سياسة

خلال كلمته أمام بابا الفاتيكان وشيخ الازهر الشريف بملتقى البحرين للحوار

ملك البحرين يدعو لوقف الحرب الروسية الاوكرانية ويؤكد استعداده بلاده لتقديم المساعدات اللازمة

خالد أبو أحمد

دعا ملك مملكة البحرين حمد بن عيسى آل خليفة إلى التوافق على رأي واحد لوقف الحرب الروسية الاوكرانية، وبدء مفاوضات جادة لخير البشرية جمعاء، مؤكدا استعداد بلاده لتقديم ما يتطلبه هذا المسعى، داعيا الله أن يُسدد خطى الجميع بالتوفيق والبركات، مضيفا «أن الأوضاع الراهنة تحتم علينا نعمل يداً بيد، لتحقيق أمل المستقبل المزدهر لخير البشرية جمعاء».

جاء ذلك في كلمته في ختام ملتقى البحرين للحوار (الشرق والغرب من أجل التعايش الإنساني) الذي اقيم تحت رعايته، يومي الخميس والجمعة الماضيين بحضور ومشاركة قداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين، وعدد كبير من العلماء والمفكرين جاءوا من دول كثيرة حول العالم.

وفي مستهل كلمته رحّب ملك البحرين بقداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، وبفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، «الذيّن عملا على إثراء هذا الملتقى وإنجاح هذه الزيارة الكريمة، وإننا لهما شاكرين ومقدرين لما قاما به، سائلين المولى أن يعينهما على أداء مهامهما العظيمة ويجعلها خالصة لوجهه الكريم»، مضيفا بقوله « بمناسبة انعقاد ملتقى البحرين للحوار من أجل الإنسانية، الذي نعتبره يوماً مشهوداً وحدثاً بارزاً، والتي تتفق أهدافه السامية مع ما تسعى له بلادنا لخير البشرية ورفعتها، لينعم كل إنسان بالحياة الكريمة والمطمئنة في عالم أكثر استقراراً وأمناً».

الدور المؤثر للقيادات الدينية

وأعرب ملك البحرين عن حرصه واهتمامه الكبير برعاية هذا التجمع العالمي الهام، إيماناً من بالدور المؤثر للقيادات الدينية، وأصحاب الفكر، وأهل الاختصاص في معالجة مختلف التحديات والأزمات التي تواجهها مجتمعاتنا لمزيد من السلام والاستقرار، مقدما شكره وتقديره وتهنئته على نجاح أعمال الملتقى، بحضور ومشاركة هذه الصفوة من حُكماء الشرق والغرب، الذين رهنوا أنفسهم لخدمة الإنسانية والعمل من أجل رفعتها، واتحدوا قولاً وعملاً لإعلاء قيم السلام والتعارف المتبادل، وبالتعاون على البر والتقوى لتعزيز التآخي والتعايش السلمي بين شعوب الأرض كافة.

وأوضح الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين بقوله «إننا لننظر إلى مخرجات الملتقى وتوصياته القيّمة، بعين التفاؤل وبكثير من الأمل، كخير دليل لتقوية مسيرة الأخوة الإنسانية، التي هي بحاجة ماسة، أكثر من أي وقت مضى، لإحياء سبل التقارب والتفاهم بين جميع أهل الأديان والمعتقدات كمدخل أساسي لإحلال التوافق محل الخلاف، وإرساء الوحدة محل الفرقة، ولا يسعنا على ضوء ما توصلتم له من نتائج مهمة، نؤيدها أشد التأييد، إلا أن نؤكد لكم بأننا سوف نوليها – بإذن الله – جل عنايتنا، لتأخذ مسارها الصحيح ضمن مساعينا التي نبذلها للإسهام في نشر السلام وترسيخ قيم التسامح والعيش المشترك بين دولنا وشعوبها».

وتابع بقوله «تحتم علينا الأوضاع الراهنة، ونحن نعمل، يداً بيد، لتحقيق أمل المستقبل المزدهر، بأن نتوافق أولاً على رأي واحد لوقف الحرب الروسية الاوكرانية وبدء مفاوضات جادة لخير البشرية جمعاء، والبحرين على أتم الاستعداد لتقديم ما يتطلبه هذا المسعى بإذن الله»، داعيا الله أن يُسدد خطى الجميع بالتوفيق والبركات على درب المحبة والوئام بالتواصي بالحق وبالصبر لصلاح البشرية وخيرها.

ملتقى يستحق أن يتوقف عنده التاريخ

أما فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حُكماء المُسلمين وصف الملتقى بالتاريخي «لما يضمّه من قامات كُبرى من العُلماء والحكماء وقادة الفكر، وكبار والسياسيينَ والإعلاميينَ وغيرهم من شرقِ البلاد وغربها، وهو -كذلك- ملتقى يستحق أن يتوقف التاريخ عنده ليسجل كلماته وتوصياته بأحرف من نور؛ فهو صوت ينبعث من البحرين هذا البلد العريق، صاحب الميراث التليد في الجنوح إلى السلام والتسامح وتعايش الحضارات والثقافات وحواراتها، وتحويل ما يلائم منها إلى مصدر طاقة خلاقة ومبدعة تصب في اتجاه الاستقرار المجتمعي، والتطور الاجتماعي البناء».

وحول ما يجري في العالم من أحداث بيّن شيخ الأزهر بقوله « لسنا بحاجة إلى أن نكرر الحديث عن الصراع الذي تعيشه الإنسانية اليوم في الشرق والغرب، ولا وصف ثمراته المرة التي يجنيها إنسان القرن الحادي والعشرين: حروبا ودماء وتدميرا وفقرا، بل ثكلا ويتما وترملا وتشريدا، ورعبا من مستقبل مجهول، غير أن من المهم الإشارة إلى أن سبب هذه المآسي هو «غياب» ضابط «العدالة» الدولية الذي وضعه الله قانونا لاستقرار المجتمعات، وتحقيق توازن الإنسان: جسدا وروحا على هذه الأرض، وإلا تحولت المجتمعات الإنسانية إلى ما يشبه مجتمعات الغاب والأحراش.. دع عنك ضحايا الحروب التي يصنعها «اقتصاد السوق» واحتكار الثروات، وجشع التملك والاستهلاك، وتجارة الأسلحة الثقيلة والفتاكة وتصديرها إلى بلدان العالم الثالث، وما يلزم ترويجها من تصدير للنزاع الطائفي والمذهبي، وتشجيع للفتنة والنزاع، وزعزعة الاستقرار».

نظريات استعلائية..!

وتابع « ثالثة الأثافي أن السياسات التي تثمر هذه المآسي أصبحت تدعمها نظريات فلسفية نزلت إلى واقع المجتمعات الغربية، وحكمت تصورات الدول الكبرى في علاقاتها الدولية مع الشعوب النامية والفقيرة، وتأتي في مقدمة هذه النظريات: نظرية صراع الحضارات، ونظرية نهاية التاريخ، ونظرية العولمة، وكلها نظريات استعلائية تمهد لميلاد نظام عالمي جديد، وتمكن لاستعمار حديث لا نعرف قوادمه من خوافيه، ومنذ أيام قليلة فقط سمعنا تصريحات لأحد كبار المسؤولين الغربيين يقول فيها ما معناه: أن أوروبا حديقة غناء، والعالم من حولها أدغال وأحراش، ومثل هذه التصريحات غير المدروسة إن دلت على شيء فإنما تدل على جهل واضح بحضارات الشرق، وبتاريخها الذي يضرب بجذوره إلى أكثر من خمسة آلاف عام، وليس إلى ثلاثمائة أو أربعمائة عام فقط على أن جل هذه المخاوف التي تساور نفوس الشرقيين اليوم من الحضارة الغربية، تساور –وبالقدر ذاته– عقول نخبة متميزة من مفكري الغرب وكبار قادته، فقد أدرك بعضهم أن السياسة الغربية لم تعد مجدية في معالجة الأزمات العالمية، لما تتسم به من تشنجات تقوم على استعراض عضلات السلاح المدمر الذي يهدد الإنسانية».

خلال كلمته اقترح شيخ الأزهر أن تحل «الثقافة» محل السياسة، في العلاقات الدولية، لما للثقافة من قدرة على فهم الإنسان، واستيعاب أبعاده المتعددة: جسدا وروحا وعقلا ووجدانا، مضيفا « ومرة أخرى لا ينبغي أن نيأس من أن يأتي يوم قريب تستعيد فيه علاقات الشرق والغرب صحتها وعافيتها، لتصبح علاقة تكامل وتعاون متبادل، بعدما تقاربت المسافات وتلاشت الحدود، ولم يعد أي من الغرب والشرق بمعزل عن الآخر كما كان في القرن الماضي. والحقيقة: أن الغرب في حاجة إلى حكمة الشرق وأديانه وما تربى عليه الناس من قيم خلقية، ونظرة متوازنة إلى الإنسان والكون وخالق الكون، وهو في حاجة إلى روحانية الشرق، وعمق نظرته إلى حقائق الأشياء، وإلى التوقف طويلا عند الحكمة الخالدة التي تقول: «ليس كل ما يلمع ذهبا».

حاجة الغرب إلى أسواق الشرق..!

وأضاف «بل إن الغرب لمحتاج إلى أسواق الشرق وسواعد أبنائه، في مصانعه في أفريقيا وآسيا وغيرهما، وهو في حاجة إلى المواد الخام المكنوزة في أعماق هاتين القارتين، والتي لولاها لما وجدت مصانع الغرب ما تنتجه، وليس من الإنصاف في شيء أن يكون جزاء المحسن مزيدا من الفقر والجهل والمرض.. والشيء ذاته يقال على الشرق، فهو في حاجة إلى اقتباس علوم الغرب والاستعانة بها في نهضته التقنية والمادية، واستيراد المنتجات الصناعية، من أسواق الغرب؛ كما يجب على الشرقيين أن ينظروا إلى الغرب نظرة جديدة فيها شيء من التواضع، وكثير من حسن الظن والشعور بالجار القريب، والفهم المتسامح لمدنية الغرب وعادات الغربيين بحسبانها نتاج ظروف وتطورات وتفاعلات خاصة بهم دفعوا ثمنها غاليا عبر قرون عدة».

وأخيرا دعا فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف «علماءِ الإسلام ألا يَملوا  من توضيح ما في الدِّين الإسلامي من المبادئ السامية، والإخاء البشري والتعاون الإنساني وغيرها من المشتركات التي يتصالح عليها الغربيون والشرقيون ويرحّبونَ بها، وأن يحرصوا على تعريف الغربيين للإسلام على حقيقته»، مضيفا « تجب الإشارة إلى «أن كثيرا من المسلمين هاجروا إلى الغرب واستوطنوه، وصاروا جزءا لا يتجزأ من نسيج شعوبه، كما هاجرت أنماط الحياة الغربية وصورها إلى الشرقيين وغلبت على تقاليدهم وعاداتهم وسلوكياتهم الحديثة والمعاصرة، وأثرت على مساحة لا يستهان بها في رؤاهم وأنظارهم، بل في مناهج تعليمهم وطرائق تفكيرهم.. وغير ذلك مما يمهد، لأن تحل علاقة إنسانية جديدة، تدرج فيها حضارة هادئة يحافظ فيها على ثقافات الشعوب وخصائصها وتبايناتها، بعيدا عن مسارات الهيمنة الثقافية والحضارات المتصارعة، وهذا ما يؤكده المفكر الفرنسي المعاصر تودوروف تزفيتان في كتابه: (الخوف من البرابرة) حيث يقول: «إنه لا يمكن اعتبار الثقافة الغربية وحدها ذات طابع حضاري، وأنها المعيار الذي تتحدد به ثقافات الآخرين»، فأي تدخل في ثقافات الآخرين يعد إساءة في استخدام السلطة؛ لأنه لا يمكن إرساء الحرية والمساواة عبر الإكراه، وإلا فلن نختلف عن هؤلاء الذين نصفهم بأنهم «برابرة».

قداسة بابا الفاتيكان

في مستهل كلمته حيا جهود مملكة البحرين على عقد منتدى الحوار هذا، الذي تم تنظيمه تحت رعاية ملك البحرين، قال بابا الفاتيكان أمام الحضور «يتخذ هذا البلد اسمه من المياه المحيطة به: في الواقع، كلمة «البحرين» تذكر بـ «بحرين» اثنين، لنفكر في مياه البحر، التي تربط بين الأراضي وتوصل الناس بعضهم ببعض، وتربط بين الشعوب البعيدة، يقول المثل القديم «ما تقسمه الأرض، يوحده البحر». وكوكبنا الأرض، إذا نظرنا إليه من علُ، يبدو وكأنه بحر أزرق واسع، يربط بين شواطئ مختلفة، من السماء، يبدو أنها تذكرنا بأننا عائلة واحدة: لسنا جزرًا، بل نحن مجموعة واحدة كبيرة من الجزر، هكذا يريدنا الإله العلي، وهذا البلد، مجموعة جزر مكونة من أكثر من ثلاثين جزيرة، يمكن أن يكون رمزا لهذه الإرادة الإلهية».

وتابع « مع ذلك، فنحن نعيش في أوقات فيها البشرية، المرتبطة بعضها مع بعض كما لم تكن من قبل، تبدو أكثر انقساما، وغير متحدة. يمكن أن يساعدنا اسم «البحرين في متابعة تفكيرنا: «البحران» اللذان يشير إليهما هما المياه العذبة في ينابيعها الجوفية، ومياه الخليج المالحة. كذلك، نجد أنفسنا اليوم أمام بحرين متعارضين في مذاقهما: من ناحية، العيش المشترك، بحر هادئ وعذب، ومن ناحية أخرى، البحر المرير من اللامبالاة، وتشوبه العلاقات، التي تثيرها رياح الحرب، وأمواجه المدمرة والمضطربة بشكل متزايد، والتي تهدد بهلاك الجميع، وللأسف، الشرق والغرب يشبهان بصورة متزايدة بحرين متخاصمين. لكن، نحن هنا معا لأننا عازمون على الإبحار في البحر نفسه، واختيارنا هو طريق اللقاء، بدلا من طريق المواجهة، وطريق الحوار الذي يشير إليه هذا المنتدى: «الشرق والغرب من أجل العيش الإنساني معا».

على حافة الهاوية

وحول ما جرى في القرن الماضي من أحداث جسيمة ذكّر البابا بالحروب التي أدت إلى موت الآلاف من البشر قائلا «بعد حربين عالميتين مروعتين، وبعد حرب باردة ظل العالم فيها حابسنا أنفاسه، مدة عشرات السنين، وسط صراعات مدمرة في كل جزء من العالم، وبين أصوات الاتهام والتهديد والإدانة، ما زلنا نجد أنفسنا على حافة الهاوية في توازن هشت، ولا نريد أن نغرق. نحن أمام وضع تناقضات غريبة: من جهة، غالبية سكان العالم يجدون أنفسهم موحدين بنفس الصعوبات، ويعانون، أزمات خطيرة، في الغذاء والبيئة والوباء، بالإضافة إلى العبث المتزايد بكوكبنا، ومن ناحية أخرى، عدد قليل من أصحاب السلطان يتركزون في صراع حازم من أجل المصالح الخاصة، يحيون اللغات القديمة (لغات الحرب)، ويعيدون رسم مناطق النفوذ والكتل المتعارضة، وهكذا يبدو أننا نشاهد سيناريو مأساوي وكأنه وقوع في «الطفولة: في حديقة الإنسانية، بدلا من أن نعتني ونهتم بالكل، نلعب بالنار، وبالصواريخ والقذائف، وبأسلحة تسبب البكاء والموت، وتغطي البيت المشترك بالرماد والكراهية».

وزاد بالقول «هذه العواقب المريرة: إن في زيادة التناقضات، ولم تعد إلى أن نكتشف من جديد مقدرتنا على التفاهم، وإن استمررنا حازمين لفرض نماذجنا ورؤانا الاستبدادية والإمبريالية والقومية والشعبوية، وإن كنا لا نهتم بثقافة الآخر، وإن لم نستمع إلى صرخة عامة الناس وصوت الفقراء، وإن لم نتوقف عن التمييز، على طريقة المانوية، بين صالح وشرير، وإن لم نجتهد في أن نفهم بعضنا بعضا ولم نتعاون لخير الجميع. هذه الخيارات موجودة أمامنا. لأنه في عالم معولم لا يمكن أن نتقدم إلا إذا وضعنا أيدينا على المجاديف معا، لأننا إن أبحرنا وحدنا ستتقاذفنا أمواج البحر».

رفض الفكر العازل

في بحر الصراعات العاصف، لنضع أمام أعيننا (وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك) ففيه أمل للقاء مثمر بين الغرب والشرق، مفيد لشفاء الأمراض فيهما، نحن هنا، مؤمنون بالله وبالإخوة، لنرفض «الفكر العازل»، وطريقة النظر إلى الواقع التي تتجاهل بحر البشرية الواحد، لتركز فقط على التيارات الخاصة فيه، نريد تسوية الخلافات بين الشرق والغرب من أجل خير الجميع، من دون أن نغفل الانتباه إلى فجوة أخرى أخذة في النمو بثبات وبصورة مأسوية، وهي الفجوة بين الشمال والجنوب في العالم، ظهور الصراعات يجب ألا يجعلنا نغفل عن المآسي الكامنة في الإنسانية، مثل كارثة عدم المساواة، حيث يختبر معظم الناس الذين يسكنون الأرض ظلما غير مسبوق، ومصيبة الجوع المخجلة، وكارثة تغير المناخ، نتيجة إهمال العناية بالبيت المشترك، حول هذه القضايا، التي تمت مناقشتها في هذه الأيام، قادة الديانات لا يمكن ألا يلتزموا وألا يقدموا المثل الصالح. لنا دور محدد، وهذا المنتدى يوفر لنا فرصة أخرى في هذا الاتجاه. إنه واجبنا أن نشجع الإنسانية ونساعدها على الإبحار معا، فهي في الوقت نفسه مترابطة، وبقدر ما هي مترابطة فإنها متباعدة بعضها عن بعض.

لذلك أود أن أحدد ثلاثة تحديات نابعة من وثيقة الأخوة الإنسانية وإعلان مملكة البحرين، الذي كان موضوع تفكيرنا في هذه الأيام. إنها الصلاة والتربية والعمل، أولا، الصلاة التي تلمس قلب الإنسان. في الواقع، الماسي التي نعانيها والتمزقات الخطيرة التي نختبرها، «وعدم التوازنات التي يعاني منها العالم المعاصر مرتبط بعدم التوازن العميق المتأصل في قلب الإنسان، لهذا فإن الصلاة وانفتاح القلب أمام العلي أمر أساسي لتطهير أنفسنا من الأنانية، والانغلاق، والمرجعية الذاتية، والأكاذيب والظلم. الذي يصلي ينال السلام في قلبه ولا يسعه إلا أن يكون شاهدا له ورسولا، وداعيا إليه، بمثاله أولا، رفقاءه حتى لا يصيروا رهائن لوثنية تحصر الإنسان في ما يبيعه أو يشتريه أو في ما يتلهى به».

لكن لكي يحصل هذا الأمر، هناك مقدمة لا بد منها، وهي: الحرية الدينية. يقول إعلان مملكة البحرين إن «الله هدانا إلى عطيته الإلهية، عطية حرية الاختيار»، «فلا يمكن لأي شكل من أشكال الإكراه الديني أن يقود الشخص إلى علاقة لها معنى مع الله». كل نوع من الإكراه يتنافى مع جلال الله وقدرته تعالى، لأن الله لم يسلم العالم إلى عبيد، بل إلى مخلوقات حرة، يحترمها احتراما كاملا. لذلك، لنلتزم، حتى تكون حرية المخلوقات مرآة لحرية الخالق العظمى، وحتى تكون أماكن العبادة محمية ومحترمة، دائما وفي كل مكان، وتكون الصلاة محمية لا يوضع أمامها أي عائق. ولا يكفي أن نمنح التصاريح والاعتراف بحرية العبادة، بل من الضروري أن نصل إلى تحقيق الحرية الدينية الحقيقية، تحدي الصلاة يخص القلب، والتحدي الثاني التربية يخص أساسا عقل الإنسان، يقول إعلان مملكة البحرين إن «الجهل هو عدو السلام»، هذا صحيح، لأنه حيث تنقص فرص التعليم، يزداد التطرف وتتجذر الأصولية، وإن كان الجهل عدو السلام، فإن التربية صديقة للتنمية، شرط أن تكون تعليما يليق حقا بالإنسان، الكائن الديناميكي وذي العلاقات.

على وجه التحديد، أود أن أؤكد على ثلاثة أمور تربوية ملحة. أولا، الاعتراف بالمرأة في المجال العام: «في التعليم والعمل وممارسة حقوقها الاجتماعية السياسية» (راجع وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك)، التربية في هذا المجال، كما في المجالات الأخرى، هي الطريق من أجل التحرر من الموروثات التاريخية والاجتماعية المناقضة لروح التضامن الأخوي، الذي يجب أن يتميز به من يعبد الله ويحب القريب.

ثانيا، «حماية حقوق الأطفال الأساسية» (المرجع نفسه)، حتى يكبروا وقد تعلموا، ووجدوا المساعدة اللازمة، والمرافقة، ولا يكون مصيرهم في أنياب الجوع ولسعات العنف. لنرب، ولنرب أنفسنا، لننظر إلى الأزمات، والمشاكل، والحروب، بعيون الأطفال: ليس الطفولة الساذجة، بل بالحكمة بعيدة النظر، لأنه إن فكرنا فيهم فقط، سيظهر لنا التقدم في البراءة، بدل الربح، وسنساهم في بناء مستقبل يليق بالإنسان.

التربية التي تبدأ في خلية العائلة، تستمر في سياق الجماعة، والقرية أو المدينة. لهذا، ثالثا، أود أن أؤكد على التربية على المواطنة، وعلى العيش معا، في الاحترام وضمن القوانين. وخصوصا، على أهمية «مفهوم المواطنة» نفسها، الذي «يقوم على المساواة في الواجبات والحقوق. لذا يجب العمل على ترسيخ مفهوم المواطنة الكاملة في مجتمعاتنا، والتخلي عن الاستخدام الإقصائي لمصطلح «الأقليات» الذي يحمل في طياته الإحساس بالعزلة والدونية، ويمهد لبذور الفتن والشقاق، ويلغي استحقاقات وحقوق بعض المواطنين الدينية والمدنية، ويؤدي إلى ممارسة التمييز ضدهم».

وهكذا نأتي إلى آخر تحد من التحديات الثلاثة، وهو العمل، ويمكننا أن نقول قوى الإنسان. يقول إعلان مملكة البحرين إن «الدعوة إلى الكراهية والعنف والفتنة، هي تدنيس لاسم الله». يرفض المتدين هذا الكلام، دون أي تبرير، يقول بقوة «لا» للحرب التي هي تجديف على الله، واستخدام العنف، ويترجم هذا الـ «لا»، بصوة متسقة في العمل، لأنه لا يكفي أن نقول إن هذه الديانة مسالمة، بل من الضروري أن ندين ونعزل العنيفين الذين يسيئون إلى اسم الدين. ولا يكفي حتى أن نبتعد عن التعصب والتطرف، بل يجب العمل في الاتجاه المعاكس «لذلك يجب وقف دعم الحركات الإرهابية بالمال أو بالسلاح أو التخطيط أو التبرير، أو بتوفير الغطاء الإعلامي لها، ويجب اعتبار ذلك من الجرائم الدولية التي تهدد الأمن والسلم العالميين، ويجب إدانة ذلك التطرف بكل أشكاله وصوره.

دعوة إلى ترشيح عاهل البحرين لنيل جائزة نوبل للسلام

بعد الانتهاء من اعمال ملتقى البحرين للحوار (الشرق والغرب من أجل التعايش الإنساني)، وما حققه من نجاح في إصدار الكثير من المؤشرات الايجابية والتوصيات ذات الأهمية برزت دعوات في المنامة لترشيح العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة لجائزة نوبل للسلام، تقديرا لمساهمات جلالته فى ترسيخ قيم السلام والتسامح وتعزيز التآخي، وفي هذا المنحى قال رئيس مجلس إدارة جمعية البحرين لتسامح وتعايش الأديان (تعايش) يوسف بوزبون «ان العالم قاطبة يشهد لجلالة الملك حرصه الشديد على التلاقي الإنساني، واشاعة روح المحبة بين الجميع، فلم يكن غريبا على جلالته إنشاء مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي، وكرسي الملك حمد بن عيسى آل خليفة لدراسات الحوار والسلام والتعايش بين الأديان بجامعة لا سابينزا الايطالية في روما، إضافة إلى الكثير من المواقف في مجالات العمل الانساني حول العالم بأفريقيا وآسيا والوطن العربي وسائر بلاد العالم، والتي وجدت الإشادة والثناء من كل مؤسسات المجتمع الدولي المعنية».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق