آراء

كوكاسيات

مرثية للنخبة

عبد العزيز كوكاس

(سوُّوا صفوفكم يرحمكم الله وحاذوا بالمناكب وألصقوا الركب وسُدُّوا الفُرج، صلاة الجنازة والميت « النخبة المغربية «، لم يعد أمامنا اليوم إلا أن نقول: إن لله وإنا إليه راجعون، ونمنح شهادة برسم الوفاة للنخبة السياسية بالمغرب، لقد ذاب كل السكر في براد المخزن، منذ وُضع الحسن الثاني في قبره، وربما قبله بقليل، مات النقاش السياسي، وأصيبت مفاصل النخبة بالبرود الفكري، تلك علامة الموت كما يجسدها الطب إكلنيكيا.. إن السائد اليوم هو خطاب الجنازة، حتى ليبدو الأمر كما لو أننا بصدد دفن مستقبلنا مع ركام ماضينا في الزمن الحاضر.

كل الخطابات اليوم حول  السياسة والسياسي بالمغرب، تبدو ملساء، خطابات باردة بدون ذوق ولا طعم، إنه القحط العام الذي عمَّ طين الأرض وأدمغة النخبة، قحط يترك ندوبا كالوشم على جسد المغرب، لم تعد هناك شهية لفتح مواجع الكلام المر الذي ينفع لكن لا يضر… أصبحنا أمام نخبة لا تحرك الدجاجة عن بيضها… ماتت النخبة، ولم يعد أمامنا إلا أن نبحث عن مراسيم تليق بتشييع جنازتها، ونوريها في ثوب كسلها إلى مثواها الأخير.

لم يعد ينفع مع النخبة المغربية، جرعات زائدة من المنشطات ولا مقويات زيادة، فقد توافق الكل على الصمت، منذ بُرِّر التوافق بين اليوسفي والحسن الثاني بالقسم على القرآن… فَقَدَ عقل النخبة حرية المبادرة والإبداع، فمن لا يرضي القصر وحاشيته وجد نفسه على هامش الملعب السياسي، حتى أصبحنا اليوم أمام خطابين يشكلان وجهي العملة الواحدة.

– خطاب المداحين الجدد، وهو السائد لدى نخب تحاول تبييض الأسود، وتعمل جاهدة على درء المفاسد وجلب المنافع، وفق منطق تأويلها الخاص ليس لدى المداحين الجدد أي نتوء في الممارسة السياسية، لم يبق أمامها إلا أن تقول مع القذافي علينا أن نأتي بسياسيي البلدان التي «أشيع» أنها ذات تقاليد ديمقراطية باذخة لتدرس على أيدينا الأبجديات الأساسية للديمقراطية الحقة، لقد تواطأ الكل على الصمت، كما لو أنه كان جزءا من بنية التوافق حول «الانتقال الديمقراطي» إن المداحين الجدد، وهم مثقفون ومناضلون ومعارضون سابقون، لم يعد أمامهم سوى تبييض الأسود أو تعليق كل فشل الحاضر على مشجب الماضي..

– خطاب الأصوليين الجدد: حيث تتطابق الحقائق مع أصول أفكارهم، لا مع الواقع، لأنهم يحبون أفكارهم أكثر من الحقيقة، فبالنسبة للأصوليين الجدد، المخزن هو المخزن، ورغم أن بعضهم يؤمن بالدياليكتيك فإنه يحوله إلى مجرد جدل خارج التاريخ، جدل مريض بالكساح لا يقوى على استيعاب تبدلات الزمن، بعضهم لا يعترف بالدولة، ويعتبر الدولة غير ديمقراطية لأنها لم تعترف به، وبعضهم يعاند الزمن وإبدالاته لكي يبقى فقط محافظا على تماسكه المنطقي، فلا وجود لصيرورة إصلاحية حتى ولو كانت إكراهية وضرورية لا اختيارية أو إرادوية  لكنها موجودة، وإذا كان الميت يخرج من الحي، ومع كل جنازة هناك ولادة جديدة، فإننا لم نسمع صرخة الولادة بعد، ونخشى أن يطول انتظارنا حتى زمن الفيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق