ثقافة وفن

تخليدا للذاكرة أعمال فنية من معتقل الخيام صامدة أمام عتمة الاندثار

بشرى بن فاطمة

عشرون عاما مرّت على الأعمال الفنية التي تمّ تنفيذها بمعتقل الخيام اللبناني بعد تحرير الجنوب، وتحديدا سنة 2002 وهي تجربة فنية قدّمها وقتها أكثر من 100 فنان عربي وعالمي تضامنا مع ذاكرة الأسرى وانتصارا لمفهوم الحرية الإنسانية وحق الانسان في الحياة بعزّة وكرامة، ورغم أن السيمبوزيوم وقتها كان دخل المعتقل ومع الأسرى المحرّرين الذين سردوا تاريخا كاملا من معاناتهم وجسّدوا كل لحظات التعذيب والإهانة ما حوّل الفضاء إلى متحف فني وانساني ومعرض داخلي مفتوح للمتابعين والمقتنين، حيث تم اقتناء قرابة 100 لوحة من مجموعة 300 لوحة من متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية، اللوحات التي قدّر لها النجاة والصمود من القصف الذي طال بقية الأعمال والمعتقل نفسه الذي قصفته إسرائيل في عدوانها على لبنان سنة 2006.

سيمبوزيزم الخيام فكرة التخليد بين الفن والحياة

بدأت الفكرة بعد تحرير الجنوب اللبناني بسنتين في 2002 عندما تحول معتقل الخيام إلى فضاء تعبيري فني عن مأساة الأسرى ومرارة الاعتقال وفرح الحرية، تناقضات الوجود والعدم في نبش، ساعات طويلة من الأمل المنسوج تعذيبا ومعاناة، حكاها وسردها بصريا المعتقلون على الجدران بدمائهم بواقع العتمة والظلم، فحاكها الفنانون بمخيلتهم النازفة أمام صدى صرخات التعذيب وصيحات الحرية.

أنتج السيمبوزيوم قرابة 300 عمل لـ 100 فنانا تشكيليا من مختلف دول العالم، عُرضت بالمعتقل وبيعت منها 100 لوحة بينما ظلت الأعمال الباقية بالمعتقل غير أن القصف أعدمها من الذاكرة لتبقى منها فقط تلك اللوحات المقتنات لأسماء فنية عربية معروفة نذكر من بينها طلال معلا  علي السرميني من سورية نبيل نجدي وعبد الجبار اليحي من السعودية ثريا البقصمي من الكويت بلقيس فخرو من البحرين إلهام فرجاني من ليبيا حسين عبيد من سلطنة عمان حكيم العاقل من اليمن عباس الكاظم من العراق فيروز شمعون يوسف عون يوسف غزاوي فاطمة الحاج عدنان المصري عزت مزهر وجيه نحلة محمود الزيات من لبنان سهيل بقاعين هيلدا حيارى محمد العامري أيمن غرايبة من الأردن، عبد الرحيم سالم من الإمارات، محمد عبلة  من مصر عبد الوهاب الدرديري من السودان، وغيرهم من الأسماء التي عبّرت في منجزاتها عن معاناة ثلاثة آلاف معتقل منهم 400 امرأة قُتل منهم 22 تحت التعذيب.

تتميز لوحات الخيام بالتجريب الأدائي والتماهي الشعوري مع المكان والشخوص الأمر الذي خلق التصورات والخيال من وحي حكايات واقعية للأسرى ومن واقع المكان والزنازين ومن خامات الفضاء الحجارة التراب الألوان والاندماج التركيبي لكل العلامات البصرية فمن الصورة الفتوغرافية إلى الرسم والتشكيل بدأ الخيال في استنطاق المكان وتوظيف الإحساس العاقل نحوه ما أعطى التجربة قيمها الفنية ورؤاها الإنسانية وخلق الروح الباحثة التي استنزفت مخيلة الفنانين للبحث عن الأمل وسط غبار القهر والظلم ولاانسانية فكرة الحبس والاعتقال، فمعايشة لحظات من تلك المعاناة ليس بالأمر الهيّن على خيال تعوّد التحليق في طبيعة المشهد وأفق الفكرة والمفهوم، فتنوعت الأعمال والقراءات التي لم تتوقّف عند التعبير والوصف بل تجاوزتها نحو التوافق الحسي والذهني والمفهومي.

وهو ما بدا في رؤية إلهام الفرجاني حيث كان تفاعلها واقعيا بين الأحداث وترابط لم ينته طالما استمرت فكرة القهر وبقي الظلم موجودا في جغرافيا لا تزال محتلة، فقد حمل عملها «رسالة إلى فلسطين» مفاهيم متعددة بجوانبها الفنية خامة وصورة شابهت بين فضاءين وطبيعتين اعتمدت عناصر طبيعية من وحي المكان، أما نبيل نجدي فقد كان عمله نحتي ملون بتوظيف خامة صخرية من المكان وتوظيف فكرة الزمن والترقب والانتظار الموجع،  أما فوتوغرافيا محمود الزيات فكانت في تفاعلها المحسوس والدقيق توثيقا فنيا اقتنص بؤر المأساة وعتمة الفضاء ونورها الذي اخترق الصورة النمطية لفكرة تصوير زنزانة فقد صاغ من تشكيل النور والعتمة جدلا بين الفضاء وعناصره.

أما تجربة سهيل بقاعين فقد وظّف فيها الوجدان البصري المندمج مع تناقض المكان بمزج المشاعر وتحرير الفكرة وفسح المجال للمخيلة للانفلات بعيدا بمزيج المشاعر والرؤى الحساسة والصياغات التي خلقت رمزيات سعى بها لأن تُبصر الجمال من عتمة البحث عن الحرية فكانت جدارية «حلم الحرية».

جسّد عبد الرحيم سالم «كرسي التعذيب» محاكاة نفسية لمرحلة مزعجة الحواس من تناقضات الانتظار والأمل العذاب والترقب الموت والحياة، وقد وظّف الفكرة بتشكيل الألوان الداكنة مع الأصفر.

«اللقاء» لعبد الجبار اليحيى حملت رؤى العودة إلى الحياة من برد الأسر إلى دفء الأهل والعائلة كُتلا من الحنين والفرح تفجرت في ضوء ألوانها شكّلها اليحيى في شخوص لوحته، بانعكاس مشاعر السكينة والطمأنينة وأحاسيس الاسترجاع المختلطة.

«الهمجية» لوحة علي السرميني تجريد الفوضى في فكرة فضاء يدمر الذاكرة ويستنزف الحواس توثيق لهول مشاعر مفزوعة وأرشفة لتلك اللحظات في سوداوية معاناة تستعيد لحظة البداية المؤلمة بتدميرها ليعبر نحو حرية مرجوة وقادمة لا محالة توافق الصورة والشكل والفكرة مع مسار الحرية وأمل الانتصار.

تجريد الألم وتماهي الفكرة مع الإحساس

في عمل لمحمد عبلة يبدو التجريد جلي المراحل التعبيرية التي توظف اللون وتفككه من زحمة المشاعر المتفجرة من انفعالاته التي انعكست على ذلك الزحام والاكتظاظ الزحمة التي عبّرت عن الحشد والفرح والانتصار والمشاركة بألوان اختلطت وتمازجت مع الواقع المفرط في أمله وفرحه بالحرية والانعتاق.

خضعت أعمال ملتقى الخيام لكل أشكال التعبير الفني وقد حضر التشكيل الخطي في عمل الفنان عدنان المصري ووجيه نحلة حيث وظّف كل منهما قيمه التعبيرية فنحلة جرّد الفكرة في عمق اللون وفجر أحاسيس الاعتقال في توليفة لونية متداخلة في كثافة اللون عمقها يحيل على النور وتداخلها يشرح الصدمة النفسية التي رغم ضيقها تمكن نحلة من توسيع منافذ الحلم والخيال والأمل الذي لم يحجب صور الذاكرة والحياة والطبيعة، أما عدنان المصري فقد اندمجت خطوطه وعلاماته وأشكاله وشخوصه مع الفكر التي بدأت بالوطن والأرض والأرزة والمقاومة من أجل فرض الذات والهوية تاريخا وحضورا وأحقية بقاء على أرض حرة بأبنائها الأحرار.

إن الأعمال التي أفرزها ملتقى الخيام الفني حملت تجاوبا نفسيا في تداخلاتها التشكيلية سواء في الرسم أو المفاهيمية فقد انطلقت من عمق المكان وثقوب الذاكرة التي جردت الألوان وخلقت الرمز من عدمية الوجود في تفاعلاته ومنطقه الذي أرهق اللوحة بزخم كثيف من الألوان والعلامات فكأن الفنان أخضع نفسه للفضاء فشكّله وطوّع فكرته لذاكرة حيّة وحاضرة فكان التشكيل وكان المفهوم رغم سوداوية النقل إلا أنه تمكن من تفعيل التجربة أملا وحياة واستمرارية بقاء وفعل ومقاومة.

*الأعمال المرفقة:

متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية

Farhat Art Museum Collections

https://khiamprison.wordpress.com/

الفنانين: عبد الرحيم سالم الإمارات-وجيه نحلة لبنان -علي السرميني لبنان-محمد عبلة مصر-   

سهيل بقاعين الأردن-عبد الجبار اليحيى السعودية-عدنان المصري لبنان-الهام الفرجاني ليبيا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق