خبراء المناخسياسة

وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي:

المطالب بالتوقف عن الاستثمار في النفط والغاز «تثير تساؤلات حول قدرتنا على تحقيق تحوّل عادلٍ ومنصفٍ للجميع»

عبد العالي الطاهري

أكد وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، المبعوث الخاص لدولة الإمارات للتغير المناخي، سلطان الجابر، أن التخلي الفوري عن منظومة الطاقة الحالية، قبل بناء منظومة جديدة قادرة على تلبية الاحتياجات العالمية، يعرّض النمو الاقتصادي والتقدم في العمل المناخي العالمي للخطر.

وأشار إلى أن المطالب بالتوقف عن الاستثمار في النفط والغاز «تثير تساؤلات حول قدرتنا على تحقيق تحوّل عادلٍ ومنصفٍ للجميع».

وقال سلطان الجابر، في مقال نشرته صحيفة «بروجكت سنديكيت» بعنوان «انتقال جريء وواقعي للطاقة»: إنه «من وجهة نظرنا؛ فإن نجاح التحول في قطاع الطاقة يتطلب تحقيق تقدم في كل من النمو الاقتصادي والعمل المناخي، وأن يكون التحول مستندًا إلى حقائق علمية واقتصادية وهندسية، والتنفيذ السريع للحلول، إضافة إلى إدراكٍ واضح للتحديات التي تواجه عملية التحوّل».

وأشار إلى أنه لتحقيق ذلك، «نحتاج إلى نهج شامل يستفيد من خبرات جميع القطاعات وشرائح المجتمع، بما فيها الخبرات والقدرات والإمكانيات المتوافرة لدى منظومة الطاقة الحالية».

العالم على إيقاع أزمة إمدادات الطاقة

إلى ذلك، أكد وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة المبعوث الخاص لدولة الإمارات للتغير المناخي، أنه مع بدء التعافي الاقتصادي من جائحة كورونا، واجه العالم أزمة عميقة في إمدادات الطاقة، التي ازدادت حدتها بسبب النزاع الروسي الأوكراني، ما دفع مختلف الدول حول العالم إلى إعادة تقييم احتياجاتها الإستراتيجية من الطاقة.

وأشار إلى أن الدرس المستفاد من الأزمة هو أنه من السابق لأوانه تبنّي الحكومات لسياساتٍ تؤدي إلى سحب الاستثمارات من قطاع النفط والغاز، قبل تأمين بدائل مناسبة وقابلة للتطبيق.

وشدَّد الجابر على أن هذه الخطوة ستؤدي إلى نتائج عكسية تقوّض أمن الطاقة وتؤثر سلبًا في استقرار الاقتصاد العالمي، كما أنها تخفض حجم التمويل الذي يمكن استثماره لتمكين تحول منطقي ومدروس في قطاع الطاقة.

التحول الطاقي..الرؤية والتكلفة

لفت سلطان الجابر إلى أن العالم بحاجة إلى إستراتيجية واقعية وخطة عملية تحقق منافع للنمو الاقتصادي والعمل المناخي في آن واحد، ويجب أن تراعي الإستراتيجية الترابط الوثيق بين الطاقة والأنظمة الصناعية.

وأوضح أن حجم التحول المطلوب في قطاع الطاقة ضخم جدًا، ويتطلب الكثير من التنسيق والمواءمة والتعاون في جميع الجوانب، بدءًا من تخصيص رأس المال، إلى تصميم المُنتج، وصياغة السياسات العامة، وتغيير سلوكيات المجتمعات حول العالم.

ودعا إلى دراسة هيكل الطلب الحالي في نظام الطاقة، إذ إنَّ توليد الكهرباء من طاقة الرياح والطاقة الشمسية يحقق تقدمًا كبيرًا، إلا أن غالبية استهلاك الطاقة يتم في الصناعات الثقيلة، والتصنيع، والإنشاءات، والنقل والزراعة، وهي قطاعات يصعب خفض الانبعاثات فيها، ولها تأثير كبير في المناخ، ما يعني ضرورة توجيه المزيد من الاستثمار إليها.

استثمارات قطاع الطاقة

أشار سلطان الجابر إلى أنه في العام الماضي (2021)، تجاوزت قيمة الاستثمارات العالمية في مصادر الطاقة المتجددة 365 مليار دولار، في حين أن إجمالي الاستثمار في تكنولوجيا تخزين الكهرباء والتقاط الكربون وسلسلة القيمة لقطاع الهيدروجين كان 12 مليار دولار، وهو بالطبع غير كافٍ لدعم عملية التحوّل في قطاع الطاقة.

وأوضح أن إجمالي الاستثمار المطلوب يقدر بأكثر من 250 تريليون دولار على مدى الأعوام الـ30 المقبلة، ومن الواضح أنه لا يمكن لدولة أو شركة أن تؤمّن هذا الحجم من التمويل بمفردها.

وأضاف: «إلى جانب تأمين التمويل اللازم، يجب أن نتذكر أن عملية تحول الطاقة تستغرق وقتًا، ولا يمكنها أن تحدث بلمسة زر، وعلى الرغم من أن طاقة الرياح والطاقة الشمسية شكلت غالبية إجمالي القدرة الجديدة لتوليد الكهرباء في عام 2021، إلا أنها لا تزال تشكل 4% فقط من مزيج الطاقة الحالي في العالم».

دور النفط والغاز

ومن جانب آخر، اعتبر سلطان الجابر أنه مع نمو الطلب على الطاقة بشكل أكبر من أي وقت مضى، فإن ضمان أمنها يتطلب استمرار دور النفط والغاز مكوّنًا مهمًا وأساسيًا في منظومة الطاقة لعقود مقبلة.

ولفت إلى ضرورة التركيز على بذل المزيد من الجهود لخفض تأثير النفط والغاز في المناخ، وهذا يتطلب تكثيف التعاون والتنسيق والعمل عن قرب بين المنتجين، والحكومات، والقطاع الخاص بهدف أن يكون الإنتاج الجديد من الطاقة أقل كثافةً في الانبعاثات من السابق.

وقال: «هذا يعني ضرورة صياغة سياسات مالية داعمة تشمل الحوافز الضريبية، ورفع الكفاءة التشغيلية من خلال تعزيز استخدام التكنولوجيا، والالتزام بخفض انبعاثات الميثان وحرق الغاز، وتوفير استثمارات إضافية في تقنيات التقاط الكربون».

الطاقة..إستراتيجية الإمارات

أكد سلطان الجابر أن هذا هو باختصار النهج الذي تتبعه الإمارات للتحول في قطاع الطاقة والذي يضمن استمرارها في تلبية احتياجات العالم الحالية، مع الاستثمار في أنظمة الطاقة المستقبلية.

وقال: «تمتلك الإمارات 3 من أكبر محطات الطاقة الشمسية في موقع واحد في العالم، واستثمرت في مشروعات للطاقة المتجددة في أكثر من 40 دولة متقدمة ونامية، وتخطط لتوسيع محفظة مشروعاتها من الطاقة المتجددة لتصل طاقتها الإنتاجية إلى 100 غيغاواط بحلول عام 2030».

وأضاف: «استثمرنا في الطاقة النووية السلمية ونركز على إرساء أسس صلبة لسلسلة قيمة متكاملة للهيدروجين بصفته عاملًا ضروريًا لتحقيق الحياد المناخي».

وأشار إلى أنه بينما تواصل الإمارات دورها بصفتها مورّدًا موثوقًا لأقل أنواع النفط والغاز في العالم من حيث كثافة الانبعاثا، فإنها تعمل على خفضها بنسبة 25% إضافية قبل نهاية عام 2030.

الحياد الكربوني

أوضح سلطان الجابر أنه باعتبار أن الإمارات أول دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال  إفريقيا تعلن مبادرة استراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050، فإنها مستمرة بالعمل على الحد من الانبعاثات في جميع الأنشطة الاقتصادية في الدولة، وأنشأت أول برنامج في المنطقة لالتقاط الكربون واستخدامه وتخزينه على نطاق صناعي.

وتعمل شركة بترول أبوظبي الوطنية «أدنوك» على تأمين احتياجات عملياتها من الكهرباء من المصادر النووية السلمية والشمسية الخالية من الانبعاثات.

وأكد سلطان الجابر أنه مع اقتراب انعقاد قمة المناخ كوب 27، وبينما تستعد بلاده لاستضافة القمة 28، العام المقبل (2023)، فإن العالم بحاجة للتركيز على حلول عمليّة تسهم في تعزيز أمن الطاقة من خلال ضمان إمكانية الحصول على إمدادات مستدامة بأسعار مناسبة.

وأوضح أنه لتنفيذ تعهدات اتفاق باريس للمناخ «نحتاج إلى حوار شامل حول النهج الواقعي للتحول في قطاع الطاقة بمشاركة جميع الأطراف ذات الصلة، بمن فيهم الحكومات، وممثلو المجتمع المدني، والعلماء، والقطاع الخاص، والمتخصصون والخبراء من قطاع الطاقة بأكمله،

إذ لا يمكن إجراء مناقشات مثمرة وعقلانية حول الجوانب العملية لخفض الانبعاثات مع المحافظة على النمو الاقتصادي، دون مشاركة هؤلاء الخبراء».

وشدد على أن ضمان تحقيق أهداف تسريع التقدم في العمل المناخي جنبًا إلى جنب مع استمرار النمو والازدهار الاقتصادي، يتطلب بدء العمل الفعلي من الآن، والتركيز على أن هدفنا النهائي هو خفض الانبعاثات، وليس خفض معدلات النمو والتقدم والتطور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق