سياسة

عفوا الدكتور علي فخرو..!

تعقيبا على محاضرته في البحرين حول المشهد السوداني..

أحمد عبدالله شرف الدين
بداية هي فرصة للتعبير عن محبتنا للشعب البحريني الشقيق الذي طالما يدهشنا بطيبته ورُقيه وتميزه عن باقي سكان المنطقة، إن علاقتنا بالبحرينيين قديمة وقد تزامل والدينا مع لأبنائهم بالجامعات الأوربية والغربية، وفي حقبة سنوات الستينات والسبعينات، يعتبر البحرينيون من أكثر شعوب الخليج انفتاحا وثقافة ومعرفة ربما شكّل هذه الميزة الموقع الاستراتيجي للبحرين التي تربط بين القارات والحضارات القديمة الضاربة في الأزل، والميزة الثانية هي التي تكمن في حكام آل خليفة الكرام الذين تقدموا بهذه البلاد الطيب أهلها إلى قمة التطور في عديد المجالات.
بما أن أهل البحرين علاقات وثيقة بكل البلاد العربية والإسلامية بروابط المحبة والتعاون والحرص على تقوية هذه العلاقات نجد أن الحس العروبي لديهم عاليا جدا، ولهم في ذلك مدارس شتى، ومن أكثر الذين لعبوا دورا مهما في ايقاد هذا الشعور الانساني النبيل هو الدكتور والمفكر علي فخرو الذي عبّر عن حبه لبلادنا السودان بمحاضرة أقيمت الأسبوع الماضي في البحرين بعنوان (دروس طنية وقومية في المشهد السوداني)، وشهدها حضور كبير كما أكدت بذلك صحيفة (الأيام) البحرينية (العدد 12464 الأربعاء 24 مايو 2023)، إن الكثير من السودانيين يرون أن بعض المثقفين والمحللين العرب يتناولون الشأن السوداني بعدم معرفة خلفيات الأحداث، ومن هنا أقول للدكتور علي فخرو عفوا مع كل الاحترام ، حسب ما قرأته عن جملة ما تكرم به في الشأن السوداني هي معلومات متوفرة بكثرة في شبكة المعلومات، خاصة حول الأراضي الزراعية وصلاحيتها ووفرتها، وما يمتاز به السودان من امكانيات هائلة تجعله على الصدارة في تصدير المنتجات الزراعية والمعدنية بما فيها (اليورانيوم) والذهب بالتالي الريادة الاقتصادية في المنطقة.
إن ما تطرق إليه د. فخرو حول الاستهداف الأمريكي للسودان. فهي حالة عامة وقديمة، ليست وليدة اليوم وليس السودان استثناءا كل بلادنا العربية مستهدفة، كما تم استهداف البحرين في سنة 2011م من قبل إدارة الرئيس الامريكي الأسبق باراك أوباما. وكشفت ذلك وزيرة خارجيته العجوز الشمطاء هيلاري كلينتون.
الدكتور فخرو تساءل في محاضرته عن “أسباب ذلك الانفجار الذي حصل في السودان خصوصاً بعد التهدئة التي شهدتها المنطقة والانفتاح في العلاقات”، حقيقة فوجئت أنه لم يتطرق للسبب الرئيسي والحقيقي وراء هذه الانفجار، ولم يتطرق أبدا لحقبة أكثر من 30 عاما من حُكم (الإسلامييين) لبلادنا. وقد أوردوها مورد الهلاك. وفي هذه الحقبة التي يعتبرها الكثير من الكُتاب والمحللين حقبة سوداء، وقد كتب عنها كثيرا الكاتب السعودي الكبير الأستاذ عبدالرحمن الراشد أكثر الذين اهتموا بالملف السوداني في عهد (الإسلاميين)، وكذلك الكاتب الكويتي الكبير الفقيد أحمد الربعي، إن الحركة (الاسلامية) التي حكمت السودان صنعت الأزمات الداخلية والاقليمية والدولية، ومن بين هذه الأحداث الكبير محاولة اغتيال الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك في العاصمة أديس أبابا في صيف 1995م، وبفعل هذه الألاعيب الصبيانة تدهورت حياة السودانيين، وانتشر الفساد المالي والاداري في مؤسسات الدولة، والفساد والاخلاقي في المجتمع، وفتح أبواب البلاد لدخول الحركات المتشددة والقيادات المتطرفة مثل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن الذي أقام في السودان 4 (سنوات) درب فيها قواته على أحدث الاجهزة التقنية والأمنية وبعدها مباشرة نفذ تنظيم القاعدة عددا من العمليات النوعية المعروفة.
أكثر من 30 عاما في حُكم الشعوب فترة ليست بالقصيرة حتى نتقاضى الحديث عنها، فقد أثرت كثيرا في وضعية السودان الحالية، ويمكنني باختصار ذكر نماذج من الاضرار الكبيرة التي لحقت ببلادنا وأوجزها في الآتي:
*اشعال الحروب في السودان مثل دارفور وجبال النوبة والنيل الازرق وشرق السودان وراح ضحيتها حوالي مليوني نسمة غير النازحين والمُهجرين، وحدثت أكبر جرائم ارتكبت في العصر الحديث في (دارفور) جريمة حرب وإبادة الجماعية في أول سنة منها (2004) بسببها اتهمت محكمة الجنايات الدولية الرئيس الأسبق عمر حسن البشير بارتكاب هذه الجريمة، وهو نفسه في حديث مؤثق على (اليوتيوب) يعترف بارتكاب هذه الجرائم، حينها قالت الأمم المتحدة ان الضحايا بلغوا 300 ألف نسمة، واستمرت بعد ذلك الحرب لسنوات طويلة واصبح الضحايا بالملايين الذين أرحقت قُراهم وهم بداخلها وتم ابادة أكبر ثروة حيوانية في السودان تقدر ب5 مليون رأس.
*إن انهيار السودان اقتصاديا بدأ باحتكار (الإسلاميين) للعمل التجاري وجعلوه فقط لعضوية التنظيم والمتعاطفين معهم في مجال الاستيراد والتصدير، وهو ما أدى إلى إبعاد غالبية الشركات والقطاع الخاص عن العمل في السوق لصالحهم، فتوقفت الشركات والمؤسسات الانتاجية بسبب عدم معرفة وجهل الادارات الجديدة الذين جاءت بهم الحركة (الاسلامية) في مواقع ذات صلة بالخبرة والمهنية فكان التردي الإداري بسبب ابعاد العاملين المتخصيين فيها، كم تم طرد غالبية الكفاءات السودانية النادرة في مجالات القانون والطب والهندسة والتعليم..إلخ، في اطار ما عرف بسياسة (التمكين) الذي يعني اتاحة الفرص لكل لكوادر الحركة  في العمل بالتجارة والوظائف الحكومية جميعها بلا استثناء.
*في العشر سنوات الأولى من حُكم الاسلاميين ” بلغ التدهور حداً أصبح فيه ظهر السودان مكشوفاً سواء من ناحية العلاقات الخارجية على الصعيدين الإقليمي والدولي أو من الجانبين السياسي والاقتصادي، حيث وصلت قيمة الجنيه إلى حد التلاشي، ففي يوم انقلاب (الإسلاميين) كان الدولار الأميركي يساوي 12 جنيهاً سودانياً، فيما وصل بعد 10 سنوات إلى 6.03 آلاف جنيه، وقفزت الديون الخارجية من 13 مليار دولار إلى 43 ملياراً وتزايدت البطالة من 9.8% إلى 36% والتضخم من 10.3% إلى 66%  وانتشرت بطالة الشباب وقد مثل مشهد ازدحام السودانيين على أبواب السفارات الخليجية والأوربية والغربية بالخرطوم اعلان عن انهيار الدولة، الذي حذرت منه بوقت طويل المنظمة الأممية، وقد بات هذا الانهيار ظاهرا من تقارير الأمم المتحدة للتنمية البشرية فطيلة سنوات الحُكم أصبح السودان في المراكز الأخيرة عالميا مع اليمن والعراق والصومال.
*حول الفساد المالي..إن الحركة (الاسلامية) التنظيم الحاكم بتحالف مع ضباط الجيش سخّرت إيرادات البلاد لمنسوبيها، واستخدمت المال العام أداة للبقاء في الحُكم، ما أدى في النهاية إلى حالة الإفلاس الشامل التي تمثلت في عجز الحكومة وشللها الكامل، خاصة في السنين الأخيرة للدرجة التي يذهب فيها المواطن للمصرف ليسحب من مدخراته التي أودعها يعتذر المصرف بعدم وجود سيولة، وتقدر إحصاءات غير رسمية إيرادات النفط وحدها كانت بنحو 90 مليار دولار، الرقم الفعلي غير معروف بسبب تكتم النظام عليه، لكنها لم تستخدم في تنمية البلاد، بل ذهبت إلى تمويل الأجهزة الأمنية والعسكرية للنظام، وإلى جيوب ذوي الحظوة منه وقد أثرى رموز النظام ثراء فاحشاً، وبنوا القصور الشامخات واشتروا الاراضي في ماليزيا وتركيا وغيرها، ومما لا يذكر في الإعلام كثيرا دعم النظام للجماعات المتشددة في عدد من الدول وارتباطها الوثيق بالاسلاميين في مصر وتركيا وقطر هذه العلاقات ذات طبيعة مالية..!.
*انتشار المخدرات الآتية من الخارج عنوان كبير لفساد لم يكن تأثيره في المجالات الاقتصادية فحسب بل في انتشار تعاطي المخدرات وسط الشباب باعداد كبيرة جدا، وقد وضح أن قيادات نافذة في النظام كانت وراء استيراد حاويات مخدرات. بكميات ضخمة للمتاجرة بها، كشفت عنها السلطات في ميناء بورت سودان في اكتوبر/تشرين أول 2014م وهو  ما حدا بالقيادي (الاسلامى) المعروف البروفسير حسن مكى أن يؤكد تورط نافذين فى هذه القضية الشهيرة بقوله “ان حجم المخدرات (735) مليون حبة مخدرة، وأن الحركة فشلت فى تحويل قضية المخدرات الى المحكمة بسبب افتقارها للغيرة الوطنية والدينية”.
*بشأن سرقة الموارد في ديسمبر/كانون الأول 2010م اتهم لويس مورينو أوكامبو مدعي المحكمة الجنائية الدولية الرئيس السوداني(الأسبق) عمر حسن أحمد البشير باختلاس مبالغ تصل إلى 9 مليار دولار من أموال الدولة وإيداعها في حسابات أجنبية، وفقا لمراسلات دبلوماسية أمريكية سربها موقع (ويكيليكس)  ،وتقول الوثائق المسربة والتي نشرت في صحيفة (الجارديان) البريطانية إن دبلوماسيين قد نقلوا عن المدعي العام للمحكمة الجنائية قوله إن الجزء الأكبر من هذه المبالغ قد يكون أودع في بنوك بالعاصمة البريطانية لندن.
*إن قادة النظام مارسوا نوعا من الفساد لم يخطر على بال أحد مثل بيع أهم الشركات التي ترفد الميزانية العامة بالعملات الأجنبية وتدعم الاقتصاد الوطني على سبيل المثال وليس الحصر (الخطوط الجوية السودانية- الخطوط البحرية السودانية- هيئة النقل المكانيكي، هيئة النقل النهري، وأهم شركات التجارة والملاحة التي تعمل في مجالات الاستيراد والتصدير على مستوى العالم نتج عنها تشريد آلاف العمال والموظفين والخبرات الاقتصادية، كما تم بيع مؤسسات ناجحة كانت ركيزة اقتصادية قوية للدولة تحولت ملكيتها للقطاع الخاص بل إلى أشخاص نافذين في التنظيم الحاكم، ونسبة لعدم علاقتهم بالاقتصاد فشلت هذه الشركات الكبيرة وخرجت من السوق نهائيا، إضافة إلى بيع أهم العقارات السودانية  في أهم مدن العاصمة البريطانية (لندن) وفي عدد من الدول الأوروبية.
*إن سرقة الموارد حدثت في ذات الوقت الذي أعفت فيه الحركة (الإسلامية) كل المؤسسات التجارية الضخمة التابعة لها من الضرائب ومن الجمارك، ولا تمتد إليها الرقابة المالية ولا الإدارية، علاوة على فقدان السودان للكثير من البنوك الناجحة التي خرجت من الخدمة بسبب الإدارة غير الكفوءة والجهل بالعمل المصرفي، الأمر الذي أفقد البلاد موارد مالية ضخمة لا تقدر برقم معين.
*جهاز أمن الدولة التي ترفع (شعار الاسلام) مارس الاغتصاب داخل السجون والمعتقلات لكسر إرادة المختلفين معه في الرأي والفكر، وهذا الاغتصاب لم يكن للنساء فقط بل حتى الرجال، وفي محكمة قضية مقتل الأستاذ أحمد الخير إحدى أشهر عمليات  القتل في السودان في ظل حُكم (الإسلاميين) قال المتحري أن “المتهم السادس ذكر للمعتقلين أنه “اختصاصي اغتصاب”، ولمن لا يعرف فإن الأستاذ احمد الخير قتل بالتعذيب النفسي والجسدي بعد أن تم اغتصابه، وهذه الممارسة ليست فردية بل ممارسة ممنهجة.!
وأخلص بالقول أنني أتفق مع الدكتور علي فخرو حول ما ذكره بشأن أولوية ملف السودان في أجندة الجامعة العربية، واختم تعقيبي هذا الذي كتبته على عجالة من أمري وأنا على سفر طويل من الشرق الامريكي إلى أرخبيل القطب الشمالي الكندي، لكني لا بد وأن أذكر بأن حُكم هذه الجماعة في السودان كانت أسوأ تجربة حُكم في التاريخ الحديث. كانت بعيدة كل البُعد عن قيم الإسلام وسماحته وعدله ورحمته، ضرب أهم ما يمتاز به الشعب السوداني من طيبة وأخلاق وتسامح، ونشر في البلاد الخوف والرعب وبسياسته الممنهجة غير المتزنة، ألحق أضرارا بالغة بالأمن الوطني وأضعف الدولة حتى أصبحت على شفاء حفرة من الانهيار الكامل كما حدث بالعراق ولبنان واليمن، وأن الحرب التي تدور رحاها في بلادنا هي من صنعهم وقد تعودوا على اراقة الدماء وآهات الثكالى ونواح أمهات الضحايا.
 أخيرا..للدكتور علي فخرو وكل شعب البحرين الشقيق لكم عاطر امنياتي مع دعواتي لبلادكم الجميلة بدوام التقدم والازدهار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق