
عبد العالي الطاهري
أعلنت شركة أرامكو السعودية إنهاءها 3 صفقات تاريخية تُعزِّز وجودها في قطاع التكرير وتسويق الوقود في بولندا.
وكشفت عملاقة النفط السعودي، إحدى الشركات المتكاملة والرائدة عالميًا في مجال الطاقة والكيماويات، نجاحها في إغلاق 3 صفقات وصَفتها بالتاريخية مع شركة التكرير وبيع الوقود البولندية «بي كي إن أورلن»، وفقًا لبيان اطّلعت مؤسسة «المدائن بوست».
تفاصيل الصفقات
بجزء من الصفقة التي أُعلِنَت للمرة الأولى في يناير/كانون الأول 2022، استحوذت شركة أرامكو لما وراء البحار التابعة لأرامكو السعودية، ومقرّها هولندا، على حصص ملكية بنسبة 30% في مصفاة بسعة 210 آلاف برميل يوميًا في جدانسك، و100% في شركة تسويق ومبيعات منتجات الوقود.
وتتضمن الصفقات حصة 50% في شركة تسويق وتعبئة وقود الطائرات لمشروع مشترك مع شركة (بي. بي أوروبا إس إي) التي تعمل في 7 مطارات ببولندا، وذلك بعد اندماج «بي كي إن أورلن» مع شركة «غروبا لوتوس».
وتمثّل الاتفاقية علامة فارقة كبيرة في إستراتيجية أرامكو السعودية طويلة الأجل، بهدف تطوير قدراتها المتكاملة لتكرير والبتروكيماويات، إذ تعمل على محاولة توسيع محفظة منتجاتها عبر سلسلة القيمة الهيدروكربونية بأكملها.
وتهدف الصفقات لأن تكون أساسًا صلبًا لمزيد من تطوير الأعمال، وتعمل على إكمال إستراتيجية أرامكو السعودية لتعزيز قدراتها في تحويل السوائل إلى مواد كيماوية لما يصل لنحو 4 ملايين برميل يوميًا.
السوق الأوروبية
قال النائب الأعلى للرئيس للتكرير والمعالجة والتسويق في أرامكو السعودية، محمد بن يحيى القحطاني: «تُعد هذه الاستثمارات جزءًا من جهودنا لتعزيز وجود أرامكو السعودية في سوق أوروبية رئيسة».
وأضاف أنَّ «هذه الصفقات توفر فرصة مميّزة لتطوير مسارات جديدة فيما يتعلق بتحويل السوائل إلى مواد كيميائية، وتوسيع نطاق أعمالنا في قطاع التكرير والمعالجة والتسويق على المستوى العالمي ودعم تنويع استثماراتنا».
وأشار إلى أنه، في الوقت نفسه، تتطلع أرامكو السعودية للمواصلة في تطوير محفظة منتجاتها من خلال إستراتيجيتها للتحوّل المستمر في قطاع التكرير والمعالجة والتسويق.
أكبر شركة في وسط أوروبا
من جهته، قال رئيس مجلس إدارة «بي كي إن أورلن»، دانييل أوباجتيك: «تتسم الصفقات بأهمية إستراتيجية في زيادة إمدادات الطاقة، ليس فقط في بولندا، بل في المنطقة بأكملها».
وأضاف: «لقد عملنا على تأسيس أكبر شركة في وسط أوروبا بمحفظة أصول متنوعة من شأنها تعزيز الأعمال الحالية بشكل فعال، وتطوير أخرى جديدة».
وأشار إلى أن صفقات أرامكو السعودية تخلق فرص نمو جديدة تسمح بمواصلة التوسع في المنتجات المتوقعة وذات هوامش الأرباح المرتفعة.
توريد النفط
كما أبرمت أرامكو السعودية و «بي كي إن أورلن» اتفاقية لبيع النفط الخام تُورِّد بموجبها أرامكو نحو 45% من احتياجات الشركة البولندية للنفط الخام.
بالإضافة إلى هذه الاستثمارات، وقّعت أرامكو وسابك، و «بي كي إن أورلن» اتفاقية تطوير مشترك لتقييم الجدوى التقنية والاقتصادية لمشروع البتروكيماويات المحتمل في مدينة جدانسك البولندية.
صفقة أرامكو السعودية في بولندا.. هل تهدد صادرات روسيا النفطية؟
يُثير استحواذ شركة أرامكو على حصة من ثاني أكبر مصفاة نفط في بولندا عدة تساؤلات، لعل من أبرزها: هل يمكن أن يهدّد هذا الاستحواذ صادرات روسيا إلى الدولة الأوروبية والعلاقات بين أكبر عضوين في منظمة أوبك+؟
إلى ذلك، أجابت وكالة رويترز عن هذا التساؤل في تقرير تحليلي، يوم الإثنين 28 نونبر2022 ، في ضوء الصراع المتأجج مؤخرًا بين بولندا وروسيا فيما يُعرف بـ»أزمة المهاجرين».
كما أن الوضع ليس أحسن حالًا بين روسيا وأوروبا عمومًا على عدة مستويات، سواء سياسية أو عسكرية، وحتى الاقتصادية؛ ما حال دون بدء تشغيل خط نقل الغاز الروسي العملاق نورد ستريم 2 إلى القارة العجوز.
صفقة أرامكو السعودية
أعلنت شركة أرامكو، خلال الأسبوع الأخير من شهر نونبر 2022، إبرام صفقة استحواذ على نحو 30% في «غدانسك» ثاني أكبر مصفاة في بولندا، إذ تبلغ سعتها التشغيلية 210 آلاف برميل يوميًا، وتمُدُّ البلاد بثلثي احتياجاتها من مشتقات النفط.
كما اشترت أرامكو السعودية 100% من حقوق تجارة الجملة المرتبطة بها، و50% في مشروع مشترك لتسويق وقود الطائرات مع شركة النفط البريطانية بي بي.
وربما تكون هذه الخطوة بمثابة إحدى محاولات بولندا لخفض الاعتماد على النفط الروسي؛ بسبب التدهور المتزايد في العلاقات بين البلدين.
فبموجب هذه الصفقة، ستزوّد أرامكو المصفاة بكميات النفط التي تحتاجه، ما يحقق المستهدف البولندي، حتى ولو جزئيًا.
تدهور العلاقات
بدأ تدهور العلاقات بين روسيا وبولندا مطلع عام 2021، إذ اضطرت الأخيرة إلى حظر شراء النفط من الأولى، بسبب رفع الأسعار من قِبل الشركة المملوكة للدولة «روسنفط».
كما زادت أزمة أوكرانيا بعد حشد روسيا قواتها العسكرية على حدودها، وشكوك الهجوم عليها، من الأزمة بين البلدين وأوروبا، وتَشدُّدِها في السماح بتشغيل خط نقل الغاز نورد ستريم 2.
وقالت شركة أرامكو السعودية، في إعلان الصفقة، إنها تعتزم زيادة ضخ النفط إلى نظيرتها المملوكة للدولة البولندية «بي كيه إن أورلن»، من 200 ألف برميل يوميًا إلى 337 ألف برميل يوميًا.
وقالت شركة «بي كيه إن أورلن»، ردًا على تساؤل وكالة رويترز بشأن إزاحة النفط السعودي من خلال أرامكو نظيره الروسي: «نحن نقدر علاقات أنشطة الأعمال مع كل من شركائنا الروس، وأي طرف آخر يُزَوِّد مصافي النفط لدينا باحتياجاتها من الخام».
وبينما رفضت الشركة التعليق على تفاصيل صفقاتها التجارية، أشارت قائلة إنها لا تعتزم «قطع علاقاتها المتواصلة مع شركائها الروس».
مستهلك كبير
تُعدُّ بولندا من كبار مستهلكي النفط في منطقة البلطيق، ولدى شركتها أورلن عدة مصافٍ في دولتي ليتوانيا والتشيك اللتين تستوردان كميات رئيسة من خام الأورال الروسي.
ووِفق حسابات وكالة رويترز، فإنه بموجب صفقة أرامكو سترفع الشركة السعودية صادراتها إلى بولندا بمقدار 3-5 أضعاف، ما يلبي من 50-70% من احتياجات وارسو النفطية.
وقال ممثل شركة «جي بي سي إنرجي» للاستشارات، فيكتور كاتونا، إن حمضية نفط السعودية المتوسطة تناسب مصافي بولندا، وهي تشبه الخام الروسي الحمضي أو عالي الكبريت، إلا أن تكلفة النقل ستزيد عند الاستيراد من الرياض، مقارنة بخام موسكو.
وأضاف كاتونا أن بولندا تستهدف التخلص من واردات النفط الروسي بسبب المشكلات السياسية، وأي خفض لمشتريات وارسو من خام موسكو سيضر بصادرات الدب الروسي.
وتابع أنَّ السعودية تزوّد غدانسك -حاليًا- بنحو 90 ألف برميل من الخام يوميًا، مقابل 142 ألف برميل يوميًا من الأورال الروسي عن طريق البحر.
تراجع الواردات
تراجعت واردات بولندا من دول الاتحاد السوفياتي السابق عبر خط أنابيب نقل النفط «دروزبا»، ما يعكس المشكلات السياسية والفنية خلال السنوات الأخيرة في المنطقة، رغم ارتفاعها من بحر الشمال ووسط إفريقيا.
وعلى سبيل المثال، من المتوقع أن تُصدِّر روسيا نحو 120 ألف برميل يوميًا عبر دروزبا هذا الشهر، مقابل 220 ألف برميل يوميًا في يناير/كانون الثاني 2022، و500 ألف برميل في بداية عام 2000.
ويبدو مما سبق أن صادرات روسيا إلى بولندا ستتضرر من صفقة أرامكو السعودية، فهل يمكن أن يؤثر ذلك سلبًا في علاقات أكبر حليفين ومنتجين للنفط في منظمة الدول المصدرة للنفط وحلفائها المعروفة أوبك+، وقد أجاب مصدران قريبا الصلة بصفقة أرامكو على هذا التساؤل بـ»النفي».
وقال أحد المصدرين: «إنَّ البلدين يحتاجان إلى دعم أسعار النفط من خلال اتفاق خفض الإنتاج، لكن السعودية وروسيا معتادتان على التنافس في الأسواق العالمية، وستمنحان الغرب درسًا في الإدارة البراغماتية (تحقيق المصلحة الشخصية) القائمة على التنافسية».
وأضاف المصدر قائلًا: «أي شخص يستطيع الاستثمار في أي مكان، ففي عام 2017 استثمرت «روسنفط» الروسية في شركة «إيسار» الهندية، رغم أن أرامكو السعودية كانت مهتمة بهذه الصفقة».
يُذكر أن وزراء أوبك+ اتفقوا في اجتماعهم مطلع شهر نونبر 2022، على استمرار الزيادة التدريجية الشهرية للإنتاج بمقدار 400 ألف برميل يوميًا، خلال فبراير/شباط المقبل (2023).