سياسة

تحييد حماس واستهداف غزة والجهاد

علي شندب

كما بات معلوماً، فقد نجحت الجهود المصرية في التوصّل لوقف إطلاق النار في غزّة. الموعد الذي تأجّل أكثر من مرة الى أن ثُبّت قبيل منتصف ليل الأحد، حيث بقيت صواريخ «سرايا القدس» التابعة لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، تنطلق باتجاه غلاف غزّة والمستوطنات والمدن الإسرائيلية حتى آخر ثانية قبيل سريان الإتفاق.

وقد مهّدت «إسرائيل» في عدوانها على غزّة، باختطاف القيادي في الجهاد الشيخ بسام السعدي، ثم أتبعته باستهداف قائد سرايا القدس في المنطقة الشمالية لغزّة تيسير الجعبري خليفة القيادي البارز «بهاء أبو العطا» الذي اغتالته اسرائيل عام 2019. وبعد الجعبري، اغتالت اسرائيل بقصف جوي قائد سرايا القدس في المنطقة الجنوبية خالد منصور مع بعض الكوادر.

استهداف «إسرائيل» لقيادات الميدان في حركة الجهاد وشى وكأنّ الاستخبارات الإسرائيلية تمكّنت من فكّ الشيفرة السرية للحركة. فهل الأمر ناتج عن خيانات أو اختراقات هيكل الجهاد، أم أنه نتاج اعترافات بعض معتقلي قادة الجهاد تحت وطأة التعذيب، أم أنّ الأمر متناسل من إختراق الموساد لأجهزة مخابرات إيران وحرسها الثوري.

فحركة الجهاد وكما هو معلوماً، امتازت ومنذ تأسيسها بقيادة الراحل فتحي الشقاقي بعلاقة قوية مع ايران، ورغم علاقات وثيقة ربطت الشقاقي بالراحل معمر القذافي وأيضاً بالقيادة السورية، لكنها لم تصل حدود تدخلهما في تركيبة الجهاد التنظيمية والداخلية، بخلاف إيران التي لعب جنرالها قاسم سليماني دوراً حاسماً في اختيار زياد النخالة أمينا عاماً لها، خلفاً لخليفة الشقاقي، المرحوم رمضان عبدالله شلح.

اغتيال الجعبري الذي شكّل شرارة المعركة، واكبه إبلاغ وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس لحركة حماس عبر مندوبي مصر، بأن حماس غير مستهدفة في العملية المقتصرة على استهداف «حركة الجهاد»، أي تحييد حماس والفصل بينها وبين الجهاد. لكن الغريب والمثير في الأمر، أنّ حماس تلقفت تحييدها ولم تنخرط سوى ببضعة «صواريخ صوتية»، ما أدّى لنجاح إسرائيل في قطف رؤوس قادة الجهاد عبر معادلتي التحييد والاختراق.

التحييد والإختراق اذن، من سمات معركة غزة البارزة. وفيما يرجح أنّ من ثمار الإختراق إغتيال عدد من قادة الجهاد، فإنّ من ثمار «التحييد»، استخدام حركة حماس في الضغط على حركة الجهاد كي ترضخ لوقف إطلاق النار، بمعنى أنّ الضغوط لم تعد من أهل البيت العربي فقط، بل أصبحت من آل البيت الفلسطيني أيضاً.

استهداف حركة الجهاد، هدفت من وراءه اسرائيل أيضاً الى محاولة فصل الترابط بين ذراعها العسكري في غزّة وذراعها في الضفة الغربية، بمعنى أن الجهاد ينبغي ألا تردّ على إغتيال او إستهداف كوادرها في الضفة إنطلاقاً من قطاع غزّة. ما يعكس أن الهدف الاستراتيجي المؤرّق لقادة الكيان في سعيهم لتثبيت مفاعيل نظرية الفصل هذه، هو إجهاض أي محاولة لإعادة الروح الفدائية لـ «كتائب شهداء الأقصى» التابعة لحركة فتح ومعها الأجهزة الأمنية (حيث تحوم شكوك أميركية حول عدم تغيير عقيدتها القتالية)، فضلاً عن ترجيح انخراط مجموعات حركة حماس وبقية الفصائل الوطنية في مقاتلة الإسرائيليين والإشتباك معهم في الضفة الغربية.

الفصل الإسرائيلي هذا، يدخل في صلب العقيدة الإسرائيلية العدوانية. فهو الفصل الذي دشّنت اسرائيل باسمه عدوانها على غزّة من خلال تحييد حركة حماس ولجم حميتها عن الإنخراط في معركة تستهدف الجهاد حصراً. فصل متناسل، من فصل السلطة الفلسطينية في الضفة، عن سلطة حماس في غزّة. وهو فصل متناسل بدوره من الفصل والتناقض بين دول الاعتدال العربي ودول الصمود والتصدي سابقاً، وانتهى بـ «انتصار» دول الإعتدال، (فيما أصبحت دول التصدي بفعل شطب العراق وليبيا واليمن وسوريا من خارطة النفوذ والقوة ومواقع الانتصار لفلسطين بوصفها قضية العرب المركزية، أثراً بعد عين)، وتوّجت انتصاراتها بإبرام إتفاقيات السلام وآخرها «اتفاقية ابراهام» التي شكلت آخر محطات التطبيع.

إنّه الفصل الذي أدّى الى وقوع غالبية فصائل المقاومة الفلسطينية في حضن إيران التي زرعت مخالبها في عدة عواصم عربية ودمرتها تحت شعار «الصلاة في القدس وتدمير اسرائيل». وكان لافتاً للغاية إيكال قائد فيلق القدس هذا الأمر الى زعيم حزب الله بقوله «حزب الله يخطّط لتوجيه آخر ضربة لإسرائيل وإزالتها من الوجود في الوقت المناسب».

وربما أراد خليفة قاسم سليماني بكلامه هذا، إشاحة النظر نهائياً عن معزوفة «تدمير اسرائيل خلال 7 دقائق ونصف» الممجوجة والتي علكها وبلعها كل ساسة ايران ودهاقنتها، حتى بادر قائد الحرس الثوري حسين سلامي الى بصقها وإخراجها من الخدمة بقوله منذ نحو عامين «الظروف غير مؤاتية لتدمير اسرائيل». وأغلب الظن أن مقولة اسماعيل قاآني هي ما سيعلق في أذهان البعض، دون التفكير في أنّ عبارة «الظروف غير المؤاتية» لسلامي، متطابقة مع «التوقيت المناسب» لقاآني.

مع هذا فقد بدا لافتاً حرص زياد نخالة في الرد على نظرية الفصل الاسرائيلي بين الضفة وغزة، وبين الجهاد وحماس، بقوله «نحن والإخوة في حماس في تحالف مستمر.. والعدو لن يستطيع أن يفرّق بيننا». وبخلاف اسماعيل هنية وقادة حماس الذين شكروا ايران وقيادتها على دعمها خلال معركة «سيف القدس»، فقد سُجّل أن نخالة وخلال مؤتمره الصحفي في طهران شكر مصر وكافة الدول والقوى الداعمة للقضية الفلسطينية بشكل عام، لكنه لم يخصّ ايران بالشكر.

وبعيداً عن الصواريخ الصوتية الإيرانية، ستكشف معركة محاولات شطب حركة الجهاد من معادلات فلسطين، أن هذه المعركة هي من أخطر المعارك على غزّة، وتداعياتها أخطر من اتفاقيات التطبيع مع «اسرائيل». وأغلب الظنّ أن عوائد هذه المعركة على الجهاد ستكون أهم من توظيف رئيس وزراء اسرائيل يائير لابيد ووزير دفاعها بيني غانتس انتخابياً لها، كما وإنها أكبر من استثمار بايدن لجثة أيمن الظواهري وحتى بانحيازه المطلق لإسرائيل، علّه يضمن فوز حزبه الديمقراطي  في الانتخابات النصفية المقبلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق