
قضايا الانتقال الديمقراطي … التحديات الماثلة (2)
طارق زيادة صالح سوار الدهب*
من تلقاء سياساتهم الداخلية والخارجية الرعناء او ابتزازا لتورطهم المفضوح بجريمة محاولة الاغتيال الاشهر، فكان الانخراط المنافق الاعمي دونما بصيرة ومصلحة وطنية الا من رغبة محمومة لاجل خلاص شخصي بالمقام الاول ثم بالمقام الثاني للعصبة المتنفذة المتورطة بسوء فعالها ورهانها وبائس مشروع مصالحها بالداخل والخارج… لتركب طغمة غير مبدئية لا تؤمن اصلا بحجية الفكر والثقافة وولايتهما علي السياسة، ومن قبل ذلك السلام نفسه ، بحسبانه الحالة الطبيعية: حراكا مجتمعيا ، تداعيا حرا بقواه المدنية وبالياته السلمية، دون سواهما من ادوات لا تنتمي لحقليهما المحايد ولخارج مجاليهما الحيويين: تعويلا مطلقا واوحد علي اساليب الترغيب والترهيب وسلطتي اكراهما المادي والمعنوي، بعنفي المال والسلاح، والذي في كثير من حالنا بالامس وراهن اليوم لا يعترف الا بهما لصناعة ادورار الامر الواقع وبناء(اوشراء)الولاء السياسي ومايترتب عليهما من ظاهرات الهشاشة البنيوية لهياكل وبرامج السلطة السياسية المنبثقه عنها خصوصا لدي مخاطبتها لاهم اشتغالها، ممثلا بالتحول الديمقراطي الكامل والسلام غير المنقوص، كما بتجربة الانقاذ (المباد) لخمس سنوات انتقالية (اولي) بداءت توقيعا علي اتفاق وانتهت استفتاءا لم يجعل من الوحدة خيارا جاذبا وحال لم يوصل بالطبع لعتبتي سلام او ديمقراطية وبالاحري تفكيك سلطتي الاستبداد والحرب، كما جاء باهم بنود برامج حكومتها…سينجح الاستثمار السالب في اختطاف المشهدية (النيفاشوية)…وسيبدل الفرصة (التاريخية)من ان تكون لحظة (الاتفاقية) لحظة من اجل الوطن والحقيقية والمصالحة الشاملة بزخم السياسة الاخلاقي الانساني وعمقها العلمي المعرفي، الي محض ان تكون لحظة (سياسوية) مبتسرة بين خصمين اختطا لنفسيهما: شراكة بعنوان (استراتيجية) وتحالف باسم (وحدة وطنية) بحظوظ من رؤي وكسب حزبي ضيق ولكنه غير محدود بما يضفيا به و عليه من اوضاع حصرية وقداسة (فوق دستورية) والاسوا من ذاك هو انه بعد برهه ليست بالطويلة سرعان ما خبات جذوتها ومدها الوحدوي، بعد غياب رمزي التفاهم الوطني الذين اسسا لاحتمالية بزوغ مشروع واعد للمساومة التاريخية (د.قرنف و د.الترابي) الاول بالغياب المادي علي اثر الموت المفاجئ المريب والثاني بالغياب المعنوي علي اثر ابطال متعمد لدوره و لمفاعيل تفاهماته علي الساحة الوطنية: بفعل ماوقع فيه من اخطاء وما قابله به الطرف الضرار المتحفز من وحشية وعنف طالته ومايمثل ليس وحده هذة المرة، بل وايضا لمهددين حقيقيين لوضع الاستبداد المهترئ ولقوي الردة والرجعية التدينيةوهم ثلة متقدمه علي صفه (طرحا وموقفا) واوسع منه بتيار الاستنارة والوعي الديمقراطي المتضامن والتي حمت ظهر المذكرة
ومن بعد الاتفاقية بل والمرحلة برمتها، و نافحت عن خيار الحرية عن قناعة ومصداقية، وقاومت كل اشكال المشاركة بالسلطة حتي سقوطها الداوي، وقد لاقت في ذلك صنوفا من الاذي والكبت والتهميش وذلك ليس بغريب من طرف المعادلة الاخر النقيض وماهو قادر عليه من طرح انتهازي وعطاء باداوات الثروة و ديناميات السلطة…ولكن الاسوأ من ذلك هو عوضا عن تقدير الموقف كما ينبغي وتحسس الاطار العام الصائب المستشرف لروح ومادة المستقبل الديمقراطي كان اولا: سعي مجموعة تفاوض الانقاذ المحموم وقد استشعرت الخطر في ان تدافع عن نفسها في وجه اي مهدد وجودي لدورها المستقبلي وفي اقصاء اي لاعب محتمل خصوصا اذا كان اكثر منها اصالة في الرؤية التقدمية ومبدئية بالايمان بحتمية المسار التسالمي وقد تقارب اجل استنفاذ دورها المطلوب منها علي مستويي الداخل والخارج، ان تستميت في ان تحافط علي مصالحها الاقتصادية بالدرجة الاولي ثم السياسية، عبر سيادتها المطلقة علي المجال العام، الذي لاتقبل شريكا معها فيه بالوطن او كطرف ثالث بعلاقتها الجديدة الا باختيارها ورضائها في وجه اي تهديد حال او وشيك ثم كان ثانيا: وهو الاهم (القاصم) ان المتنكبون المحرفون لميراث: الرجل الاول بالحركة الشعبية في الوحدة، والرجل الثاني بمؤتمري التاسلم الوطني والشعبي في الحرية، سيضعا يديهما علي يدي بضع مصالحهما الضيقة ويسيران كتفا بكتف نحو خمسية حاكمة، ستختار مع سبق الاصرار والترصد، نخب مابات يعرف بالقوي الديمقراطية الجديدة ومتنفذي الحركة الشعبية من قياداتها المدنية المتعسكرة وعلي خلاف السير الطبيعي لمنطق التاريخ ومن خلفهما السياسة و الاجتماع كله ان يتحالفا بقصر النطر وبسوء تقديرالسياسة، بل وربما بالمراهنة (التكتيكية) علي حساب الرهان (الاستراتيجي) مع عصب التاسلم النيفاشي اوتحديدا مع متنفذي مجموعة التفاوض الامنية المتمدنة، وعلي راسها من (علي) خفي متامر الرجل الاول بالحركة والدولة، وقد ظنوا بماسولت لهم انفسهم وما جبلت عليها من شك وعقولهم المعلوماتية وما الفت من مكر ، وربما بصادق امنياتهم او متوهم احلامهم: اعتقدوا انها السانحة والفرصة التي قد لاتعوض لتجاوز قيادة ومرحلة تاريخية، تاتي من خلفية اخري ومن ماضي استمدت منه شكل وعيها و تجاربها بغير ما اساليبهم البالية .
وانها كانت تعرف جيدا احتمالية انها قد تقف حجر عثرة امام خطتها (الاتاريخية) لاحداث التحول التاريخي، بغير ما ادوات التاربخ: بمفاهيمه ومناهجه وقواه وحراكه المجتمعي العفوي الحر، ليستعيضوا عنه ويستبدلوه باليات مصطنعة متعالية تقع خارجه وتمارس عليه سلطتها تحت عناوين مختلفة: تطهرية ثورية، قوامية اخلاقية، بل حتي ادعاءباحتكار المعرفة وتمامية الحقيقة، وهو عيب شائع وعرض جانبي جوهري وصفة اصيل لمتلازمة تصيب الزاعميين، من حركات السياسة العقائدية: تحكما بالمصائر العامة والخاصة، تدخلا بالوصاية علي الناس والتاريخ، حدث ذلك مبتدا عند تبربر الانقاذ الاولي لخطيئتها التاريخية التي قد لا تغتفر بالانقلاب علي مسار ديمقراطي ثم باخطائها السياسية المتلاحقة التي قد لاتنسي بمحطات تلبسها لمشروعها (الحضاري) الفاشل ثم من بعد ، تسميا باقنعة السلام والحوار بالامس القريب والخشية اليوم ان تعاود الكرة بذات النهج القديم والاصطفاف المقيت، وقد حذرنا منه قوي الديمقراطية والسودان الجديد ومن عواقب الركون لتدبيرهم والثقة بنواياهم ولكنهم لم يستمعوا لخالص نصحنا ومتجرد قراءتنا لما نعلم من تاريخ حقيقي لمتاسلمي نيفاشا: لامبدئيتهم المتاصلة ولجذر موقفهم من قضايا الثورة والتغير، وعلي راس الدولة والحركة منظريهما مثال: المتسيس ال(علي) و والمتفيقه ال (امين) وقد جمعهما ايمان
مشترك بالشمولية (التوليتارية) وبالهيمنة (الدولاتية) المطلقة كفضاء اوحد وممكن للفعل السياسي لطبقة (الاوليغارشية) الجديدة استخداما لامحدودا لامكاناتها القامعة تعاملا مع الكيانات والمشروعات السياسية بحسبانها موضوعات تابعة وخاضعة ومجالا للتجريب والانتهاك الامني المستمر الذي يحدد سقوف فاعليتها ودورها السياسي (الممنوح) بالساحة وليس بحسبانها مشروعات مستقلة تملك حقا اصيلا ومتكافئا بالنماء الثقافي والسياسي الحر، الاول: بعدم اعترافه وبماصرح لنا به من عدم ايمانه القاطع بفكرة المجتمع القائد المبادر واولويته (فهو يجد نفسة: جذريا ضد نظرية تلاشي الدولة، بزعم انها تصلح لحالمي الفكرالسياسي المثالي ولكنها لاتصلح لسودان نطمح فيه كما قال وقد دخل لاول سنيه عهد النفط ان نرتع فيه وان ناكل من خير ريعه خريف اوخريفان، ثم بعد ذلك ننظر كما اوضح في امكانية بسط الحريات، وحتي نصل لذلك فالواجب المغلظ هو في ان: نحتفط بالدولة بكامل سطوتها لتحقيق اكبر قدر من التمكين للمشروع الحضاري، والقول مازال مسترسلا حرفيا علي لسان ساخر: ان ابوبكر الصديق كان اسمه خليفة المسلمين، ولم يكن امينا للجنة الشعبية العامة اولحزب) اما الثاني: فبما ظل يردده علي مسامعنا دون كلل، لا من حياء لقصور وتفاهه فكرة او وجل من تحدي موضوعي لطرحه من داخل منظومته او خارجها وهو يجاهر: بان ليس هنالك من احزاب تستحق الحياة وان يدار بها ومعها الشان العام الا من تمتلك سلطتي المال و السلاح وهما حينها المؤتمر والحركة وما دونهما توابع تدور في فلكيهما وعدم تعويله علي كسب سياسي لايتاتي من محصلة قوة او ناتج لصراعها: مجسدا لمقولة قديمة و لخبله (المتمركس) التليد المبطل لمفاعيل الافكار والسياسة وابعادهما الانسانية الاخلاقية (اوالمؤنسنة) في اتجاه يستند علي شرعيةالقوة غير المعظمة لشرعية الحق، وفي اتجاه اخر صنو له لايؤمن بالديمقراطية كما نعرفها انتخابا حرا وارادة شعبية مصدرة للسلطات ومحل لاصلها، بل بالديمقراطية القطبية (المهندسة) التي تقوم علي مركز احادي اوثنائي مهيمن علي المجال العام ثم بتفريع مستصنع هجين من نواتها، ومن عجب الرجلين اليوم بعد افاقتهما من سكرة السلطة ضحي بعد ان داهمتهم بغتة بصبح مطل كالحريق ظهيرة شمس الحقيقة، ان ادعوا وبضع رهطهم، بمعلول القلم وملحون الكلم نسبا وصلة بلاسند بقضايا الحريات وتيار دفعها المتنامي، الذي ما انتصرا له يوما حتي سقوطهما الداوي مع نظامهما المقتلع، بل بتاريخ لجماعتهم، مشهود متنكب لمبادئها مسطور ومحفور بجدار ممارساتهم السياسية ولكنها سماحة الثورة التي تمنحهم حرية التعبير واريحية الاطلالة، لاسيما من يتسلل علينا لوذا وبدواخله شئ من حتي، وكثير غرض مسكوت عنه، بمدوناته المرسلة تتابعا بدروس مبتسرة وساذجة في بدهيات انكرها دهرا وصمت عنها طويلا وتذكرها هكذا فجاءة بعد ان غيبها عن (فطنته) بتعمد متواطئ في زمان حموة معركة الحريات و الحقوق الاساسية، وقد بلغ به الزهو بالسلطة حد الثمالة، بعد ان خان هو وامينه العام الجديد امينهم العام القديم، بمن استظهروا بهم ظلما وعدوانا، ان صرح: بانه يعتقد جازما في معرض حديث لنا، بان شيخه الاول لا يستطيع لاهو ولا المئتي شخص الذين معه ان يقلبوا طاولة، ناهيك عن سلطة ولو كان الامر بيده اوحدا لاطلق سراحه من محابسه بكل جولة صراع ومن شايعه من قوي و احزاب هامشية، لاتغير شيئا بمعادلات الواقع الوطني، وهو انذاك (متفيفه الحركة) الاشهر الذي يصبغ علي (قبيح) السلطة والسلوك (المتعسكر) مسوح (تجمله) المتدين (المتمدن) والعسكر في ذلل قد لايلام الا بالدرجةالثانية فذلك ماجبلوا عليه ب (عقلية الامرة التراتبية)…
لكن الملامة تقع بالدرجة الاولي علي المدني الذي وفر له الغطاء المستبد، وهو الذي علي خلاف ذلك يفترض ان تسوده (عقلية التمثيل التفويضية) …واقعتين ذاتا دلالة عامة وخاصة ينبغي الاحتفاء بهما (قد تاتي فرصة لمجال ومقال ربما تجدون تفصيلهما في اسطر سابقات او لاحقات) قصة الواقعة الاولي: تشكل الاصل التاريخي والاس الفكروي لدراما (المفاصلة) بفصولها الماساوية، وقصة الواقعة الثانية: ماهي الا نتيجة للمثال العملي والاس التطبيقي، لما يمكن ان يبلغه الانتهاك السلطوي من اهدار للكرامة الانسانية والحريات الاساسية المترتب عليها…وبخلاصة مجملة، فانموذجي (الرجلين، الواقعتين) ماهما الا الجزء الظاهر من جبل جليد لهرم قاعدته: عنوان لاستخدام سلطتي سيوسيولوحيا السلاح والمال بمحتوي انثربولوجيا القبيلة برابط تعانف امني فج، تسيده وشكل لحمته الاساس حقبة كانت فيها الغلبة الناجزة و الكلمة الفاصلة للمرحلة التي قزمت فيها افعال السياسة لصالح الظاهرة (المقوشنة): نسبة للمتحكم الامني الاشهر، لمابدا وصور عنه من قدرة خارقة هي جزء من تسويق للاوهام التي تبرر العجز وتقديرات لقوة في غير ما محلهما وادوار متعاظمة بالساحة الوطنية بعضدي اكراه هرم ضلعيه الاخرين: المتسيس / المتفيقه، اللذين قدما السند القامع التابع (عليا) والظل المبرر المتابع (امينا) والامر برمته لا يعدوا بالنهاية من زاويته الاشمل الا ان يكون انعكاسا حادا لازمة التفكر الحركي المتاسلم: اختزالا للفكر الحضاري الاسلامي بثراء تجاربه المجتمعية العظيمة الممتدة بانتزاع عوامل ديناميتها الاجتماعية (بتكثف مخل) يحولها الي مجرد عناصر تصارعها السلطوي العبثي ويحيلها الي سكون لحظتها السياسوية بوجهيه: الاتاريخي والامتانسن الي محض خط بياني متصاعد (بميكافيلية) متوحشة من اجل مطلق الحكم والملك العضود باي ثمن وبلا ادني سقوف (شوروية (هذه العدمية الدائرية المفرغة، بالذات هي ملمح اساس طبع كسوب التفقه والممارسة السياسية لقرون متطاولات الا شذرات استثناء، وتحديدا منذ سقيفة بني ساعدة واثرها علي الذاكرة والعاطفة الفارقة و المشحونة بمحمول صراعها الفكروي علي السلطة بفعل وقع الصدمة والمفاجاة وجدة وتفرد التجربة وما يختبر لاول مرة باول عهد تاسيس مجتمعي بكر(لشعوب واقوام اثنية وثقافية شتي مازالت تعيش طور انتقال مابعد قبلي فتي لولادة دولاتية غضة هشة) لينتهي بها تداولها المحفوف بعديد المخاوف والهواجس ربما المشروعة او الباطلة لمجموعة من الحدود الفجة، وجماع امرها بسلسلة من اشتراطات تفيقه حادت بها عن اصولها التوحيديةالانسانية التي ينبغي ان تستظل بها الافكار والسياسة وتستهدي بها ممارساتها وتطبيقاتها، هذا ماكان من امر التجلي العام علينا اما من حيث تجليه الخاص فينا، فان ذات كسوب التفقه والممارسة السياسية، قد شهدنا احوالا وصنوفا منها ومراحل: منذ امد اول اسلام الميلاد السرحوي، مع عبد الله الذي اذن بالدخول الفاتح المنظم، بل ولما قبله، الذي لم يقطع مع المروي والمسيحي، ثم الي حد نسبي ما متارجح بحقب السلطنة: الزرقاء والسنارية والدينارية، مما شكل اندياحا عفويا لمحددات تلاقح مثمر بناء، ما بين مكونات تثاقف حضاري لامركزي لتدين شعبي بعناصر منمطاته التقليدية والاسطورية المستعربة والافريقانية الاصيل والوافد ليشكلا بدايات وعي الهوية السودانية المتفردة حتي موعدين فارقين اضفيا عليها بعدا ملتبسا ومعقدا ابطا هذا التشكل درجا بما اوقع عليها من مفاهيم و ادوات من خارج قواه و الياته المجتمعية العرفية.
هذين الموعدين تمثلا= بالتركية السابقة، بمؤثر نسختها عبر الوطنية السنية المتأزهرة المستعرب والمهدوية بمؤثر نسختها الوطنية المتشيعة المتأفرق بتحالف سلطتي: النص الكتابي بتاويله الصوري المتمدرس السلفي مع التفيقه/التسيس الثقافي المركزي المتنزل باستبداده (العادل) المصادر لفضاءات التدين الشعبي، نحو قطبية بابعاد عرفانية ممثلة لسلطته الرمزية الدينية، وقطبية بابعاد مادية ممثلة لسلطته السياسية الزمانية، ولكن هو الموحد (القسري) لفضاءات عديد الحيازات القبلية المشرذمة لصالح مابدا بسطحه نجاح نسبي لرؤية توحد وهوية وطنية مشتركة و ماظل بمطلق عمقة حاملا لاسباب خلافه وتفرقه التي تخبو احيانا قليلة وتنفجر احيانا كثيرة ربما لتعويله المفرط علي الياته الخارجيه المجردة بمادة اسقاطها العمودي الزجري القامع واغفالها لطوع روحه الافقية التشاركية، عناوين الموعدين سينتهيان بنفس الطريقة تقريبا: التركية السابقة بعد انقضاء مفاعيل دورتها الحضارية بالمجتمع والتاريخ بنواميس النبوة (الخلدونية) وتحلل قواها واضمحلال (مشروعها) عبر فاصلة ثورية عنفية دامية بالراس الغردوني بالخرطوم ستستبدل احلالا بالمهدوية التي هي بدورها سرعان ماستسقط بذات الاسباب لتخلفها السوسيوسياسي: بقواه وعلاقات انتاجه الفيوديالية (بمقومات الاستعباد الارضي والاجتماعي الواسع والهيمنة الاثنوجهوية بتحكم من طبقة الاشراف وكبار القبليون ملاك الحيازات واقنان الارض والمحظيات فهما المجالين الاخصب، لاستيلاد الثروة البشرية وراس المال المادي، وباسناد تديني من طبقة متفيقهي الخليفة بتبع مخضع لحواريهم، لاستجلاب الثروة الرمزية وراس المال المعنوي، ليشد ذلك كله بعضه ببعض من باس قابض لقادة الرايات العسكرية، باستتباع مستعبد لملازميهم) ثم لعدم مواكبة البني الوظيفية لمفاهيم وهياكل السلطة وبعمقهما اقتصاده السياسي المتاخر عن الايفاء بمتطلباته الوطنية نحو احتياجاته التبادلية التجارية/ العقارية ونمو مصالحها المتصاعد الذي ماعادت تعبر عنه الصيغ التدينية والمسيسة بعقليتها الماضوية (ماقبل الوسطي) بحيث بدت كجزيرة منعزلة بمحيط من حولها تخطي ثورته المدينية ويعيش في غمار راسماليته المصنعة وذروة ثمارها المعرفية والاقتصادية المنتجة، وهو بعد كل ذلك في خضم ازمة بحث عن ذات بداخل مدينة فاضلة مفتقدة راح يفتش عنها بخارج في ظل تنامي لتهور وتوهم منه لدور اممي غير مدرك لحجمه و لواقعه الجيوبولتيكي ولتطور لمجمل الاوضاع العالمية من حوله لتنهار التجربة الوطنية بفعل التاريخ السري الموتور وغضبة التظالم الداخلي المركزي التي عاشها هامشيو المجتمع والارض استعبادا وهيمنه ثقافية واقتصادية سياسية لتتهيا الفرصة الثمينة لتواطوء الخارج معها او بدونها الذي لايعرف الفراغ الجيوسياسي ليملاه الاستعمار المصري البريطاني عبر فاصلة حربية عنفية، قضت علي العهد الوطني بملحمة كرري وراس الخلافة ببسالة ام دبيكرات لتترك وطن لم يفق بعد من استغراقة الحضرة اوفنائها السرمدي، باقليم من حوله قريب بلغ شأوا مقدرا من التمدن هذا ناهيك عن عالم هو عنه ابعد بسني ضوئية طوال….ستتداعي بعد اسدال ستار هذين الموعدين، تقريبا بنفس الطريقة لتستمر بصورة او اخري تجليات خاصة وعامة لكسوبها في التفقه والتسيس وبذات منوال قوة (ايدلوجيا التداخل) وعلي شاكلة (عزيمة المتدخلين) التي لاترعوي من سوء عاقبة او تعتبر من فشل تجربة.
لتتواصل وحتي لما بعد الموعدين مع بزوغ خجول وارهاص متردد لما بات يلوح بالافق لظاهرة (ولا نقول: دولة وطنية مابعد كولونيالية) سيمارس فيها لاعبون اساسيون وثانويون، هوايتهم القديمة المتجددة، بالتدخل بالتاريخ بادعاء قدرة ورغبة من خلال تناقضه العمل علي تصحيح مساره بما يمتلكون وحدهم بتعالي دون سائر مواطنيهم من قدرات خارقة وسلطة وصاية اخلاقية ودينية، والتي ستقطع في كل مرة طيلة عهده الوطني المضطرب علي الشعب طلاقة استنهاض عوامله العفوية المستقلة نحو استكمال حداثته الوطنية وحقه في تحديد اختياراته السياسية و تشكيل حقول هويته المجتمعية (علي قله ازمانها وعيوب مضمونها) ستفسد عليه مشيئته الحرة و مزاجه الوطني الوسطي المعتدل: باسقاط او تخريب نتاجيهما متمثلا في ديمقراطتيته التدينية الشعبية عبر(الانقلاب المتعسكر) عليها لفرض ديكتاتورية تدينية رسمية: بفكرويتها النصية السلفية و بقراءاتها المحرفة المتطرفة و بمتأولها الا تاريخي المجرد وبخارجانيتها الا مجتمعية الشكلية والتي هي غالبا ماتقع وتستلهم ماهو عابر لجغرافيا المجتمع والوطن…ليصل الحال الي ذروة سنام كل تلك (الكسوب) السالبة و وطاتها الاشد و(بتجلي) وقعها المتعدي و (بالتداخلية) الاعنف ليبلغ بالنهاية شمول مكونات كل ذلك وجماع سوءه وبؤس منقلبه بسلطة انقلاب الثلاثين من يونيو، بهرم عقل جماعي توصله طريقة تفكيره المشترك الي اسوا ما فيه من تصور مستهجن وبجذر لاوعي ذهني و نفسي مشترك يمكن ان يصدر عنه اسوأ ما فيه من سلوك مستهجن واللذين هما للمفارقة قد لا ينتسبان ولا يساويان حاصل عقولهما المتفردة الطبيعية اذا ما اشتغلت في غير ما سياقاتها الجمعية التامرية (المشيطنة) التي انشأها عليها تفكرها الحركي والياته ومناهجه التنظيمية مختلة الاولويات ومفتقدة الروح المقاصدية، والتي ستحكم البلاد لثلاث عقود ماضيات غابرات ولما تفرع عنها ومنذ نهاية عشريتها الاول من مجموعة تفاوض التاسلم النيفاشي: مدنية المظهر متعسكرة الهوي والهوية، بعد ان خلص لها الامر ودانت لها مقاليد السلطة واستخلصته بالقوة الغاشمة من منافسيها من داخل صفها ومن خارجه منفردة. اذن وعلي خلاف الوضوح البين في الرؤيا والقضايا والقوي التي ينبغي الرهان عليها، علي الاقل من وجهه نظر(تقدمية) لقوي الديمقراطيين الاسلاميين، ومن قبل ذلك بمعطيات محددة بمقدمات التحليل وبنهاياته المنطقية، والذي اتبعناه بالنصح الصادق، الذي اصموا اذانهم عن اصواته المتكررة، واغلقوا قلوبهم عن اشاراته الافتة، وحجبوا عقولهم عن خلاصته النابهة… وقد وقع في نفوسهم ظن سوء باننا انما نفعل ذلك حسدا سياسيا او تصفية لحسابات المعركة الداخلية المحتمدة داخل الصف (الاسلاموي) فاثروا ان يصطفوا مع الطرف المتحكم والممسك بزمام مايمكن ان يمنح لهم من مزايا ومكاسب لمشروع الشراكة الوليدة، وايضا لما اعتقدوا بانه الطرف الاضعف منالا، الاسهل احتواءا ولهفة علي اي اتفاق لتشتت جبهته الداخلية وانعدام توازن مكوناته وافتقارها للمبدئية الاخلاقية السياسية…
*كاتب صحفي وباحث في مجال
دراسات السلام والتنمية