سياسة

انفجار لبنان ومعادلات نصر الله

علي شندب

يرجح أن يعتذر الرئيس المكلف الثالث نجيب ميقاتي عن تشكيل الحكومة والسبب هو نفسه الذي دفع سلفيه مصطفى أديب وسعد الحريري مكرهين الى الاعتذار.

فالثلث المعطل ومحاصصة الحقائب وتعيين شاغليها من مضموني الولاء، باتوا بمثابة مفتاح التشكيل ولغمه في آن واحد. ورغم أن ترؤس ميقاتي لحكومتين كانتا بتزكية حزب الله وبالضدّ من رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، بخلاف التكليف الثالث الذي استطاع فيه الميقاتي تحصين تكليفه بتزكية حزب الله والمستقبل معاً، وذلك بعد استدارته عن 8 آذار وتموضعه في صلب أغلبية الإجماع السني ممثلاً بنادي رؤساء الحكومة السابقين ودار الفتوى. لكن ليونة الميقاتي وقدرته الامتصاصية العازلة للاستفزاز والإحراج بهدف الإخراج ربما لن تعبد طريقه باتجاه السراي الحكومي بعد طول ملل وانتظار.

وقد بات شديد الوضوح أن عقد تشكيل الحكومة التي يتشبث بها وكيل نصرالله في قصر بعبدا أظهرت ميشال عون وكأنه يغوي استبدال رؤساء الحكومة بنفس الكيفية التي يستبدل فيها ملابسه. وهو في هذا السلوك إنما يهدف الى ملاقاة نصرالله في سعيه لتعديل دستور الطائف، سيما وأن زعيم حزب الله سبق وشرّح وشخّص الأزمة بأنها أزمة نظام وليس أزمة حكومة، في حين أنها أزمة منظومة النيترانيوم والفساد والتهريب والسلاح التي انغمست في تقويض الدولة والتغوّل عليها، وها هي تحصد فشلها الذريع في إعادة إنتاج وتدوير نفسها، وفق معادلة “غطّوا على سلاحنا نغطي على فسادكم” التي فضحتها ثورة 17 تشرين قبل أن يهدّدها نصرالله ويرهبها وبعده.

بالأمس أطلق نصرالله الكثير من القنابل الصوتية خصوصاً حيال انهيار الوضع الاقتصادي والمالي والغذائي والدوائي، محمّلاً الولايات المتحدة مسؤولية الواقع المدقع الذي يعيشه اللبنانيون. ومتجاهلا أن شبكات احتكار الدواء والوقود تعود في جزء وازن منها الى بعض بيئته الشريفة، والى عدد من “الحجّاج” المحتكرين الذين “أقسم أحدهم على القرآن” بحسب وزير الصحة حمد حسن أن يبيع للمواطنين الأدوية المفقودة من الصيدليات بالأسعار المدعومة.

وفي تحميله المسؤولية للأميركيين يخادع نصرالله اللبنانيين ويخدعهم. فهل أن أزمة الفساد والإفساد والتهريب ومحنة الكهرباء والفيول المغشوش، وتصدير الكابتغون والمخدرات هي صناعة أميركا وربيبتها إسرائيل؟ أم أنّها صناعة المنظومة التي يرعاها حزب الله ومنذ عشرات السنين، ما يجعله بعد هذا التبسيط الساذج بالحد الأدنى متخادماً مع أميركا وإسرائيل من خلال منظومة المحاصصة والفساد والتي أظهرت حزب نصرالله كمن يلعب دور المقاصّة في توزيع نسب العمولات بين أطراف المنظومة.

صعود طالبان في أفغانستان التي شدّد مستشار خامنئي علي أكبر ولايتي بأنها باتت من محور المقاومة، كان في خلفية كل كلمة نطقها نصرالله. وفي سياق تهكمه وشماتته الوجيهة بهزيمة الولايات المتحدة وخروجها الفوضوي والمهين عبر مطار كابول، لم ينقص نصرالله الا أن يُعزي هذه الهزيمة لبركات وتخطيط جنرال ايران المقتول في مطار بغداد قاسم سليماني الذي سبق وتردّد أنه زار أفغانستان وأبرم اتفاقات مع عدة فصائل أفغانية بينها حركة طالبان.

وكلنا يذكر كيف حاول ويحاول نصرالله السطو على عمليات المقاومة العراقية وجعلها من بركات جهود سليماني، ومصادرة قتالها للأميركيين منذ احتلال العراق عام 2003 الذي كان فيه نظراء نصرالله الدينوغرافيين بمثابة الجسر الذي عبرت عليه دبابات الغزو والاحتلال الأميركي، والذين باتوا بحسب سلطة نصرالله الاستنسابية “حركات مقاومة”. استنسابية نصرالله نقيضة المبدئية، التي تحوّل العميل مقاوماً، والمقاوم عميلاً وكلما اقتضت المصلحة ذلك.

غريبة هي مقاييس نصرالله ومعاييره الجديدة، ومحاولاته الدائمة لتطويع التاريخ وتكذيب بعض وقائعه المعلومة وغير المعلومة، بل وفي فبركة وتحريف وقائع وسلبها من أهلها، ثم تنسيبها لإيران او لبعض المتأيرنين العرب. وبسلطته الاستنسابية إياها، يبرّر نصرالله لإيران وأذرعها وكل من يدور في فلكها السياسات التي يعتمدوها. لكنه في الوقت عينه يوصم كل من يمارس من خصومه ذات السياسات بالعمالة لإسرائيل والشيطان الأكبر.

لقد جعل نصرالله من العمالة لإسرائيل وجهة نظر يطلقها كرصاصة اغتيال معنوي ضد خصومه، ويلوذ حيالها بالصمت تجاه حلفائه “غير المختلفين إيديولوجيا مع اسرائيل”. لقد أدخل نصرالله تهمة العمالة لإسرائيل ضمن منطق المحاصصة والفساد التي قوّضت الدولة وأدت الى الانهيار الاقتصادي والمالي وأدخلت لبنان الى ما بعد جهنم.

لكن الأمر المثير لأبعد من الغرابة هو تحريض نصرالله المركّز ضد المحقق العدلي فادي بيطار وتحقيقاته في تفجير مرفأ بيروت. إنه التحريض الذي انطلق هذه المرّة من باب الرفض لقرار المحقق العدلي بجلب رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب واستضعافه. وقد بدا موقف نصرالله مزايداً حتى على مواقف نادي رؤساء الحكومة ومفتي الجمهورية القائلين بتعليق كل الحصانات والأذونات عن الجميع بدءاً برئيس الجمهورية الذي “كان يعلم”، أو باعتماد الآلية الدستورية في محاكمة الرؤساء والوزراء.

موقف نصرالله هذا، يستظهر تجويفاً للتحقيق ونسفه من أساسه، خصوصا بعد بروز شهادات إعلامية لبعض الشهود من الشهداء الأحياء وبينهم “روي” الذي أكد لموقع أساس ميديا “أن الحريق حصل في العنبر رقم 9 وتزامن مع سماعه أصوات هدير طائرات حربية إسرائيلية سبقت الحريق بدقائق وليس العنبر رقم 12، الذي – بحسب ما سمع “روي”- كان يعود لجهة أمنية أو حزبية معينة”.

توازياً مع ما تقدم يبقى أن سفينة المازوت هي القنبلة الصوتية التي أطلقها نصرالله بهدف التغطية على واقعة شويّا وقبلها واقعة عشائر عرب خلده، اللتان ضربتا الصورة المخيالية التي بذل حزب الله جهودا استثنائية على مدى سنوات بهدف غرسها في نفوس اللبنانيين والعرب عامة وبيئته اللصيقة خاصة.

فمازوت حزب الله الإيراني إذا ما وصل الى بطون المستشفيات ومولدات الكهرباء من شأنه أن يحدث فرقاً لدى الناس التي تعيش فوضى أمنية وأهلية غير مسبوقة والمأزومة حياتياً لأبعد مدى. واذا ما لحقت بسفينة المازوت، سفن البنزين أيضاً، فهذا يعني أن لبنان دخل بكله وكلكله في مدارات النفوذ الاقتصادي الإيراني، وهنا لا ضرورة للبحث عن الصفقة المتناسلة من مفاوضات فيينا النووية لترسيم شرائط الحدود والنفوذ للقوى الاقليمية، حيث يشكل “مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة” أحد ملامح وأنساق التوازنات الجديدة في المنطقة التي ينفجر فيها لبنان المتموضع بين مطرقة وسندان النفوذ الإقليمي والدولي نتيجة معادلات نصرالله ومنظومة النيترانيوم والفساد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق