
لمحة على إنسانية الشعر
سيرين الزوش ( تونس )
الشعر عطر من رحيق لغة لا تفنى ، تتناغم انسيابيته مع أفق الفكر المتجدد ، فهو يمنع عنه التبلد المزعج و ينقذه من شبح الركون و محدودية الرؤية و ضيق الخيال ، و هو مجال للإبداع الإنساني و للذكاء اللغوي و العاطفي و الاجتماعي بامتياز ، يحمل ألف حالة و تجربة في بضع سطور ، إنه ليس بمنأى عن الإنسان و بساطته و عفويته ، فلا هو القالب للموازين و لا هو المقتصد في التفاسير بل هو الحق و الحقيقة، يعيش في أبعاد الحياة و يلمس جوهر الإنسان ، و يسكن في كون مغامراته لا تنتهي، فيكون السفر بين الأحاسيس الجارفة و التحديات الممكنة و اللاممكنة و الصعوبات بكل وجوهها و أقنعتها
ففي وقت الحرب يتغنى الشعر بالأمجاد و الجسارة و يحرق القوافي لينير بتلك الشعلة الأبدية الأوطان في عيون شعب يؤمن فطريا بالوطنية و كلما سمع لغته الأم تحارب لأجل ربوعه و ترابه الندي تشبث به أكثر و كأن جرس السلام المنتظر رن في مخيلته الحامية بواسطة إيقاع فن الكلام و العبر.
الشعر يسمو بطيبتنا و سخائنا يجعلنا إخوة في المحن و في ساعات الرخاء ننشرح معا. نتشارك الأيام كيفما تبدو نضع اليد في اليد التي تمسكنا و التي لا تمسكنا علنا نقدر على الوصول مع إخواننا من خلال قوة التواصل و التسامح إلى طعم الحياة المنشود و قممها الشاهقة. المؤكد أن ما يساعدنا في تجربة التضامن هو شعور الإنسانية التي خلقنا بها و لأجلها فنساعد المحتاج و نرأف بالمريض و نقول و نفعل في آن واحد و نعطي لأرواحنا مساحة من الخلد الثمين في دنيا صغيرة دروسها أكبر من بحارها.
عاطفة الشعر المنبثقة من قلب أبيات مرسومة بفرح مخاض و التي كتبت بشريان شاعر يفهم الحياة من مرآة المحبة و من انفعالات التأثر هي عاطفة لا تهلكنا أبدا، في المقابل تزرعنا في أرض الورود و الفراشات حتى لو كانت أقدامنا تقف على عتبة واقع مكروه. يمكننا أن نتعلم الحب الشفاف بلا اكتفاء بداية من حب النفس العزيزة الذي يجعلنا قادرين على حب الآخرين و فهم طبيعة المشاعر بيننا و بينهم بسهولة، فأحاسيس كالغيرة و الاشتياق و العتاب و التعلق توجد في سماء الشعر من خلال العالم الملموس و الشعر هو من يعطيها فرصة لتحظى بالقبول و التجلي، إنه لا يتهرب منها أبدا و إنما يجعلها طوقا من الياسمين و زينة للمواقيت حتى أننا نحبها و نألفها و نفخر بها لأنها أثر إنسانيتنا المقدسة و ذكرى تجاربنا العاطفية التي تستحق التبجيل و الفخر و الاحتفاء و هي الأحق بالتوارث من نبض إلى نبض، الشعر قضيته الواقع و ليس الافتراض، إنه الإنسانية في أسمى صورها و هو الذي يدعو إلى عدم نسيانها لأنها ليست جزءا منا بل هي كمالنا.