آراء

كوكاسيات

السوق السياسي بالمغرب: مروضو قرود، قارئو الفال، نصّابون وحلايقية 2/1

عبد العزيز كوكاس

“السخرية والهزل هما في الغالب آخر ما يحتمي بهما اليأس”                      المهدي بنونة

لم أجد من نعت لوصف ما يقع في المشهد السياسي العربي، الآن وهنا، غير وصف “السوق”، أحزاب تكاثرت حتى أصبحت على نموذج واحد، خطابات متشابهة حد التماهي وقادة أحزاب أشبه بقطط من ورق، فاعلون من كل الأطياف “يلعبون” في إطار لعبة سياسية تزداد غموضا، مليئة بالسخرية المرة وبيع الأوهام وإنتاج عروض التمثيل أمام جمهور اكتفى بالتفرج على جميع المعروضات.. ما يحدث اليوم في الحقل السياسي العربي قريب جدا حد التطابق، من السوق الأسبوعي.. فهناك الحواة، مرقصو الأفاعي الذين يستعرضون مهاراتهم مع “حيات” تغربت عن موطنها وفقدت رمزية خلودها وأضحت فرجة للمتسوقين الفضوليين، وهناك السحرة والمشعوذون الذين يحتالون على السذج من الناس، يجلبون لهذا الحظ، ويدعون إبعاد الشر عن ذاك، ويخلطون جلود حيوانات بأعشاب عديمة الفائدة ولا يصدق عقل آدمي سَوي أنها تجلب السعد وتدرأ النحس، ويعرضون مبيعاتهم الغريبة أمام المتسوقين بغير قليل من التباهي.. وكلما حلت الانتخابات أبدعوا في وصفاتهم وأصبحوا ساحرين بكلامهم.

قريبا منهم يوجد الحلايقية، حكواتيون وبائعو أوهام ومغنون في البرلمان والمؤسسات التمثيلية والتنظيمات الوسيطة… يمثلون ـ أتذكر التشبيه الذي قدمه المستشار الملكي الحالي وأستاذ القانون الدستوري السابق محمد معتصم حين أقام التماثل بين التمثيل النيابي في المغرب والتمثيل المسرحي ـ بعضهم يحاول أن يخرج الضحك من تحت الطبقات السميكة للحزن لدى المتحلقين، وآخرون يروضون القرد، الذي يتعرض للمسخ بالمعنى الكافكاوي، لا الشعبي الميثولوجي الراقد في الذاكرة الجمعية حول القرد، يأمره بأن يؤدي صلاة العجوز، ويبرز للناس كم الساعة، ويقوم ببعض الحركات البهلوانية التي تسرق ضحك هذا الجمهور المتعب المسحوق بسياط اليومي.

وفي الطرف الآخر هناك من يمارس الجذبة مدعيا أنه مجذوب أبا عن جد، يأكل شوك الصبار، يدخل مشبكا أو سكينا كبيرا في لحمه أو يشرب الماء الساخن وينفثه بطريقة تبعث على القيء في وجه الجمهور المنبهر بهذا الشخص الخارق ولو أن المغاربة كلهم فقدوا القدرة على الإحساس بالألم لكثرة ما ألفوه.

مشهدنا السياسي العربي العام هو سوق أسبوعي مليء بالمواد المعروضة على الناس، بيع وشراء في البقر والغنم والخضر والفواكه الطرية والجافة، مواد غذائية شحب لونها من كثرة عرضها على الشمس الحارقة أو الأمطار العاصفة، أواني من الألمنيوم والطين من كل صنف، ملابس بالية وجديدة، كل حسب حاجاته، كل حسب طاقته.. وأصناف الأكل المختلطة بالغبار المتطاير جراء حركية المتسوقين الذين يلهثون كي لا يفوتهم شيء من السوق، الازدحام في الممرات المفتوحة بين الخيام المنتصبة، حيث ينشط النشالون واللصوص، والمهووسون حد المرض بالاحتكاك بالمؤخرات، مساومات هنا وهناك والشاطر يفوز في النهاية.. هكذا أصبح لدينا لصوص وحشاشون وتجار مخدرات يلجون بسهولة أخطر المؤسسات التمثيلية في البلد..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق