ثقافة وفن

واحة الشعراء

صلاح أحمد ابراهيم

شاعر الإلياذة وسمرة النيل

بقلم: د. محمد بدوي مصطفى

سياسي ودبلوماسي من العيار الثقيل، ولد الشاعر صلاح في حي العباسية بمدينة أمدرمان، العاصمة الوطنية للسودان، ببيت مولانا أحمد إبراهيم، الصوفيّ الورع. كان والدي يحدثني عن الشيخ أحمد إبراهيم والده، إذ ارتبطت بينهما صلة وثيقة ومما أثرته من حديث والدي بدوي مصطفى إذذاك أن الشيخ أحمد إبراهيم من الصوفين الذين حدثت لهمة الجذبة، يعني انحسار الستار.

رأى مولد هذا الشاعر الأمدرماني بعهد الاستعمار الإنجليزي في عام ١٩٣٣ وتلقي تعليمه بمدارسها إلى أن التحق بكلية غردون التاريخيّة وتخرج على أيدي عظام الأساتيذ من بينهم البروفسير عبد الله الطيب والأديب حسن نجيلة وكان للإثنين أثرا كبيرا في تبلور حياة الشاعر الأديبة.

صلاح، أخو الرائدة النسائية، فاطمة أحمد إبراهيم، ترعرع في بيت علم وصلاح ولم يقف هذا المنزل في تطلعات بَنِيه وبناته في ارتياد آفاق العلم من أوسع أبوابها. التحق بالحزب الشيوعي ولعب به دورا هاما به وبالسياسة السودانية، كما فاطمة نفسها. ألتقيته بباريس وتعلمت منه الكثير وأنا أعتبره شيخي وأستاذي، ذلك دون فخر، لأنه في غنى عني أن أصطفيه بانتمائي لمدرسته وعلمه. عرفته ملحقا ثقافيا بالسفارة القطرية بباريس وكم من مرّة أتى فها لزيارتنا ونحن طلاب بمدينة ليون ليقدم المحاضرات والنصح ويتحفنا بمعارفه الشمولية. كان ذو أدب جم وفكر مستنير وحكمة ودراية بقضايا السياسة والأدب. سألته ونحن بصحبته ذات يوم، كيف يصف فم محبوبته ماريا (مريّة) بفم كالأسد الجوعان المزمجر؟ لم يطل الحديث وكان كعادته حاضر البديهة، فأجابني: هي في باريس يا محمد، دعنا نذهب إليها لترى ذلك بنفسك!

يعد صلاح أحمد إبراهيم واحدا من الأدباء السودانيين والعرب الذين قاموا بتوظيف الرموز الأسطورية في بناء القصيدة للتعبير عن أفكار ومعان ورؤى بطريقة لم تكن مألوفة إلى ذاك الحين في الشعر العربي، وهو بذلك يحسب ضمن جماعة الديوان مثل بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي و علي أحمد سعيد الملّقب أدونيس. اتسمت قصائده بالأفكار القطعية القوية، كما يلحقه بعض النقاد إلى جماعة أبولو الشعرية. وكان صلاح من أكثر الشعراء العرب استخداما للميثولوجيا الإغريقية ويتجلى ذلك في قصيدته “مَرِيّا”.

أصدر ديوان غابة الأبنوس وأعاد الطبعة بدار إديفرا بمعهد العالم العربي بعاصمة النور. قدّم للطبعة الأديب الطيب صالح بمقالة تاريخية عنه وعن أدبه وشعره، وازدان الديوان بلوحات الخطاط والتشكيليّ عثمان وقيع الله، وكنت قد حظيت بإهداء نسخة أعتز واحتفظ بها إلى الآن، كتب على صفحتها ذكرى لن تُنسى: “الأخ محمد بدوي، متمنيا لك مع هذه المجموعة لحظات جميلة وأن تحفزك إلى عطاء ترضى عنه أيها الفنان المرهف الودود. أصدق مشاعري الأخويّة. باريس ٧/٨/١٩٩٠ – صلاح أحمد إبراهيم”.

مقتطفات من قصيدة مريّة:

ليت لي إزميل فيدياس وروحا عبقرية

وأمامي تل مرمر لنحت الفتنة الهوجاء في مقاييسك تمثالا مكبر

ويقول أيضاً:

ليتني في قمَّةِ الأولمب

جالس وحواليَّ العرائس

وأنا في ذُروة الإلهام

بين المُلهماتْ

أحتسي خمرةَ باخوس النقيَّة

ويتوغل في الميثولوجيا:

ما لعشرينين باتت في سعير تتقلب

ترتدى ثوب عزوف

وهي في الخفية ترغب

وبصدرينا بروميثيوس في الصخرة مشدوداً يعذب

فبجسم ألف نار وبجسم ألف عقرب

وغداً تنفخُ في أشرِعتي أنفاسُ فُرْقة

وأنا أزدادُ نأياً مثْل يوليس وفي الأعماق حرقة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق