ثقافة وفنقصة قصيرة

في القبر السر المكنون (2)

قصة واقعية


د. إسماعيل محمد النجار

** زيارة أكــرم لليمن:

ظل هاجس أكرم تجاه والده ووالدته وأخيه كريم يتبادر إلى ذهنه، ويتذكر لحظة فراقه مع أخيه، وبكاؤهما مع بعض، وترديد كريم أن السائق قتل والديهما، وبمناسبة عيد الفطر، ألتقت أسرة بيت التركي، وجلس أكرم مع سفيان يتحدثان عن الماضي، وأعاد أكرم تذكير سفيان بموضوع تبنيه، ودور أمه زبيبة – الله يرحمها – بتربيته وتعليمه، واستفسر عن حديث أمه زبيبة عن القبر، ليشرح له سفيان الواقعة بالتفصيل، وذهابهم للقبر، واكتشاف جثتين، لم يمض على قتلهما إلا ساعات، وسأله عباس: هل ما زلت تذكر مكان دفن وقبر والدتي؟ وتردد سفيان في بداية الأمر، وبعد الحاح عباس وترجيه، إجابه سفيان معرفته للمكان، ولا يعرف لطيلة الفترة، هل ما زالا بنفس المكان، أم جرى على القبر تغييرات بفعل الزمان، وسأله عن مصير أكرم، ليجيب بعدم بحثهم عنه، ومعرفة مصيره، على الرغم من رؤيتهم لآثار أقدامه على الرمل، واحتمال اتجاهه للساحل واختفائه، لتتساقط دموع أكرم، وطلب من أبيه سفيان أن يسافرا لليمن لمكان قبر والديه عندما تحين الفرصة، ليتفقا على السفر بعد أسبوعين، وأن يقوما بترتيب وقت الزيارة برفقة مسلحين من الأسرة للحماية، واتصل سفيان بابن عمه مقبل، يعمل ضابطاً بالقوات الخاصة، وأخبره بموضوع الزيارة، وطلب رسم خطة للحماية، وتدريب الشباب على استخدام السلاح، وتبدأ الخطة باستقبالهما.
سافرا سفيان وكريم، وبرفقتهما أفراد من عائلة التركي لحمايتهم، والتقوا في الحديدة مع مقبل، وجلسوا مع بعض، وشرح لهم مقبل الخطة، وطالبهم الالتزام بالتعليمات، وفي اليوم التالي أخذهم إلى منطقة ساحلية لتدريبهم، وعمل حفراً للحماية والحصانة، ووضع السيارات للتغطية عليهم، وفي الساعة الخامسة فجراً من اليوم الثالث، أخذهم مع بعض أفراده بثلاث سيارات، وعندما وصلوا للمكان، أخذ سفيان نصف ساعة لتذكر ومعرفة القبر، حتى وجد مكاناً مرتفعاً من الرمل، لتراكم الرمال عليه، ليؤشر لعباس ومقبل، وبدؤوا بحفر الحفر، والتحصن فيها، واتجه سفيان وأكرم ومقبل للحفر مكان القبر، ووجدوا هيكلين عظيمين، وبجوارهما حجر حفر عليها: (سأنال منكم وعصابتكم، وإن طال الزمن). وعادوا للسيارات وهم محتارون في العبارة لتي كتبت، ليتهموا القاتل وعصابته، وأقنعهم سفيان ومقبل لماذا لا يكون كريم من وضع الحجر المكتوب عليها العبارة، ولا يستبعد مراقبته للمكان، ليوافق الجميع على هذه الفرضية.
وعادوا للفندق، وتناقشوا بالموضوع، على أن يضعوا رسالة على حجرة مكتوب عليها: (أكرم حي يرزق). وأخذوها، وتوجهوا اليوم التالي الساعة الثانية عشر ظهراً، وأعادوا حفر القبر، ووضعوا الحجرة فوق السابقة، وما أن أوشكوا على المغادرة، حتى أطلق في الهواء الرصاص من رشاش، ليردوا بإطلاق نار مكثف في الهواء، وغادروا على وجه السرعة بعد انقطاع إطلاق النار للفندق.
وفي اليوم الرابع، غادر أكرم الحديدة مع سفيان وأولاد إخوته، وفي داخل أكرم الشك أن أخيه ما زال حياً، ولا يستبعد إطلاقه للنار، وأنه توقف عن الإطلاق لوجود كثافة بإطلاق النار، وتيقنوا أن كريم سيفتح القبر.
ترك سفيان وأكرم مهمة زيارة القبر وحمايته، ومعرفة ما إذا فتح القبر، وما هو الرد على ما كتب في حجر أكرم لمقبل، وبعد تكرار مقبل وأفراده على القبر وفتحه، لعلهم يجدوا إجابة على رسالة أكرم، أنه على قيد الحياة، وتعاملوا مع تكرار الزيارات، وفتح القبر بحذر شديد.

** مصير كـــــريم:

قبل أن يتحرك كريم باتجاه أسرة تركي، تحرك كريم للساحل القريب لشرب الماء، وعند وصوله للجزء المائي الضحل، دخلت رجليه بين الرمال، ولم يستطع إخراجهما، وظل يصرخ منادياً: أخي أكرم. واستمر على وضعه حتى اليوم التالي فجراً، ولمحه أحد الصيادين، واسمه حمود، وتحرك باتجاهه وهو مرعوب، وعند وصوله أخرج رجليه من الرمال، وأعطاه الماء وقليلاً من طعامه، وحمله إلى القارب، لينام نوماً عميقاً، واتجه مع ابنه سعيد في القارب، ليضعا كريماً في منزلهما المبنى من القش والأعشاب، وأخبر حمود زوجته قصة الولد، وأكد لزوجته الاهتمام به، وعند عودتهم من الصيد وصحا كريم، استنتجت عائلة حمود أن كريماً من عائلة ميسورة، وقرروا أن يظل معهم حتى يأتي أهله لأخذه.
وتمر الأيام والسنين، ولم يبحث عنه أحد، ليعيش كأحد أولاد الصياد حمود الخمسة، (ثلاثة أولاد وبنتان)، أصغرهم بنت اسمها بهية، وعمرها سنة، وأكبرهم ابنه سعيد، وعمره اثنا عشرة سنة، يرافقه في رحلته اليومية للبحر للصيد.
تعلم أولاد حمود القراءة والكتابة، وقراءة القرآن في القرى المجاورة لقريته، وتعلم كريم القراءة والكتابة، وحفظ القرآن، وتميز عن أقرانه بذكائه الحاد، ليساعدهم في تعلم القرآن وحفظه، وعند بلوغه التاسعة من العمر، التحق مع أولاد الصياد للصيد في البحر، بعد أن تعلم وأجاد المهنة، واستمرت علاقته قوية مع الفقيه الذي علمه القراءة والكتابة، وأمده بالكثير من الكتيبات الدينية، ليقرأها ويحفظها ظهراً عن قلب، وتكونت لديه ثقافة دينية عميقة.
لم ينس كريم قتل والديه، والمصير المجهول لأخيه أكرم، ليتردد على القبر في البداية مع سعيد حمود عن بعد، وفيما بعد استمر بالزيارة والاقتراب من القبر، وإبعاد الكثبان الرملية، ليطمئن على بقاء الجثتين، وعدم حدوث تغيير أو تبديل فيه، واستمر يبحث عن أخيه أكرم بكل الطرق، وحرص ألاّ يعرف أحد بسره، بما فيها أسرة حمود الصياد، واستمر على اسمه كريم، دون تبديل أو تغيير، واكتسب خبرة غير عادية في الصيد، ليبحر في أعماق البحر بقاربه البدائي، الذي بناه بمساعدة والده حمود وأولاده وبعض الصيادين، وحصل على الرزق الوفير من صيد الأسماك، ليبيعها في أقرب مركز لبيع وشراء الأسماك، ويعطي نصف المردود لوالده حمود، لتساعد في تحسين وضعه وأسرته معيشياً، ويدخر الجزء الآخر، ويشتري الأخشاب، ويصنع قوارب جديدة، ويبيعها ويكسب من ورائها أرباحاً إضافي.
وساعد كريم في بناء ملحق سكني إضافي لأسرة حمود للتوسع، وبنى له غرفة جديدة بجوار منزل حمود، وأصبحت أسرة حمود أكثر يسراً من غيرها في المنطقة، مالياً ومعيشياً وسكنياً، ولم يبخل كريم عن إعطاء المحتاجين من الصيادين وأصحاب المنطقة، وربط مع الكثير من الناس علاقات قوية، ووصلت سمعته لمدينة الحديدة في صناعة القوارب، وترميم الأخرى، وانتقل إلى الحديدة ليفتح مركز لصناعة وترميم القوارب.
غدا يتبــــع للحلقة (3)…
┄┉❈❖❀✺❀❖❈┉┄

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق