
الوزير فيصل محمد صالح الجس بعد «الضبح»!
شوقي بدري
الاخ / الابن فيصل رجل امين وصادق. حير الإعلامي العربي عندما قال أنه لن يفكر في الرجوع الى الوزارة لأنه ليس بصالح لتلك الوظيفة. هذا الكلام كان غريبا بالنسبة للعرب ومقدم البرنامج الذي قال. أنه من الغريب أن يقول من كان مسؤولا أنه لم يكن صالحا لوظيفته. لماذا قبل فيصل منذ البداية؟ لقد كتبت له موضوعا انتقد فيه ضعفه وانكساره وعدم مقدرته على تنظيف وزارة الإعلام من رجس الكيزان، ولا حياة لمن تنادي.
اذكر انني كتبت منذ بداية الانقاذ أن الانقاذ تحمل بذور الفناء في داخلها. الغرض من الانقلاب هو السلطة الجاه والمال. ليس في السودان من الاسلاب والغنائم ما يكفي الجميع. من اخذ يريد أن يواصل وان ينهب أكثر. من لم ينهب في انتظار دوره واخيرا سيتصادم ويتطاحن اللصوص. وهذا هو سبب سقوط الكيزان الاكبر.
قلت أن الكيزان سيتفوقون علينا دائما في ألفتك وتسبيب الاذى. السب هو أنه ليس عند بقية السودانيين القدر من اللؤم القسوة الخبث انعدام الاخلاق والبعد عن تعاليم الدين كما يتوفر للكيزان وربما مع الميلاد. حتى بعد اسقاطهم لن نستطع أن نعاملهم كما عاملونا. السبب هو اننا في النهاية بشر وهم ليسوا من البشر.
بدا فيصل مشواره كاشفا عن طيبته وتسامحه وانسانيته، وربما غفلته وتفريطه. هذه كانت غلطة حمدوك اول ما صرح به فيصل هو انحنا ما جينا عشان نقطع رزق زول . تصور. هذا اشارة بالضوء الاخضر وتعني يمكنكم أن تواصلوا عفنكم لؤمكم وتسميم عقول الناس بواسطة الإعلام. المطلوب كان قطع الرؤوس وتطهير الإعلام. المشكلة أن فيصل استمر كوزير للإعلام لمدة ليست بالقصيرة. كانت تلك الفترة شهر عسل جديد. الصحافة كما اقول دائما ليست السلطة الرابعة انها السلطة الاولى. لأن السلطة التشريعية والادارية والقضائية قد تسقطها الصحافة كما حدث مع نيكسون وغير نكسون. الصحافة قد تضعف لفترة ولكن لا تسقط ابدا. فيصل اليوم يمارس ،،الجس ،، بعد الضبح.
من الغريب أن فيصل قد نسى أن الكيزان شردوا 600 ألف عالم عارف متدرب اخصائي متخصص مهندس قاضي معلم الخ. وما فعلوه مع الصحفيين خاصة شئ لا يصدق. يكفي أن الخال محجوب عثمان محمد خير بعد السجون والعذاب وصل مصر ماشيا وعلى ظهور الجمال. مكث في الحدود المصرية لمدة شهرين رفضوا السماح له بدخول مصر، ثم ارجعوه ليمشي الى حلفا. ثم اعاد الكرة مرة اخرى على ظهور الجمال. لماذا نسى فيصل كل هذا؟
فيصل كان في الحكومة عندما كان السودانيون عالقين في مصر بسبب الكورونا حتى ميسوري الحال نفذت فلوسهم وتبهدلوا. المفروض كان أن السفارة والحكومة السودانية التي كان أحد الوزراء فيها فيصل محمد صالح أن تتحرك وهي حكومة الثورة وزارة المالية تحت تصرفها، بدلا عن تشاجر الوزراء وأعضاء مجلس السيادة خلف المرتبات البيوت السيارات والمخصصات.
كتبت موضوعا جديدا تحت عنوان فيصل محمد صالح اسمعني.
السودانيون في مصر مثل الايتام على مائدة اللئام. وقديما كانوا يعاملون كباشوات. لمن تقيف قدام المراية وتربط كرفتتك قبل الذهاب لتقديم تصريح، بيان، الجلوس في اجتماع يجب ان تعرف ان هنالك نساء سودانيات يفترشن الارض ويلتحفن السحاب على ارصفة القاهرة. السودانيون عالقون بعد ان حضروا لعلاج، زيارة أو لأسباب عدة. وما كان عندهم من مال قد انتهى. انهم ليسوا بمجرمين.
لقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم عندما وجد ابنة حاتم الطائي ومن يضرب به المثل في الكرم، بين الغنائم وعرفته بنفسها أكرموا عزيز قوم ذل. وأطلق سراحها. انت يا فيصل تعرف القاهرة خيرا من الجميع. اتذكر الظروف الصعبة التي مر بها السودانيون في القاهرة في التسعينات وكيف صار من كان وزيرا أو مديرا يتلقى بعد جهد، مرمطة وملئ الكثير من الاوراق والطلبات المقابلات مبلغ 285 جنيها مصريا شهريا من الامم المتحدة. وهم رجال كانوا يربطون ويحلون في السودان، ونساء ملئ السمع والبصر.
ان الظروف في القاهرة اليوم وبقية مصر اسوأ من ظروف التسعينات. الا ان الحل أسهل لأنها مشكلة واحدة لا تتكرر كل الوقت. قديما لم يكن الناس بقادرة على الرجوع الى السودان بسبب الكيزان مثل دكتور حمودة كما تذكره الذي عانى من عاهة بسبب التعذيب في سجون الكيزان. صار مسؤولا عن شئون ضحايا التعذيب. الاستاذ محجوب عثمان محمد خير انهار في الصحراء وكان يهش الصقور بعكازة كلما تجمعت حوله. ووجده راعي وساعده الى النيل ليحصل على شربة ماء. وانت تعرف أنه قبلها كان من كبار الصحفيين وفي فترة كان رئيس تحرير الايام الغراء وأحد اصحابها الثلاثة. كما كان مثلك اليوم وزيرا للإعلام. الدنيا يا فيصل دوارة.
اتذكر الزعيم التجاني الطيب بابكر المناضل الصلب رئيس تحرير الميدان. تخضب سرج الجمل بدمه وتقرح جسمه. وهو هارب من وطنه الى مصر. رفض الركوب مرة اخرى. اشاروا الى بعض العظام البشرية وقالوا له إذا بقيت هنا ستلحق بهذا. واخيرا تفتق ذهنهم عن حيلة حمله على جانب الجمل ملفوفا في بطانية ورحل على الجانب الآخر لحفظ التوازن. ولحسن الحظ كان الزعيم قليل الوزن جسمانيا، عظيما وجبلا في كل حياته.
لقد عاشوا تلك الظروف الكريهة في مصر وتغلبوا عليها. وها هي الانقاذ قد ذهبت الى الجحيم. كل ما نحتاجه يا فيصل الأن هو استعادة اهلنا العالقين من مصر. لقد صار السودانيون اولاد الناس ومنهم سيدات يا فيصل يتسولون الخبز في شوارع القاهرة. ان الحياة في القاهرة قاسية جدا يا فيصل وانت أدرى بها.
انا اذكر زواجك في القاهرة. كان معي رينيه فانبلوم وهو هولندي طوله 210 سنتمتر وجسمه قوي واعتبره ابني لأنني اعرف اسرته ووالدته كانت توصيني به خيرا. لأنه كان متفلتا عندما كان في العشرينات. انزلق وسقط في الحمام واصطدم رأسه بالحائط ورضوض في جسمه، في صباح يوم زواجك. وكان يعاني من صداع فظيع لم أستطع اقناعه بالحضور في المساء الا بعد جهد. عندما حضر الى الحفل وشاهد مئات السودانيين في الكازينو واختلط بهم وأحدهم ابن اخي حسين عبد الفراج وابن اخ حسن عبد الفراج المشهور بشحرر وهو أحد اسا تذتي في الدنيا من الموردة والاديب ألفيلسوف يحيى فضل الله والكثيرون. اختفى رينه وسط الجميع وكنت اسمع قهقهته بعيدا على شاطئ النيل وهو في انسجام تام مع الجميع. كنت اجلس مع الاستاذ الاديب احمد عبد المكرم طيب الله ثراه الأستاذ محمد الحسن سكرتير جريدة الخرطوم والأستاذة رجاء العباسي وآخرين. وفي نهاية الحفل الذي امتد لبعد منتصف الليل. قال لي الهولندي رينيه…. لقد قابلت الكثير من السودانيين معك في دول عديدة. هل يوجد سودانيون سيئون؟ لقد احسست في الصباح انني بائس وكرهت الدنيا، بعد مقابلة كل هؤلاء الناس الرائعين بدون سابق معرفة حولوا تعاستي الى بهجة. لماذا لا تحولون تعاسة اهلكم في القاهرة وفي كل العالم الى بهجة يا فيصل؟
ان السودانيين في القاهرة قد عملوا الكثير لمساعدة العالقين. انها مسؤولية الحكومة يا فيصل. وما هي مهمة الدولة إذا لم تساعد في هذه الظروف. دعني اعطيك لمحة من التاريخ: بعد معركة توشكي اسر آلاف السودانيين ومنهم الاطفال النساء والشيوخ. عاملهم وود هوس باشا الذي كان محافظ المنطقة وقائد الجيش بكرم واحترام.
من تلك الفترة نحفظ اسماء اربعة من السودانيين الذين سارت بذكرهم الركبان، وهم اربعة من الكبار. ولكن كل السودانيين في مصر ساعدوا اهلهم. اولهم الزبير باشا رحمة. احتضن الاسرى التي وصلت الى القاهرة. في الرمادي جنوب مصر كان عبد الله بيه حمزة الذي لفترة احتضن اسرة بدري الكبيرة وبينهم النساء والاطفال ومنهم من مات في الحرب أو بالجوع والعطش. وتلك الفترة فتحت عيني بابكر بدري واسرته لأنه تعلم مهنة السمكري والجلاد وساعده نساء الاسرة بالعمل من مسكنهم عمل الشيطان والاشغال الجلدية وصنع القفاف وهذا ما فتح اعينهم.
عبد الله بيه حمزة كما اورد بابكر بدري لم يكن يطلب من الاسرى العمل. وكان يخصص لكل اسير وان كان عمره يوما وأحدا ثلاثة ارباع في الشهر. من الاسماء التي رسخت في عقلي كذلك ثروة ثم المنقوشي. هؤلاء عرفهم السودان قديما ويتمتع احفادهم الى اليوم بالاحترام، ويذكرهم من يهتم بالتاريخ السوداني.
يقول بابكر بدري:
سمعت بأن كرار بشير العبادي صرح له بالسفر للسودان وهو بدراو مشيت لأودعه. دراو هي بلدة الجعافرة الذين اشتهروا بالكرم والشجاعة وقد أكرموا السودانيين وكان عمدتهم اب حاج اسطورة في الكرم وابنه حسن كما ذكر بابكر بدري، شوقي. اتفقنا ان نكتب طلبا لود هاوس باشا نطلب منه تسريح السفر لأهلنا فكتبنا له طلبا لم ندر ماذا حدث فيه فلما تأخر كتبنا سبعة طلبات وضعنا اثنين في صندوق مكتبه الخاص واثنين في مكتب البوستة العامة واثنين ناولناها باليد وأخر وهو يركب حصانه في الشارع ففي الغد طلبنا في المحافظة فقابلناه جميعا. فقال بلسان فصيح لماذا تريدون السفر الى السودان؟ فقال خالد السعيدنابي وكان رجلا طويلا وجسيما يا سعادة الباشا نحن جائعون فقال له انت سمين ما تخدم وتأكل؟ نعم انا سمين لكن اليوم بقرشين والاولاد كثيرون. اما تصرح لنا أو تربط لنا مرتبات أو تضربونا رصاص. فغضب الباشا وقال لخالد انت بليد إذا كنا نضربك رصاص كان حينما اسرناك ضعيفا انت خروف نسمنك لذبحك.
ولما جاء الميعاد جمعنا الباشا لأنه قد صدق بتشهيلنا للسودان
. وأنه سيصرف لكل نفر منا كيلة قمح وعشرين قرشا ويعطينا المراكب ولكن يجب ان تحضروا نساءكم واولادكم لكي اتحقق من عددكم. فقال بشير بك الجبران اهالي السودان لا يرضون ان ينظر أحد نساءهم. قال الباشا انا عارف ذلك انا أ جئ بامرأتي معي وهم ينظرون لامرأتي وانا انظر وحدي الى نساءهم.
كتبت لعمي الزبير باشا أخبره فيه بأن طلبنا بالسفر للسودان سرح لنا. وفناء قبائل السودان بسب مجاعة سنة ستة وسبعة وما اعقبهما من وباء الجدري فلو سرحت لمن بطرفك وشهلتهم الى السودان يكون جيدا.
نهاية اقتباس
يا فيصل هذا الكلام له أكثر من 130 سنة. والاسرى كانوا بقايا جيش غازي كان يطن أن المصريين سيتحالفون معهم ضد الإنجليز الا أم المصريين حاربوهم اعتدوا عليهم واستعبدوهم. وود هاوس أنصفهم وحماهم من المصريين قتل، وود هاوس المسيحي يعيدهم الى بلدهم بأمان. ساعدهم في الرجوع الى بلدهم. وقبل بشروطهم في عدم عرض نساءهم للغرباء. قابلهم لوحده مع زوجته بعيدا عن اعين الناس. اعطاهم المراكب الغلال والمال. المحافظ الكوز وضع ريس البنطون وابنه في السجن لأنهما ادخلا مسافرين مع سعادة المحافظ. وأنتم لا تستطيعون المحافظة على شرفكم ويتشرد اطفالكم ونساءكم في مصر.