ثقافة وفن

همسة وصل

اللغة الأجنبية ... وسيلة تواصل أم معيار للرقي؟

ياسمين فلاحي

سؤال يتبادر إلى ذهني دائما و أنا ألحظ الانتشار السريع للغة الأجنبية أو لنقل بمعنى أصح “الدخيلة” علينا بطريقة غير مباشرة، و لنكون صادقين مع أنفسنا فهي دخيلة بطريقة مباشرة فكلنا نعلم انها من مخلفات الاستعمار بشتى أشكاله إلا إذا كنا نتجاهل ذلك عمدا و بنوع من التغابي، الاستعمار الذي غادرنا في الواقع بينما لا يزال يتشبث بياقات قمصاننا لآخر رمق كي يستنزف كل ذرة هوية عربية أو ثقافة شخصية.

أضحت في السنوات الفارطة اللغة الأجنبية تسودنا كالنار في وسط الهشيم، تتآكل أمامها لغتنا العربية الفصحى و تضعف بحضرتها لهجاتنا المختلفة حسب كل بلد، تسطع هي وحدها بينهن فتغدو أكثر سلاسة حسب ظن البعض.

في الواقع تعد اللغة كمفهوم وسيلة تفاهم و احتكاك بين أفراد المجتمع لا أقل و لا أكثر، إنها طريقة لنوصل أفكارنا و نبث لغيرنا آراءنا و نعبر عنها بشكل يسهل عليهم فهمها، و لم يكن تواجد لهجات و لغات مختلفة أمرا عبثيا إطلاقا بل كان تشخيصا للهوية التي يتميز بها كل بلد عن غيره من البلدان.

لكن ما يرصده الواقع المعاش مقلق للغاية، فاللغة العربية الفصحى التي تجسد انتماءنا أضحت طرازا قديما!! و الرجوع إلى الأصل بغرض التشبث بالهوية غدا تخلفا !! و من ناحية أخرى ، التحدث باللغة الأجنبية في الحياة اليومية صار عادة و يا ليتها كانت عادة من أجل اكتساب اللغة لا غير ، بل على العكس، يعتبر الكثير من الأشخاص اللغة الأجنبية معيارا للرقي و بالتالي تكاد تصير سببا في اتساع الفروقات الطبقية و تباعد الفئات الاجتماعية ،فمكتسب اللغة الأجنبية يصير نابغة حتى و إن افتقر لأبسط مقومات لغته الأم و المتعمق في لغته العربية الأصيلة رجعي لا يفقه في شيء…و ما يحفز على انتشار هذه المعضلة هو النظام السياسي و التعليمي الذي تسير به بلداننا و التي لا تعير لأصولنا اهتماما ، و همها الوحيد إرضاء غيرها عبر تكديسنا بما لا ننتمي له فنصبح عبادا في زمن صارت به الحرية كشرب الماء !!

و هنا يبرز ذكاء الإنسان العربي السوي الذي يحافظ على نفسه من سلطة السيطرة الخارجية و يتمسك بهويته، فيتعمق في فهم هذه الأخيرة أولا، لأنه مسؤول عنها فمن العيب أن يجهل الشخص حضارته فبذلك هو جاهل لنفسه أيضا، حينها فقط يستطيع الانفتاح على غيره من الهويات، بنوع من التثقف و الرغبة في التعلم و القدرة على محاكاة الحضارات المختلفة و إشباعا لفضول معرفة العادات و التقاليد الخاصة بكل منطقة، لكنه يظل دائما مفتخرا بأصله ، قولا و فعلا، فكما كان المستعمر يكن أهمية كبرى للغته حتى أصبح ترسيخها في المستعمرات هدفا ، على العربي أيضا أن يدفع عنه كل الأفكار الجانبية التي تحاول المؤثرات الخارجية فرضها عليه، و أن يصب اهتمامه على فهم ذاته ثم بعد ذلك فهم غيره.

اكتساب اللغات الأجنبية كيفما كانت فكرة سديدة ستساعدك كثيرا لكنها لن تزيدك فخرا ما دمت غافلا عن أصلك و الأصل هنا لا يشمل اللغة العربية فقط بل حضارتنا بأكملها، و يا لها من حضارة تستحق الفخر، حضارتنا العربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق