدام الثقة التي تُسمِّم حياة الكثيرين». وفي تقرير نشرته صحيفة الجارديان، عن مقابلة أجراها راديو 2 بالبي بي سي مع تشارلز، عام 2015 قالت الجارديان إن تشارلز وباعتباره وريثًا للعرش ، فإنه أيضا وريث لقب المدافع عن العقيدة )الأنغليكانية ( وهو الدور الذي ظلَّ يناقشه علنًا على مدار العشرين عامًا الماضية. وكان تشارلز قد قال في تلك المقابلة: «قلت دوما إنني أفضل أن يُنظر إلي كمدافع عن الإيمان، طوال تلك السنوات الماضية، لأنني أدافع عن حرية أصحاب المعتقدات الآخرين في هذه البلاد في العبادة، ويبدو لي دائمًا أنه يمكنك في نفس الوقت الذي تعمل فيه على الدفاع عن الإيمان أن تكون حاميا لكل الأديان».