
بشرى بن فاطمة
جان ايسمان فنان تشكيلي وبصري دانماركي ولد سنة 1960 قضى طفولته في إنجلترا عاد في سن السابعة إلى كوبنهاجن، استقر ودرس وتخصّص في الفنون الجميلة حاملا الفكر المعاصر والتطويري المتشبّع بالفن الكلاسيكي المُندمج مع روح التمازج الجمالي من خلال خلق نقاط التوافق بين المرحلتين حمل رؤاه ومفاهيمه نحو الفنون المعاصرة خاصة وأنه يصنّف نفسه فنان تجريدي معاصر قادر على تطويع الحداثة وما بعدها ضمن استحداثاته التعبيرية فكان بذلك الأسلوب قادرا على تحدي أسلوبه التشخيصي الذي يضعه فيه النقاد ويصنفونه حسبه فهو يعتمد أسلوبا مبالغا في الواقعية المفرطة والتجريد معتمدا في التشخيص على التمثيلية التي يتجاوز بها الشكل ويتعمّق فيها في المخزون الحسي والذهني والنفسي، وبالتالي كوّن مفاهيمه الجديدة لتحاور التجريد بالسريالية والتعبيرية، وبين كل هذا شقّ طريقه بآلياته الجديدة وتقنياته المعاصرة التي خدمت أسلوبه وخامته ومفاهيمه.
يقول إيسمان عن التجريب المعاصر ودرجاته التعبيرية المتمازجة معا «إن الحداثة وما بعدها أسلوب يُعتبر تطوّرا منطقيا لمعايشات الانسان ومواكبته لكل جديد في عصره وتوظيفه في الفكرة البصرية والفنية بما يتلاءم مع مواقفه البصرية التي لا أراها في تجربتي مجرّد سرد بصري ولكن دمج مجموعة كاملة من العناصر التشكيلية في كائن واحد وتفكيك رؤاه بالمزج الأسلوبي بين الفنون الكلاسيكية، التي لها أيضا درجات من الاهتمام التي تستدعي تطويرها والاقتباس من قيمها للتطوير والتطوّر دون خلق هوّة في الفكرة والصورة ودون تشويه منطق البحث الجمالي.»
فالتصورات المعاصرة التي يخوض في تجريبها إيسمان تحمل لغة حوار لكل تيار فني حيث تتداخل الفكرة والرؤية المبتكرة نحو منافذ لمفاهيم جديدة أكثر عمقا وتعبيرا وتصوّرات أكثر انعتاقا.
فقد اختار ايسمان طريقه بأسلوبه الذي مهّد له السبل لخلق تماس بين شغفه بالفنون الكلاسيكية ورغبته في محاورة عصره برمزياته التي تعبّر عنه وأفكاره التي تحاكي وجوده المرتكز في واقع والقائم على التجريد والتعبيرية والتشخيص والاندماج مع الخامات المعاصرة والفنون الرقمية.
يقدّم إيسمان الفن التشخيصي المعاصر بمفاهيم غاص بها في التصوّرات النفسية حمّلها قيما جمالية تجاوز بها المقصد الكلاسيكي للتشخيص.
فقد اختار أن يتوسّع في القيمة التعبيرية لها من خلال خلق تماس انساني ابتكره برمزية الحضور والأداء والاندماج الداخلي مع شخوصه ونفسياته التي خاضت في التفاعل الحسي المتكامل بينها وبين الأمكنة، فالتشخيص يعبّر عن الواقع كما هو، هدفه توثيقي تسجيلي.
لم يبتعد إيسمان عن التفاعلات التوضيحية في التصوير العام وقدّمها داخل المنجز ليستنطق بها الواقع وينتقد معها الحالة الاجتماعية والنفسية بما يحرّكها في الفضاء ويخترق جمودها وتابوهاتها التي تتجادل في صراعها بين المادة والروح وبين الجسد والتفاعل التعبيري من خلاله.
فالصيغ التفاعلية لها اهتمام بالتكوين البنائي وبالرمز الوجودي وفلسفة البقاء والصراع من أجل ذلك البقاء: صراع المادة والوجود وصراع المنشود والفناء والموت.
فبين الحركة والثبات بين الاستقرار والانطلاق يكتمل المشهد وكأنه ركض موضّب بشكل مسرحي تراجيدي أحادي التماثل جماعي الأداء بين كل تفاصيل المشهد فلكل عنصر اختاره ايسمان في المشهد حركة ودلالة ومقصد وعلامة تكامل مع الصيغ اللونية والهندسة البصرية للمساحات ومدى تعمقها في الفراغ بما يسمح لها بالاتساع مرة والانغلاق مرات على امتداد الفكرة وتكاملها في خلق التوازن بين الحسي والذهني والبصري.
كل حركة عبّر فيها إيسمان داخل كل مشهد مقصودة لأنه يسعى من خلالها إلى احتواء المعاناة التي تبدو على الشخوص وتختفي في دواخلهم ليفجّرها بصرخات ملونة يقتنص منها المشاعر ويعبّر عنها في تجليات مُرتبة في تعابيرها البصرية بتراكم يكثّف اللون والشكل والضوء الذي يسيّره حسب الظلال بالتدريج ليكتسب معه وبه الحركة التي تخلق كثافة التوليف بين الثنائيات: الحسي الواقعي والبصري النفسي والفلسفي الفني.
يستدرج إيسمان العديد من الرمزيات الفكرية بصريا من خلال الشخوص مثل توظيفه للمرأة باعتبارها أساس الحياة ورحم الوجود والكينونة الثابتة على التواصل والاستمرارية التي تكتمل بها الدورة الطبيعية.
إن العلامات البصرية المعاصرة التي اختارها ايسمان تبدو في مدى توظيفها متكاملة مع التقنية والخامة اللون والإضاءة.
ففي منجز إيسمان تتمادى الفتوغرافيا مع الواقع في معالجتها المواقف الحسية تقنيا من خلال اللون والقيم الضوئية والرؤى التشكيلية التي يدعمها باختيار المفهوم حسب فلسفته الواضحة في التعبير الوجودي بما يبدو في تساؤلات البقاء والفناء والصراعات بين الانسجام والنفور في علاقات الأفراد التي تبدو هادئة لكنها في عمق امدادها في الفراغ والمساحة تثير توترا وتشنجات تتراكم وفقها حالات الأفراد وعلاقتها.
*الأعمال المرفقة:
متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum Collections