سياسة

عهد الكيزان الغيهب جعل بعض السودانيين يحسون بالدونية

شوقي بدري

إنجلترا التي كانت رمز القوة الاتزان والديمقراطية، تغير رئس وزراءها للمرة الثالثة في ظرف سنة واحدة، مما يضحك الكثير من الدول الغربية. السبب هو التخبط والحالة السيئة للاقتصاد البريطاني مقارنة بالكثير من الدول الاوربية. لقد كتبت عدة مواضيع منها، رباطابي ينصح بريطانيا. بعد نشر موضوعي الأول تحت عنوان بريطانيا، الحنين والنوستالجيا. اشرت في الموضوع أن بريطانيا تتصرف بطريقة غير عقلانيا لأنها تضحي بعضويتها في السوق الاوربية بسبب حنينهم ونوستالجيتهم لزمن الامبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس وانهم سيندمون على خروجهم من مجموعة الدول الاوربية.

 قام أحدهم بالاستخفاف بما كتبت وقال، رباطابي يريد أن ينصح بريطانيا!! المشكلة أن الكثير جدا من السودانيين لا يؤمن بأن السوداني يمكن أن يتفوق على الاوربي او الامريكي. عرفنا الاوربيين عشنا وسطهم لما يقارب الستين سنة عجمنا عودهم ناظرناهم في الاعلام المحاضرات التجمعات والحياة العامة والخاصة وتأكدنا من اننا لا نغرق في شبر ماء مثلهم لأننا منذ طفولتنا نبحث عن الحلول نقرع الصخر ونستنبط الحلول عند الاوربي كل الحلول جاهزة. ولهذا يقف كالأبله عند اقل مشكلة وهذا يشمل البروفسورات رجال العمال المحامين وبعض الابناء.

 احسست بالألم عندما قرأت للدكتور الشاعر علي شبيكة له الرحمة ن انع ندم كثيرا لأنه لم يقدم إحدى قصائده الغنائية الى ام كلثوم عندما زارت الخرطوم. والشاعر على شبيكة قد أثرى الوجدان السوداني بقصائده الغنائية. السبب كأن احساسه بأنه يتطاول بالاتصال بالست!! أم كلثوم غنت للهادي آدم السوداني رائعته غدا القاك. لماذا نتردد؟ الانكسار والخنوع والتواضع امام الآخرين يجعلنا تفقد الكثير من الفرص. الطائفية وانكسار السوداني امام رجال الصوفية يقعد به من الانطلاق وانتزاع حقه الذي يستحقه.

 اقتباس

نهاية الموضوع الذي يمكن قوقلته بشير الى أن بريطانيا ستعيد التصويت بخصوص الاستفتاء. لقد تصرف الإنجليز برعونة وهم نادمون اليوم. المشكلة أن بريطانيا تبيع نصف تجارتها الخارجية في السوق الاوربية. وخروجها سيعطي دول اوربية اخري لملئ الفراغ. أن الرباطابي الذي يوسر العنقريب يخطط ويحدد كم لفة من الحبال يحتاجها العنقريب بنظرة واحدة. ومن ينجر العنقريب يختار العيد أن المناسبة للأرجل، الوسادة والمرق الى آخره. بريطانيا مثلا قد نسيت أن شمال ايرلندة جزء من بريطانيا وفيه أكبر احواض سفنها، وفي بلفاست ولدت شركة النجم الابيض التي بنت أكبر سفينة في العالم التايتانيك في 1912والتي غرقت مع آلاف الركاب والطاقم. الآن تحتاج بريطانيا لبناء سور بين بريطانيا وآيرلندية الجمهورية بعد الانفصال.

إسكوتلندية تصرح بأن الاستفتاء الاخير والذي كأن لصالح عدم الانفصال عن بريطانيا كأن مبنيا على وجود إنجلترا في الاتحاد الاوربي ولاسكتلندية مصلحة ضخمة في البقاء داخل الاتحاد الاوربي. ففي أي مكان في العالم يتقدم الإنسان للبار يقول أعطني كأسا من الاسكوتش ويفهم الجميع انه يقصد الويسكي. والويسكي بترول أسكوتلندا قبل اكتشاف البترول. والبترول الحقيقي في أسكوتلندا وفي في بحر الشمال. وعند انفصال أسكتلندية سيكون موقف انجلترا مثل موقف شمال السودان. والعداء قديم وقديما كأن الأسكتلندي ملزم بأن يقدم زوجته للنبيل الإنجليزي قبل ليلة دخلته. وفي عهد الملكة اليزابيث اعدمت ماري ملكة أسكوتلندا. من الاشياء التي لم يفهمها رئيس وزراء إنجلترا ديفيد كامرون هو تشدد رئيس وزراء تشيكيا في المفاوضات مع دول شرق اوروبا. ويعرف الربطابي فتال الحبال أكثر من كامرون. الشارع التشيكي لا يمكن أن ينسى الى الابد خيانة بريطانيا للشيك حلفائهم. فخوفا من غضب هتلر عندما طالب بإقليم السوديت الغني في تشيكوسلوفاكية والذي تسكنه اقلية المانية. ضحي تشمبرلين بالشيك والذين كأن بينهم حلف ووقع اتفاقية مع الألمان تعطيهم الحق في الاقليم وذهب الى بريطانيا وهو يرفع الورقة ويقول لقد اتيتكم بالسلام. وقال الرئيس التشيكي وقتها ادقار بتيتش والذي خلف اول رئيس تشيكي بعد الانفصال من الامبراطورية النمساوية بعد الحرب العالمية الاول توماس مساريك والذي يعتبر الاب للشيك وتحمل اسمه محطة القطار، اوفاس بز ناس. يقررون عنا بدوننا، بعد احتلال كل تشيكوسلوفاكية والسيطرة على مصانع الاسلحة التي كانت الاحسن وقتها فالمدفع الرشاش البرين اخترع في مدينة برنو التشيكية. وبذلك العتاد احتل هتلر بولندا وصار قوة ضاربة واحتل كل أوروبا الغربية وبعد أن احتل فرنسا وبقية الدول استخدم مقدراتها من أطعمة، أسلحة ومعدات حربية الخ، للهجوم على الاتحاد السوفيتي الذي تكبد خسارة 29 مليون من البشر. وكل هذا بسبب غلطة بريطانيا. وتحالف بلير مع العبيط بوش الاصغر في غزو العراق اوصل العالم وخاصة الشرق الاوسط لما نحن فيه. ولو استشير أي رباطابي يلقح النخيل لأشار على بوش وبلير بغلطتهم بعدم دخول العراق.

صديقي الغاني تشمبرلين كأن يدرس الهندسة في مدينة بوجبرادي مركز الوطنيين الشيك وتحمل المدينة اسم الملك بوجبراد وهو اول انسأن اتى بفكرة ما يشابه الامم المتحدة قبل قرون. وجد تشمبرلين تعنتا من أحد البروفسورات. واضطر لتغيير الجامعة واتى لبراغ. عذر البروفسر، أن اسم تشمبرلين استفزاز للامة التشيكية.

النقاش مع دول شرق أوروبا اخذ 26 ساعة والرئيس التشيكي بيتر نيجاس كأن متمكنا بطريقة رائعة من اللغة الإنجليزية ويتمتع بكاريزما عالية مقارنة مع كامرون والذي كأن يبدو كما يقول الاوربيون ماما بوي، ود امو. كامرون يعاني من آلام الظهر ويبدوا متضايقا في هذه الاجتماعات الطويلة، وبعد الفراغ من رجال شرق أوروبا داهمته المصفحة الالمانية ميركل التي لا تتعب وكانت جولة جديدة من المناقشات.

كأن كامرون يواجه هجوما شرسا من حزبه وغير حزبه لوقف تدفق اهل شرق أوروبا لبريطانيا ويصر على حرمانهم من الحصول على الضمانات الاجتماعية الا بعد 13 سنة. واخيرا وافقوا على 7 سنوات. ولكن هذا لم يكن كافيا لحزب المحافظين وحلفاءهم. والبريطانيون اصيبوا بالرعب عندما عرفوا أن 100 ألف من السوريين على أبواب أوربا. ولم ينس الاوربيون من تذكيره، أن الاوربيون رفضوا دخول الأمريكان للعراق وأن بريطانيا هي من رافقت امريكا بالرغم من تحذيرات الجميع وهذا ما أحدث عملية تساقط احجار الدومينو في الشرق الوسط وحالة الفوضى ومحاولة اخضاع كل دول الشرق الأوسط والبقية قصة معروفة، كما يقول الاوربيون فكل حجر يدفع الذي امامه. وكانت القاعد في البداية والكثير من المنظمات الارهابية وداعش، حرب سوريا الخ.

من أكثر المتشددين مع بريطانيا كأن رئيس الاتحاد الاوربي دونالد توسك وهو رئيس بولندا السابق وكما يقول اهل السودان راجل مقرم ومتمرس، فحكم البولنديين لا يقل صعوبة من حكم العرب او لاتين اميركا فهم شعب الكثير منهم غير منضبط حتى في ايام الشيوعية. توسك كأن يقول لكامرون، اسمع يا ديفيد إذا اردت القيام بثورة هذا ليس الوقت المناسب إذا اردت أن تمارس الضغط علينا فستخسر انت. وإذا كنت تخاف من نتيجة الاستفتاء فيمكنك أن تصل لاتفاق مع، تيرزا، أنها مؤثرة. ولكن تريزا ماي كانت تفكر في ذبح كامرون لكي تصير خليفة للمرأة الحديدة تاتشر التي قفلت نصف المصانع وشردت عمال المناجم في الثمانينات وكانت تستورد الفحم من الارجنتين. وسددت ضربات قاتلة للنقابات البريطانية. كما قفلت اغلب القنصليات. كنت اقابل القنصل البريطاني دائما في مدخل عمارتنا ولم يكن راضيا على مغادرة مالمو فله فلة رائعة على البلاج. ولكنه كأن يحضر لقضاء اجازته في مالمو. لا يزال العمال البريطانيون يلعنون تاتشر. لقد قال دونالد توسك عند فوز الانفصاليين في الاستفتاء، أن ديفيد كامرون قد صار ضحية لنجاحه. وقال توسك لكامرون ساخرا في نهاية 2016، سنبدأ السنة القادمة بدونكم!! واضطر كامرون على الاستقالة. واليوم تواجه تيريزا نفس مشكلة كامرون.

عندما يتابع الإنسان اجتماعات البرلمان الإنجليزي يحس انه يستمع لمجموعة من صعاليك كرة القدم البريطانيين مقارنة بالبرلمانات الاوربي الي لا تصدر فيها الهمهمات والاعتراضات بالصوت العالي. أن البرلمان السويدي لا يرتفع فيه صوت ولا يتكلم أي عضو أكثر من الوقت الممنوح له بالثانية. ويتصافح الخصمان ويذهبان للجلوس كأطفال مؤدبين. أن هذا النظام والانضباط ينعكس على الحياة العامة في المانيا، النمسا مثلا. يقولون السعيد يشوف في غيرو والشقي يشوف في روحو. بريطانيا عاشت الازمة الاقتصادية وشاهدت المرمطة التي عاشتها اليونان، اسبانيا وايطاليا. في نهاية العقد الماضي.

لقد اضطر اوباما للحضور لأوروبا وكأن يناشد ميركل أن تفتح البنوك وتستخدم المال الاحتياطي لتدعم الدول المتعثرة لإنقاذ الاقتصاد العالمي واقترح ضخ ترليون و300 بليون. ولكن ميركل والفرنسيون لم يكونوا على استعداد لضخ تلك الاموال. وكأن المهرج ورئيس ايطاليا بيرولسكوني يقول إن ايطاليا بلد غنية ولا تحتاج لدعم، ووجد نفسه اخيرا خارج السلطة بعد سنوات من الفضائح الشخصية وغير الشخصية. اذكر أن جاري اولا اشميتس المواجه لمنزلي ممثل السويد في البرلمان الاوربي انه قال لممثل ايطاليا، كيف تقبلون برئيس مهرج مثل بيرسكوني؟ الجواب كان، انه الوحيد الذي استطاع السيطرة على المافيا.

من المفروض أن لا تزد ديون اية دولة عن 60 في المئة من دخلها القومي ولكن اليونان كانت تمارس الغش وكأنها الإنقاذ. ووصلت ديون اليونان الى 160 % من دخلها القومي. وواجهت موقفا صلبا ومطالبة بتقليص المنصرفات ومحاربة الفساد والتسيب الخ وثار اليونانيون الذي تعودوا لعقود على العيش بالفهلوة. ومع ضخ الديون لليونان كانت ميركل والبقية يطالبون اليونانيين على شد الاحزمة. وسقطت الحكومة اليونانية وعمت المظاهرات اليونان ورفضوا القبول بشروط الاتحاد الاوربي الذي ضخ 650 بليون يورو لمساعدة الدول المتعثرة. وكلف الشاب الاشتراكي ومن اعتبر حلم اليونان اليكسيس سيبراس مهمة تشكيل الحكومة الجديدة ورفض شروط الاتحاد الاوربي وكانت الاحتجاجات والاعتصامات. وهذه نفس الغلطة التي ارتكبها كاميرون بالرغم من أن الامتحان قد كشفه له الرئيس اليوناني، وصرح سيبراس بانه سيدعو لاستفتاء الشعب اليوناني ليقرر. وكأن رد رئيس الاتحاد الاوربي دونالد توسك محذرا من الاستفتاء، نحن إذا قمنا باستفتاء شعوبنا فسيرفض الجميع دفع مليم واحد لكم. وبنفس رعونة كاميرون فيما بعد كأن الاستفتاء اليوناني وفاز سيبراس ب 60 % من اصوات اليونانيين. وقال توسك، لقد فاز سيبراس وخسرت اليونان. وفي 2015 قبلت اليونان بشروط اسوأ من الاول اضطرت لبيع ممتلكات الدولة. وعندما طالب سيبراس بصرف الفلوس في اليونان قالت له ميركل، لا إنها لدفع بعض ديونكم. قديما كأن أحد القضاة البريطانيين في السودان يسأل إذا كأن المتهم رباطابي وإذا كأن الجواب بنعم يقوم بزحلقته لزميله. كأن يقول انهم متوقدي الذهن لا يفوتون كبيرة او صغيرة ويتعبون المحكمة والقاضي بأسئلتهم المحرجة والذكية.

في بداية الثمانينات قابلت سونة مدير شركة الفولفو مع ممثل للفولفو في الشرق الاوسط الذي لم اعرفه من قبل في الخرطوم وكأن متغطرسا. وبدا في الكلام عن انجازاته ومقدراته صولاته وجولاته في الشرق الوسط ومقدرته على مواجهة كل الظروف. فقلت له، سنكون سويا طيلة الليل وسنجوب كل الخرطوم وعندي سؤال لك لا يحتاج لجواب الآن. الخرطوم بلدو آمنة جدا بالمقارنة مع كثير من العواصم، إذا وضعناك في ليقوس او ممباسا وفي جيبك عشرون دولارا، وطلبنا منك أن تدبر حياتك تتعلم اللغة تتحصل على اصدقاء، عمل، مسكن زوجة ووضع مميز هل ستقدر؟ أن لونك الابيض يفتح لك الابواب ولوننا يضع امامنا العراقيل ويعرضنا للاتهام في كل خطوة؟ ولكننا ننجح في بلادكم ولا نهرب الى سفارتنا لمساعدتنا وارجاعنا لأنهم سيرفضون حتى مقابلتنا. من هو الأقوى؟ وعندما اوصلته في الثانية صباحا للمريديان بعد أن طفت به في كل جخانين الخرطوم في العهد الذي كانت الخرطوم بالليل محيرة ومذهلة، كنت قد نسيت الأمر الا انه قال لي بخصوص سؤالك، فقلت له لأنني قد نسيت، أي سؤال؟ سؤالك بخصوص ممباسا، لا أظن انني سأقدر، أنتم أذكى واقوي منا. قلت له، أنا أعرف.

كتبت موضوع الانقاذ تفقد بعض السودانيين ثقتهم واحترامهم لأنفسهم. كنت قد اشرت لأن الملك خالد والملك عبد الله قد درسا لفترة في بلدة بخت الرضا في السودان. واصيب سوداني بحالة عصبية واستخف بفكرة أن الامراء السعوديين يمكن أن يضعوا اقدامهم في السودان للدراسة وانني كذاب الخ. الحقيقة هي انهما كان من المفروض أن يدرسا في مدرسة بخت الرضا الوسطى 1948ويتعلما اللغة الإنجليزية ويخالطا المدرسين البريطانيين وينفتحا على المدنية الخ. سكنا في فندق الدويم الا أن الادارة والمدرسين لم يقبلوا بمرافقيهما الخدم من والى المدرسة والهيلمانة. التعليم لم يكن مقصورا على القراءة والكتابة فقط. التعليم كان تربية علمية جسدية اخلاقية وتأهيلا لحياة كريمة وعطاء متواصل. اضطرا لترك بخت الرضا.
العجائز في السعودية كانوا يقولون لنا أنهم على استعداد لإعطاء السودانيين دمهم لأن السودانيين اعطوا المرضي السعوديين دمهم عندما ذهبوا للعلاج في بورتسودان بدون مقابل. ولم يعرفوا وقتها المضاد الحيوي. كأن العريس يحضر الى بورتسودان لشراء اغراض العرس، الشيلة اول سيارة ركبها الملك سعود كانت هدية من السودانيين ولا تزال موجودة في متحف القصر. والدة الرجل العظيم الدبلوماسي الحقيقي ووكيل وزارة الخارجية فاروق عبد الرحمن يذكر أن والدته في بخت الرضا كانت تقدم الشاي بالحليب والزلابية لعبد الله وخالد، لأنهما بعيدان عن والدتهما.
قمت بكتابة موضوع نشر في بعض المواقع الالكتروني بتاريخ 2 يوليو 2016 وتطرقت للاستفتاء الذي حدث في بريطانيا بخصوص الخروج من السوق الاوربية وفي نهاية الموضوع اشرت الى اعادة بريطانيا للاستفتاء لأن خروج بريطانيا هو عبارة عن صلف انجليزي والناستالجيا والحنين الى زمن الامبراطورية التي غربت عنها الشمس وصار للعالم سادة جدد. وبريطانيا تحتاج لأروبا. وخروجها سيضر بها كثيرا. ومع نتيجة الاستفتاء تقدم 15الف بريطاني لطلب اقامة في السويد فقط.
المشكلة أن أحد السودانيين تداخل ساخرا معي وكتب عن الرباطابي الذي يقدم النصائح لبريطانيا، وكأنما البريطانيون شعب يتميز بعقول خاصة ومقدرات خارقة. لقد عشت وسط الاوربيين والأمريكان لأكثر من نصف قرن ورزقت بأطفال أكثر من دستة من نساءهم زملائهم في الدراسة وعملت معهم ووظفت بعضهم وأستطيع أن اقول إن الرباطابي الذي يفتل الحبال، يشقى في الجروف يعمل في السكك الحديدية كعطشى على مقدرة من التصرف وايجاد الحلول الرد المناسب خير من اغلبية الغربيين. لقد شاهدت عتاة الغربيين يغرقون في شبر من الماء.

شركة تريد ويز في الاسكندرية فرجينيا عملت معها كاستشاري ل 37سنة وكانت لي علاقة جيدة مع صاحب الشركة جوزيف قورسكي ويحل ضيفا على عندما يحضر لأروبا، عرفت ابنه وبعض الموظفين قدمنا عرضين لمشروعين أحدهم بمليونين من الدولارات والآخر بأربعة مليون. بالرغم من تحذيري وطلبي اضافة هامش معقول لأن الدول العربية تطالب بتخفيضات في كل مرحلة من التفاوض. الا أن المدير المالي اضاف هامشا صغيرا. واخيرا وصلوا لطريق مسدود في مرحلة التوقيع لأنهم طولبوا بتخفيض جديد. وأصر المحاسب الى انه لا يستطيع أن يعطي سنتا واحدا حتى إذا فقدوا العقد الذي طاردناه لأكثر من سنتين. وبعد لأي قال انه يستطيع أن يعطي 3 % من العرض الكبير ولكن لن يعطي سنتا من العرض الصغير. فطلبت منه أن يعطي اثنين في المئة من كل عقد. فهاج وماج ووصفني بالإنسان الذي لا يفهم وتحدث عن خبرته ودبلوماته. فطلبت منه التفاكر مع الآخرين في عرضي والذين رجعوا بعد اجتماع وأصروا على كلام المحاسب لأنهم لا يريدون أن يفقدوا مالا اضافيا.

عندما شرحت لهم طريقة الرباطاب الذين يبيعون التمر الحرجل الكبكبي الحلبة الحبال الكردي والقرنجال الزعف الخ في سوق أمدرمان وفي لمح البصر يقول لك حسابك 157 قرش ونصف مثلا. قلت لهم خذوا واحد في المئة من الثلاثة في المئة من العقد الكبير وهذا يساوي اثنين في المئة من العرض الصغير وتكونوا قد ارضيتم الزبون ولم تفقدوا سنتا. ولمدة ليست بالقصيرة والنقاش والشرح والتكرير فهموا كلام فتال الحبال. قال لي المحاسب معتذرا لماذا لم نفكر نحن في هذا الحل؟ ردي كان مؤدبا. وبدلا من اقول لهم لأنكم حمير قلت له لأنكم ماكينات تنفذون ما تعلمتموه في الكليات بالمسطرة.
السيدة نينا يربستام عملت معي كسكرتيرة لسبعه اعوام. عندما تكونت شركة مالمو افييشن التحقت بهم وصارت نجمة الشركة يحضرون اليها بكل المشاكل وتقوم بحلها. وكان المدير وزميلاتها يسألونها اين تعلمت كل تلك المهارات؟ اجابتها انها عملت في شركة تعمل في كل شئ وتأتينا طلبات غير مصدقة وافكار تبدوا وكأنها مستحيلة ووقتها لم تكن هنالك انترنت. وكنا نحتفظ بالمعلومات في رؤوسنا، ونبتكر الحلول. وبدلا من أن نرتكب الغلطة التي يرتكبها الغربي في طلب معلومات دقيقة دراسة جدوى الخ نكتفي بأن نتحصل على المعلومات التي لا تتوفر عند الزبون لانه لا يعرفها ومطالبته بها تكشف جهله تجعله ينصرف غاضبا. والنهاية نقول للزبون انت تحتاج لهذا ويوافق. يمكن أن احكي عشرات الامثلة عن قفلة الغربيين.

اقتباس
نشر بتاريخ: 02 تموز/يوليو 2016
قررت بريطانيا الخروج من المجموعة الاوربية. وحدث استفتاء عادل وقرر أكثر من 51 من المشاركين الخروج من الاتحاد الاوربي. الشباب كانوا مع الاستمرار في الاتحاد. العجائز والمحافظون قرروا الخروج. اغلبية البريطانيين يطحنهم الحنين والناستالجيا إلى ايام الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس. وكنا نري البريطانيين قديما وإلى اليوم يغنون وهم سكارى في شواطئ البحر الابيض في الاجازات واماكن اخرى … بريطانيا رول ذي ويفز.. ذي بريتز ويل نيفر بي اسليفز. وقد تعني … احكمي يا بريطانيا الامواج … البريطانيون لن يكونوا ابدا عبيدا!! وهذه شعارات تقارب الفاشية وتهضم حقوق الشعوب الأخرى. ولقد ولى زمن الامبراطورية. والبعض لا يزال يحن إلى تلك الايام.
في سنة 1970 وتلك فترة تردي الاقتصاد البريطاني قالت صحفية شابة تعمل في جريدة يتوبورج السويدية. وكانت قد عادت من بريطانيا وكلفت بزيارة الاسر الانجليزية والكتابة عن حالتهم الاقتصادية. كانت مصدومة لأن الجميع يتكلمون عن ضياع المستعمرات كالمسئول الاول والاخير عن تردي وضعهم، بدلا عن مناقشة الاقتصاد، الانتاج، الادارة، التسويق الخ فالصناعة البريطانية ببساطة لم تستطع أن تنافس الألمان واليابان ودول اخرى.
اردت الذهاب إلى لندن في 1977 عندما انهار الجنيه الاسترليني وصار سعره سبعة كرونات بعد أن كان يساوي 15 كرونة أو 10 ماركات المانية في الستينات، صار يساوي ثلاثة ماركات فقط صارت بريطانيا عبارة عن أوكازيون ضخم جعل ملايين السواح يتدفقون على بريطانيا التي صارت البلد الاوربي الفقير. ذهبت مع ابنتي ووالدتها واستمتعنا بالأسعار الرخيصة جدا. نزلت ثلاثة طوابق إلى القنصلية البريطانية للحصول على تأشيرة دخول لبريطانيا. وكنت قد كتبت في الفورم انني قد عشت في براغ المانيا والدنمارك. وأبدى القنصل الذي كنت اقابله عادة في مدخل العمارة استغرابه الشديد. لأنني لم اذهب من قبل إلى بريطانيا. وكان يجد الامر غير مصدق. فالسوداني من المفروض أن يكون مهتما بالذهاب إلى بريطانيا سيدة العالم. وهذا السيد شاهدته بعد ثلاثة سنوات يحزم حقائبه عندما اغلقت ساتشر القنصليات وحطمت النقابات وأطلقت يد الرأسمالية في بريطانيا. وبريطانيا كانت الاولي في أوربا في تحقيق الضمانات الاجتماعية والعلاج والتعليم الحكومي في أوربا. وتتمتع بوضع خاص للنقابات العمالية.
شريكي البريطاني رامزي احتاج لعملية قلب في التسعينات وقدر بأنه سيدفع 20 ال 30 ألف جنيه. وعندما ذكرته بالعلاج الحكومي قال أن الفقراء او لمتشردين هم من يذهب إلى مستشفيات الحكومة في بريطانيا. وهو لا يريد أن يخاطر بحياته. وفي نفس الوقت صار العلاج والتعليم في دول اسكندنافية ودول اوربية اخري متاحا للجميع وعلى مستوي لا يتوفر حتى في مستشفيات بريطانيا الخاصة.
حضرت والدتي من السودان بسبب حصوة في الكلية وكان هذا في ابريل 1978. واخذناها لبرينسيس كلينيك الفاخرة. وعندما ذهبت اليها بعد الظهر كانت تعاني من الجوع والعطش. فذهبت شاكيا للمطرونة لأنني لم أجد طبيبا. فغسلتني بنظرات طويلة ثم سألتني اين اسكن وعندما قلت لها انني من السودان قالت انها تقابل كثير من السودانيين وهم كرماء، ولكنها تظن انني لم احضر من السودان. فقلت لها انن اسكن في السويد فقالت لي. أن هذا يشرح الامر، لأن الفتيات المسئولات عن تقديم الطعام لم يتلقين البقشيش. وهذا شئ يعتبر جريمة في المستشفيات السويدية وفضيحة كبيرة. فذهبت إلى الكشك وابتعت خمسة ظروف ووضعت عشرة جنيهات لكل فتاة وعشرين جنيها للممرضتين و30 جنيها للمطرونة. وتبسطت المطرونة معي وذكرت أن السيد جوزيف لاقو كأن في نفس العنبر. ونعمت والدتي بالخدمة. وكانت الفاتورة تحوي على 120 حنيها فقط للسرير بدون اتعاب الطبيب والعملية الخ، و12 جنيها لاستعمال البشاكير و6 جنيهات لفرشة الأسنان التي لم نستلمها.
عندما حكيت هذه القصة في السويد وجد الجميع صعوبة في تصديق أن من يعاني من آلام الكلى يحرم من الشراب لعدم دفع البقشيش. السنة الماضية ذهبت إلى المستشفى بسبب حصوة في الكلية. والعناية والحنان والاهتمام الذي وجدته ذكرني بوالدتي رحمة الله عليها. وواصلت مع اثنين من البروفسورات. وفي مستشفيات السويد لا يختلف لبس البروفسر عن لبس عامل النظافة وهذه هي السياسة. فما معني لنظافة الدكتور عندما عامل النظافة حامل لكل مكروبات العالم. وكيف يعمل الطبيب بملابسه التي اتى بها من منزله. وهو يرتدي الخاتم والساعة واكمام طويلة وكرفته، ولا يتصرفون بأدب وبساطة ويبحثون المريض انه من يدفع مرتباتهم. أن على البريطانيين أن يتعلموا الكثير والاهم أنهم متخلفون عن الكثير من دول أوربا.

بريطانيا كانت الاخ الأكبر في رابطة التجارة الاوربية الحرة التي عرفت ب ,, ايفتا ,, وكونت في ستوكهولم 1960. ولكن المنظمة قد كادت أن تموت لأن بريطانيا هي الحلقة الاضعف الآن. وبريطانيا تكبلها قيود الغرور، الحنين والناستالجيا السخيفة. ودول الكومونويلث وعددهم يفوق الخمسين عضوا كانوا يرفدون بريطانيا اقتصاديا ولكن هذه الدول قد تقدمت كثيرا اليوم وليس الحال كالخمسينات عندما كانت بريطانيا تحكم الموج.
يسخر الاوربيون من اصرار البريطانيين على نظام المقاييس والموازين المعقد مثل الرطل والاوقية والبوصة والقدم والياردة والميل ومقياس الحرارة الفهرنهايت. هذه مقاييس معقدة وعقيمة. لماذا يحتفظ بها البريطانيون؟ نظام الجرام والكيلو جرام والطن سهل جدا. والكيلومتر والمتر والسنتي متر. السنتيقريد واللتر والسنتيلتر، نظام بسيط ومفيد. ولكن البريطانيون تستعبدهم التقاليد والناستالجيا. العالم يتغير ويتطور. لقد قالت ساتشر في الثمانينات أن من الخطأ أن تدفع بريطانيا مبلغا مقاربا من اشتراكات المانيا في الاتحاد الاوربي والاقتصار البريطاني اقل كثرا من الاقتصاد الالماني. وقاموا بترضيتها واعادوا اليها مليارا من الاسترليني.
في 1971 شاهدت فلما بريطانيا في التلفزيون يتناول ظاهرة غريبة. فمصنع كلورايد لإنتاج الراكمات ,, البطاريات ,, في كوبنهاجن كأن ينتج 20 % أكثر من نفس المصنع بنفس الآليات والمساحة والمبني في بريطانيا. واوضحت الدراسة. انه لشهور لم يذهب اي دنماركي إلى الحمام في اثناء ساعات العمل. والبريطاني كان يذهب إلى الحمام مما يوقف سير العمل وانتظار الآخرين لأن العامل يكمل عمل الآخر. والعامل الدنماركي يذهب إلى موقعه قبل انتهاء فسحة الغداء او الافطار، القهوة الخ. والعامل البريطاني يتحرك بعد دقائق من انتهاء الفسحة ويعتبر مشواره إلى الماكينة جزء من العمل. وكانت هنالك عده اسباب اخري منها، أن العامل البريطاني يقسم العمل إلى عدة خطوات. فهو يأخذ الواح الرصاص ويضعها على الطاولة ويأخذ نفسا عميقا ويقوم برصها بتؤدة في الظرف او الصندوق. والعامل الدنماركي يقوم بهذه العملية بخطفة واحده وبسرعة. والعامل البريطاني يبدوا وكأنه يتعامل مع المصنع كعدو. والدنماركي يتعامل مع المصنع كصديق يضمن له العمل ويلتقي فيه بأصدقائه زملاءه. وهذه الروح القتالية وحب العمل هوما طور اليابان. كنا نذهب الى المانيا للعمل في الاجازة من شرق أوربا. الألمان كانوا يقولون. أنتم الاجانب تعملون لتعيشوا. نحن نعيش لنعمل.
الامبراطورية الرومانية هي من ساعدت في تطوير بريطانيا فأثناء الاحتلال الروماني تطورت الصناعة والزراعة والعمران والهندسة والري وعرف البريطانيون الاقتصاد النقدي. ولكن ايطاليا اليوم مع اسبانيا واليونان اصحاب الاقتصاد المريض بعد أن كانوا حكام العالم. وعن قريب سيحتفل العالم بالأولمبياد التي خلقها اليونانيون وهم أصل الحضارة والتقدم الاوربي. اين هم اليونانيون اليوم؟ أن لهم أضعف نظام ديمقراطي وهم من اخترع الديمقراطية.
لقد اختفي نطام الكاش في السويد شراء فلافل او صندوق سجاير يسجل عند مكتب الضرائب بواسطة جهاز يلزم البائع بشرائه. ويمكن التلاعب قليلا عندما يدفع الإنسان نقدا وهذا نادر. أكثر من 95 % في المئة من النقد موجود في البنوك. البارحة كأن آخر يوم لتغيير العملة القديمة في السويد. ليس هنا مجال لوضع الفلوس تحت المرتبة. ولهذا يندفع الاقتصاد السويدي ويوظفون عمالا جدد كل الوقت. وتحتاج السويد ل 70 ألف من الايدي العاملة كل سنة. يقول البريطانيون. نوصنق كامز اوت اوف دوونق نوصنق. … لا شيء يأتي من عمل لا شيء. وهم لا يعملون ويجتهدون كالآخرين. ولسوء الحظ أن احتكاك البريطانيين بالعالم الثالث والمهاجرين جعل البريطانيين او بعضهم مستهبلين وغشاشين في عملهم. وعامل البناء او الصبغ، الميكانيكي والسباك البريطاني صار ينافس البولندي والمهاجر في الغش.
اشتكت امريكا من عدم مقدرتها على منافسة السيارات اليابانية في السبعينات واتهمت اليابان باستعمال اساليب تفضيلية او دعم مستتر. رد اليابانيون أن مدراء جنرال موتور وفورد وكرايسلر في ايام الازمة الاقتصادية في 2009يتحصلون على نصف مليون دولار في الشهر وشركاتهم تخسر. ومدير الشركة اليابانية التي تخسر قد ينتحر لأنه فاشل. والمديرون الذين لا تربح شركاتهم يمتنعون من تلقي مرتباتهم.
في الزلزال الاخير قبل سنوات قام اليابانيون بإعادة بناء طريق سريع لإيصال المساعدات في 6 ايام. وبدلا عن الاندفاع وانتزاع الماء والخبز من الآخرين والدوس على الاطفال كما حدث في شمال العراق بعد ضرب حلبجة بالكيماوي وهروب السكان، كان اليابانيون يقدمون بعضهم البعض لاستلام المساعدات بهدوء وانضباط تام.
هنالك اربعة دول أو شعوب تعرف ب باراملتاري. او الدول شبه العسكرية وسيكونون في كل الوقت في المقدمة وهم واليابان كوريا السويد والمانيا / النمسا. وسويسرا جزء من المنظومة الالمانية. بالرغم من تواجد الفرنسيين والإيطاليين داخل سويسرا. ولكن الألمان هم القوة الدافعة ويرتبط الاقتصاد الهولندي والبلجيكي بالإمبراطورية الالمانية الاقتصادية الحالية. وكل قرية او مدينة في كل اوربا تغص بالمتاجر والشركات الالمانية.
تبقى بريطانيا قوة اقتصادية ولها مقدرة عالية في نظام التأمين والمصارف، الا انها لا تقاس بألمانيا أو اليابان. واللغة الانجليزية هي لغة التخاطب الاولي في العالم. وسيندفع السواح لبريطانيا خاصة لندن التي صوتت للبقاء في الاتحاد. وإسكتلندا لا تريد الخروج وإسكتلندا صاحبة البترول. اظن أن بريطانيا ستعيد الاستفتاء وإذا حدث، ستكون النتيجة مختلفة هذه المرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق