ثقافة وفن

عبد المعطي أبو زيد سرد هوية فلسطين بصريا وانتصر للوطن والإنسانية

بشرى بن فاطمة

لا شيء يمكن له أن يوقف الموت ومواعيده التي لا تقبل التأجيل، ولكن يمكن للإنسانية أن توقف تأثير الموت بالفعل الخالد والأثر الباقي فيها والعطاء اللامحدود الذي يسرد تفاصيله في الأرض وفكرة الوطن بعيدا عن جمود الأحداث ومرارة الواقع.

فرغم الفراق يستمر الوجود في تفاصيل الوطن الباقي في اللون والزخرف والعمارة والخط والحركة وانعكاس الجمال المنبعث من تواتر الذاكرة التي تستنطق الفراغ، وهي تسري في انبعاث الحضور رغم الغياب وتلك هي الفلسفة البصرية التي استطاع التشكيلي الفلسطيني الراحل عبد المعطي أبو زيد أن يحفرها في ذهن كل من عرفه ورافقه ونهل من بحر عطائه رغم رحيله.

رحل عبد المعطي أبو زيد من أسبوع وترجل عن صهوة الفن والتشكيل، الا أنه باق في ذاكرة كل من عرفوه وعايشوا طبيعته الثائرة والمتمرّدة في سماء الفنون فكان مستمرا بعطائه الذي غرسه في الذهن والسلوك والتواصل والابداع.

هو أحد أبرز رواد الفن التشكيلي الفلسطيني المعاصر حمل فلسطين الوطن في كل وجدانه وحضوره وأفكاره ورموزه هوية محفورة في كل أعماله استطاع أن يعبّر  فيها عن انتمائه لحيفا مستعرضا كل ما فيها من تكامل طبيعي بقي راسخا في ذكرياته الطفولية التي حملت الواقع الحالم والصادم في تناقضات وافقت بين الاستقرار والاحتلال بين الانتماء والتهجير فتكامل حلمه الباحث عن وطن مع دمشق المدينة الكيان والحضور التي استمر فيها وعايش معها تفاصيل الجمال عشق فيها تفاصيل المدن ونقل شوقه لمدينته حيفا المدينة البعيدة والمؤثّرة ناقلا بها فلسطينيته الباقية.

أبو زيد رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين فرع سورية كان من أوائل مؤسسي الاتحاد سنة 1979 الاتحاد الراعي للفن والفنان التشكيلي الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة وفي كل دول العالم مع تركيز دوره الثقافي للتعريف بالفنون الفلسطينية وقضية فلسطين من خلال الفنون التشكيلية حيث كان للاتحاد بفروعه دور بارز في حماية الموروث الفني والفنون البصرية والتشكيلية الفلسطينية مع التواصل مع الفنانين والحفاظ على العلاقات الفنية بينهم والتعريف بالتشكيلي الفلسطيني في العالم.

حاز أبو زيد على عدة جوائز تقديرا لجهوده ومسيرته وتعامله الإنساني مع قضايا الوطن خاصة وهو يقدّم أساليبه الفنية من خلال التجريب الذي جعله يتنقل بين كل أسلوب بحرفية وحضور من الواقعية إلى فن الملصق والتراث والطباعة، لامس روح الإنسانية في أعماله فكان نصير الانسان الباحث عن السلام. رغم وضعه الصحي المتعب لم يعرف الهدوء ولا التراجع تمسّك بفنّه لآخر رمق كان له حضور مع مشروع “مدن الخيم” مع متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية، هذا المشروع الذي يرمي إلى استعراض فكرة المدينة الخيمة انطلاقا من فكرة الخيمة ومدى ترابطها مع فكرة الوطن وتناقضات الفكرة التي جعلتها لصيقة التشتت والحروب، فقد آثر أن يكون له موقف فني في المشروع وحمل على عاتقه الروح الإنسانية التي دفعته ليُنجز ويكمل تفاصيل خيمته مستعرضا الوطن فيها بكل معانيه التي اتحدت في أمكنة كان يتوق إليها في فلسطين ورآها في دمشق سافر عبرها في كل مدينة حطّ فيها ترحاله وحملت معه وطنه فانطلق بها أعمق في تفاصيله الوارفة بالأمل وبريق الحياة التي ترنو نحو الأفضل والحياة الأكثر أمانا.

*الأعمال المرفقة:

متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية

Farhat Art Museum Collections

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق