خبراء المناخ

الانتقال الطاقي بالقارة الإفريقية..

طموح يُعرقله ضعف البنيات التحتية وصراع الرُؤى.

عبدالعالي الطاهري.

في ظل حالة التسارع الطاقي التي بات يعيش على إيقاعها العالم، يأتي الحديث حول انتقال الطاقة في إفريقيا متأخرًا بعض الشيء عن الخطوات الحثيثة التي تخطوها دول عدّة، رغم ما تتمتع به القارة السمراء من موارد متجددة ضخمة وغنية تضيف إلى استثماراتها المزيد من الجاذبية.
وبينما أبحرت دول أمريكية وأوروبية وحتى آسيوية باتجاه تلبية الأهداف المناخية العالمية، ما زالت القارة السمراء في طور الإجابة عن تساؤل بسيط (الوقود الأحفوري أم الطاقة المتجددة؟).
ويأتي هذا الجدل في الوقت الذي تتمسك فيه دول كبرى بالمضي قدمًا في مشروعات الطاقة الشمسية والرياح والهيدروجين، بينما تلجأ إلى دول القارة السمراء لتأمين إمداداتها من الغاز الطبيعي خوفًا من الوقوع تحت وقع أزمة الطاقة.
وبخلاف الموقف المتناقض للدول الكبرى تجاه دعم انتقال الطاقة في إفريقيا، يجب تركيزالأنظار على واقع دول القارة وموقف صانعي السياسات وحجم التوافق بين الدول على هذه السياسات، وكذلك تحديات الاستفادة من مواردها، التي تناولها بحث صادر عن معهد الموارد العالمية نُشرت تفاصيله على موقع ذي كونفرسيشن (The conversation).

الواقع الطاقي للقارة السمراء
حتى اليوم يتأكد وقوع خطط انتقال الطاقة في إفريقيا بمأزق، لا سيما أن القارة تضم أكبر معدلات عجز الوصول للكهرباء، رغم أن مستوى الطلب يأخذ منحنى تصاعديًا.
لم يكن الجدل المثار حول إمكان الوفاء بمراحل انتقال الطاقة في إفريقيا الأول من نوعه، إذ سبقه حرب طاحنة بين الطاقة النظيفة والوقود الأحفوري على مستوى أمريكا الشمالية وأوروبا، اللتين اقتحمتا عالم السيارات الكهربائية وطوّرتاه.
وبالتزامن مع ذلك، ما زالت دول بالقارة العجوز (أوروبا) تواجه نقص إمدادات الوقود، إمّا لأسباب تتعلق بتراجع الاستثمارات، أو سرقة النفط الخام، أو زيادة الطلب.
ويشكّل قطاع الطاقة مصدر قلق مُزمن لدى صانعي السياسات الأفارقة الذين وقعوا بين مطرقة الأهداف المناخية وسندان زيادة الطلب الذي يتطلب نمو أنظمة وقطاعات الطاقة.
ويتعين على الحكومات الأفريقية الموازنة بين تلبية الطلب على الطاقة سواء ،بين تحقيق ذلك عبر وسائل موثوقة وبتكلفة ملائمة.

إكراهات تحقيق الانتقال الطاقي
حتى تتمكن خطط انتقال الطاقة في إفريقيا من إيجاد صدى لها على أرض الواقع، تحتاج إلى تمويل ضخم، والذي بدوره لن يرى النور إلّا بعد تخطّي القارة السمراء لتحديات ومعضلات تثير الجدل حول تحولها (انتقالها الطاقي).
وفيما يلي نستعرض جانبًا من التحديات التي تواجه مسار انتقال الطاقة في إفريقيا، حتى يتمكن صانعو السياسات في القارة السمراء من تحديد الرؤية الكاملة لكيفية الانتقال والإجابة على التساؤلات الكبرى في هذا السياق :

مصير الوقود الأحفوري
من أجل معالجة شمولية ودقيقة لملف صناعة الوقود الأحفوري في إفريقيا والحسم فيه، يجب التأكيد أولًا وأساسًا على أنه لا يُصنَّف كصناعة محلية خالصة، ولكن نحن أمام صناعة بصيغة دولية كونها تعتمد بالأساس على استثمارات أجنبية بشكل كبير.
فمن ناحية أولى تملك القارة السمراء موارد أحفورية هائلة، لكنها مرتبطة بمواصلة التنقيب عن النفط والغاز والاستكشاف، بما يسمح للحكومات بإنعاش عائداتها والإسهام في تلبية الطلب العالمي في آن واحد.
ومن جهة أخرى، كيف تواصل القارة جذب المستثمرين لتعزيز الوقود الأحفوري، بينما تشهد هذه الاستثمارات عزوفًا على الصعيد العالمي، في إطار الالتزام بأهداف اتفاقية باريس للمناخ واتجاه مستثمرين إلى تبنّي خفض الانبعاثات الكربونية.
إلى ذلك، عززت حالة الارتباك وعدم حسم موقع صناعة الوقود الأحفوري ضمن خطط انتقال الطاقة في إفريقيا من عدم اليقين لدى المستثمرين، بينما قد تضطر بلدان إفريقية -تعاني فقر الطاقة من الأساس- إلى مواجهة تعليق استثمارات في البنية التحتية للنفط والغاز.
وفي المقابل، قد تتجاهل الحكومات المتمسكة بصناعة الوقود الأحفوري بدائله النظيفة للتركيز على التنقيب عن النفط والغاز.

تكلفة الطاقة المتجددة
لم يكن تحدي الوقود الأحفوري الوحيد من نوعه الذي يهدد طموح انتقال الطاقة في أفريقيا، إذ تعدّ تكلفة الطاقة المتجددة عاملًا مهمًا قد يؤثّر في استمرار إنتاجها.
وسبق أن لقّبت وكالة الطاقة الدولية الطاقة الشمسية بأنها “أرخص مصادر توليد الكهرباء”، كما تكتسب طاقة الرياح أيضًا القدرة على على إنتاج كهرباء نظيفة منخفضة التكلفة، مقارنة بالكهرباء المنتجة من قبل مصادر الوقود الأحفوري.
ويجب تسليط الضوء بكثافة أكبر على استمرار التكلفة المنخفضة للطاقة المتجددة في أفريقيا تحديدًا، خاصة مع إضافة المستثمرين تكلفة إضافية على استثمارات القارة السمراء نتيجة المخاطر وحالة عدم اليقين.
وتثار مخاوف من تحميل المستهلكين والعملاء فارق التكلفة المضافة إلى استثمارات مشروعات الطاقة المتجددة، ما يرفع تكلفتها لتتجاوز تكلفة كهرباء الوقود الأحفوري.
وتختلف شبكات الكهرباء في إفريقيا عن نظيرتها في دول تمكنت من تحقيق معدل وصول بنسبة مائة بالمائة، اعتمادا على مصارد الطاقات المتجددة، من قبيل الطاقة الشمسية والطاقة الريحية، مثل الدنمارك وألمانيا والأوروغواي…
ويتّسم أداء عدد من شبكات كهرباء القارة السمراء بالضعف، وتحتاج إلى التطوير حتى تتسع لإضافات الكهرباء المتجددة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
ويعدّ استقرار الشبكة أبرز مقومات زيادة التركيز على استثمارات الطاقة المتجددة بمستوى يعزز خطط انتقال الطاقة في إفريقيا، وقد يؤدي الضغط على هذه الشبكات بإضافة قدرات متجددة جديدة إلى تعطّلها، ويمكن القول حينها إن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح دفعتا نحو تفاقم سوء قطاع الكهرباء في القارة بدلًا من تحسينه.

ميزان العرض والطلب
هناك دائرة مفرغة قد تدخل القارة الإفريقية في ظل حالة عدم الثقة حول معدلات الوصول إلى الكهرباء بأسعار تلائم المستهلكين، فأيّ استثمار في محطات الكهرباء الجديدة يتطلب قاعدة عملاء موثوقة حتى يحقق الأرباح المأمولة منه.
ومن زاوية مقابلة، يترقب العملاء والمستهلكون تمتعُّهم بخدمات موثوقة قبل بناء مساحة ثقة في قدرة الشبكات على تلبية الطلب، ما يعطّل خطط انتقال الطاقة في إفريقيا.
وتملك مرافق الكهرباء الإفريقية قاعدة عملاء محدودة ذات معدل طلب مرتفع، وفي ظل “محدودية” الإمدادات تجد المرافق نفسها مضطرة إلى تقديم الخدمة إلى شريحة منخفضي الاستهلاك من العملاء.

خطط الكهربة..المسار المُتعطل
يعدّ تقدُّم خطط انتقال الطاقة في إفريقيا بعيد المنال نسبيًا حتى الآن، إذ ما زالت غالبية منازل العديد من دول القارة -خاصة في دول إفريقيا جنوب الصحراء- تعتمد على الكتلة الحيوية التقليدية مصدرًا لتلبية احتياجاتها من الوقود.
ولم تخطُ دول القارة في اتجاه “الكهربة” بالقدر المناسب، فعلى سبيل المثال، يعتمد قطاع النقل على السيارات المستعملة المستوردة من الخارج، إذ إن تصنيع السيارات الكهربائية والاستغناء عن سيارات محرك الاحتراق الداخلي أو الوقود التقليدي ما يزال في مهده.
ويتنافى ذلك مع الأساس الراسخ لخطط انتقال الطاقة في إفريقيا والعالم بأسره، والتي تقوم في المقام الأول على التخلص من الكربون في القطاعات الرئيسة، كالمباني والنقل والصناعات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق