
محمد عتيق
قوى الحرية والتغيير وما أدراك ما قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) ، قحت ، ٤ طويلة ، أو ما شءت من تسمية ، هي في نهاية الأمر من أحزاب السودان التي ناضلت (حسب قدرتها وتصوراتها) ضد النظام الساقط ، ومع بقية الأحزاب وقوى المجتمع المدني والنقابي أسست «قوى الحرية والتغيير» وصاغت إعلانها «إعلان الحرية والتغيير» ، ليحتشد خلفها شباب وشابات السودان ، ووجدت في هذا الإطار التفافاً وتاييداً واسعين من السودانيين ..
مع انفجار الثورة ، انفجر ايضاً في سلوك ورؤى أغلب التنظيمات والأحزاب ميراث الثلاثين عاماً المنصرمة من الدجل والاستهبال والفساد والانانية…الخ ثقافةً ومنهجاً لتتخذ شكل خلافات ومؤامرات ، فبدا الانقسام والتشاكس بين أطرافها ، خلافات وانقسامات وصلت حد الاحتراب وتبادل الاتهامات والاستهزاء ، سَهَّلَت لذوي الاطماع في مقدرات البلاد وموقعها الجغرافي التدخل في شؤون الثورة وبموطء أقدام بين قواها ..
* وصل التراجع وسباق الاطماع الذاتية حدَّاً اسْتَلَّت فيه القوى الإقليمية والدولية أمضى أسلحة التدخل المباشر في تقرير مصير الثورة والبلاد ، تحمي بها مشروعها للتسوية بين القاتل والقتيل ، بين الشعب واعداءه ، استطاعت أن تُطوِّع أطراف قحت (المركزي) في اللجنة التسييرية لنقابة المحامين وتُخرج باسمها دستوراً انتقالياً للبلاد وفترتها الإنتقالية فتنهال عليه الإشادة والاعترافات حتى من (قاءد الجنجويد) .. كل ذلك ولا شيء من بقية قوى الثورة غير الرفض النظري ومقالات هنا وهناك ؛ لا مظاهرات حاشدة رفضاً لهذا التامر الكبير ، لا حصار شعبي رفضاً حول المَقَرَّات التي تشهد إخراج هذه الفصول المنحرفة ، لا ولا ..
هل هذا نهاية مطاف وانتصار برامج التسوية وسيادة روح الهزيمة ؟ هل كانت رؤى الشباب وأهداف الثورة اضغاثَ أحلامٍ جَرَفَتْها معاولَ الأنانية والمصالح الذاتية الضيقة ؟ .. أبداً ، الثورة حية ، ستمضي في مسيرتها صعوداً وهبوطاً نحو النصر النهائي في مراحلَ تبدو كالعقبات ، وستجتازها عقبةً وراء أخرى ..
* القناعة عميقةٌ بأن ديسمبر ثورة جذرية في الرؤى والمفاهيم ، في الإنجاز والإصلاح والتغيير ، ثورة وضعت السودان على عتبة الانطلاق وتحقيق الحرية والسلام والعدالة مع نفسه ، بين مواطنيه ، ومع الآخرين .. هذه القناعة هي التي تُهَدِّيء الروع وتُسَدِّد الرؤية ، فهي ، كما الثورات الجذرية الكبرى في التاريخ، ستحتاج لفترات زمنية طويلة نسبياً لتنتصر وتنطلق بالبلاد وشعبها ؛ فالثورة الفرنسية التي اندلعت في مواجهة النظام الملكي وسلطة الكنيسة المتحالفة معه ، وضد الفقر والجوع الذي عَمَّ حياة الناس مع الانهيار المالي والفشل الزراعي ، الثورة التي استغرقت أكثر من عشر سنوات انتهت بإعلان نهاية الملكية وقيام الجمهورية الأولى دولةً ديمقراطيةً علمانيةً على انقاض النفوذ الديني الكاثوليكي ، وأطلقت بذلك حركةَ تنويرٍ واسعةٍ ظَلَّلَتْها شعارات الحرية والعدالة وحقوق الانسان ، فيعتبرها المؤرخون واحدةً من أهم الأحداث في التاريخ البشري …
وإذا أخذنا الأهم مطلقاً ؛ ثورة الإسلام التي استغرقت أكثر من عشرين عاماً من بداية نزول الوحي حتى فتح مكة واكتمال الرسالة : « اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا «، بدأت بالمستضعفين والأَرِقَّاء وفقراء مكة ، قاومت الاستبداد وغطرسة الأثرياء ونفوذ العشيرة والقبيلة ؛ مَرَّت بلحظاتٍ من التراجع والضعف ثم العزة والمنعة ، وانتصرت في نهاية الأمر لتطلق أكبر دعوة للحريات والحقوق وللعلم والتعليم والمعرفة في التاريخ …الخ..
* هذه القناعة هي التي تُهَدِّىء الروع وتؤكد أن أهم مراحل ثورتنا السودانية ستكون مرحلة سقوط القيادات الحزبية والسياسية الحالية وصعود قيادات من الأجيال الشابة الحديثة ، أجيال المرحلة واحتياجاتها في : التجرُّد المطلق للوطن ومصالح شعبه ، الصدق المطلق في القول وفي الفعل ، والشفافية التامة مع البعض ومع الشعب.. فعندما تنهض الأحزاب باحثةً عن برنامج مشترك للمرحلة بين قوى الثورة ، لا لمواضيع الخلاف والتناحر ، وقياداتها تُجَسِّد أعمق الأمثلة في المسلك والإلتزام الوطني والتجرد التام بحثاً عن انجع الوسائل في تجفيف مصادر القوة و»الفرفرة» في مختلف أروقة النظام الساقط (المدنية والعسكرية) والانتصار لشهداء الثورة ومفقوديها وإقامة المحاكم القوية – عدلاً وشكيمةً – لكل من أجرم في حق الشعب والوطن .. عند ذلك ستكون: – الثورة قد تجاوزت أكثر هضابها وعورةً وتعقيدا ..
– سيعود الشعب الذي بدأ الانفضاض عن جسد الثورة إلى ساحة الفعل ..
– وستستعيد المليونيات والغنجات ألقها وبريقها ونضارة شبابها ..
* أليسَ من المؤسف الَّا يكون «مشروع الدستور الإنتقالي» الزاءف سبباً لإنفجار سياسي واسع ؟ وان يكون سدنته من قوى الثورة (قحت / المركزي) ؟؟