
بشرى بن فاطمة
ثورتها الفنية تحمل البساطة مع دوافع الجمال وتحمل الانثى على محامل اللون وتستدرج الفراغ بين ثنايا الوقائع من انتصار على هواجسها إلى تمكين لحواسها حتى تستنطق الفكرة وتستعيدها أبعد نحو انكساراتها وتمايلاتها ونهضتها.
هي التشكيلية السورية إيمان الحسن اتّسمت أعمالها بالعمق وحضورها بالبهجة التي تحاول الانتصار على الواقع البائس والشتات الفكري في ظل زحمة الخيبات.
رحلتها مع الفن بدأت مبكّرا تمازجت مع شغفها وعشقها لكل التفاصيل العميقة في المشاهد المتماسكة معا بين المحيط العام والخيال المتفرّد، ما عبّر عن ثرائها المشهدي وصورها التي تكاملت بالحنين والذكرى والذاكرة والامتلاء الصاخب على المساحة البيضاء التي كثيرا ما كانت تستفزها للبحث عن التفرّد والريادة والتواصل المتكامل مع كل الفنون.
كانت ترتّب حضور خيالها بالأدب والشعر وتوسّع مدركاتها بالرسم الذي اختارته مسارا تعبيريا عن مكامن البحث الحسي لتجريبها درسته أكاديميا وغاصت فيه بكل معارفها ما أضاف لها الكثير من الخبرة التي وجدت مكانها مع العشق الجمالي والابداعي الذي ثبّت عندها القرار الأوّل “أن أكون فنانة تشكيلية وأن أدرس الفنون، درست فن النحت والرسم وهو ما جعل الفن يمضي بي من الهواية إلى الشغف إلى الاحتراف”.
تعتبر إيمان الحسن من أبرز التشكيليات السوريات اللاتي خضن التجريب الفني والابتكار الذي جعلها رائدة على مستوى التركيب اللوني والحضور الجريء على مستوى طرح المفهوم، قدّمت عدّة معارض جماعية وفردية كان آخرها معرضها الفردي “كان وأخواتها” تقدّم حاليا مشروعا فنيا يحاكي نبي جبران وأيقونات نضالية نسائية بالتعاون مع متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية.
الفن رحلة امتلاك للشغف وحضور لمعنى الأنوثة
تبدو الأعمال الفنية التي تقدّمها إيمان الحسن مثل رحلة توليفية بين الذات والكيان تتجاذب وتتصارع تحاول العبور وتفكّر في صخب التفاعل بين الأمكنة المطلقة والشخصيات المقيّدة التي قد تظهر في ملامح الحضور أو في تلطيخات اللون بين التجريد الأحادي في أطراف اللوحة وبين السريالية الطاغية التي تتحكّم في عمق الفعل الجمالي والمفهوم الواقع على تفاصيل الحلم الراكن بتراكبية احترافية تقبل التوجيه والتعديل والتفكيك.
“شغفي بالفن دفعني لتجربة عدد من المدارس الفنية ولكنني وجدت نفسي أنقاد وراء بحثي الدائم عن تقنيات وأساليب جديدة تساعدني على أن أخرج ما في داخلي، دائما أشعر أن الموضوع يختارني قبل أن أختاره أترك مساحات الحرية لفرشاتي قبل أن أضبط إيقاعها وأتحكم في تفاصيلها لأخرج في كل مرة بلوحة جديدة، المدرسة التي أعرّف نفسي بها هي السريالية لأنها تتحمّل السرد الدرامي في اللوحة لأنها تقول كل شيء دفعة واحدة وتستفز التساؤلات والأجوبة فيها مفتوحة على التساؤلات، إلى أبعد حد، دائما رسالتي تتحمّل الكلمة الواحدة التي تختصر الإنسانية وقضاياها رسالة الحرية والمرأة لأنها الوجه الآخر للحرية والوجه الأجمل والأرقى رغم كل القيود التي يفرضها المجتمع.
أنا لا أؤمن بالمنطق الفني الذي يجبر الفنان على مدرسة واحدة، فلا حدود للتجريب لأن الفن تجدّد وانبعاث ومغامرة تتحمّل فرص التعبير المختلفة والمتنوّعة لذلك أنا أترك الفرشاة هي التي تشكّل معي المعنى الأولي للوحة وأساير تفاصيلها بتداخل حر وحقيقي ومعبّر وإن كنت أميل إلى السريالية بشكل لا شعوري أحيانا يتجاوز التنظيم ولكن الفكرة تنقاد معي نحو السريالية.”
تشكّل الأنثى أيقونة رمزية في تفاصيلها الاختيارية والاجبارية فهي الحاضر والحضور والحياة والاستمرارية لأنها تعبّر عن ذلك الزخم التراكمي من القضايا بين التعبير والمقصد والدلالة والعلامة وهنا تطغى بحركاتها على المبدأ السريالي الذي تعمل عليه الحسن وهي ترتّب انفعالاتها وطاقاتها الشعورية ومدركاتها الحسية وهي تعيد تركيب المفاهيم.
“اللوحة ومساحاتها هي الفضاء والعالم الذي يحتويني لأعبّر عن رحلة طويلة من النضال الأيقوني أحدّد فيه سمات التفاصيل التي تنصف الأنثى الحياة وتعيد لها كينونة الحضور، أحاول إعادة كيانها الملغى منذ فكرة الإغواء إلى اليوم، أعبّر عن الحرية لأنها الهدف الأسمى للحضور الانثوي لا يمكن أن تكون مكبّلة بكل تلك الاخلالات التي تعيق حركتها ومشاعرها هي التي تكسر قيودها وتفكّك مشاعرها بقوة متمرّدة.”
يبدو اللون في تشكيلات إيمان الحسن احتواء داخليا وحضورا طاغيا تنساق فيه إلى العمق التفصيلي حيث ابتدعت داخل رسم البورتريه واقعية رسمت الوجوه مثل مرايا ساكنة في الحالات صمتها الذي يعني الكثير ويسرد عمقها، خاصة بعد الأحداث في سورية التي أثّرت في طبيعتها الجمالية رؤيتها الفنية التي أخرجتها من صمت السكون والتأمل والمراقبة، “تأثرت جدا بمخلفات الحرب في سورية لأنها أخرجت كل ما في دواخلنا من مشاعر وأعادت لنا تفاصيل البحث الداخلي عن ذواتنا من نحن ومن نكون وكيف نعيد صياغة ثباتنا ونأسّس لحضورنا الجديد لذلك حاولت ان أحارب القبح والتشويه الواقعي أردت أن أشكّل الجمال كرسالة وطن والحياة رسالة في وجه الموت والتهجير والإرهاب والخراب استمرار وتحدي وإصرارلأن الفن هو الوجه النضر للحياة فالمشاركات كانت كثيفة في الأزمة.”
تشكّل اللوحة في تصورات إيمان الحسن تلاحما متداخلا بينها وبين مشاعرها فهي لا تترك نبضها يتوارى عنها بل تتماهى معه من خلال اللون الذي تحرص على تدريجه حسب الحالة والحضور والفكرة كما في لوحتها التي تعتبرها الأقرب حدّ التوأمة والأجمل حد الأمل المتجلي فيها “يوتوبيا” المدينة الفاضلة التي تبحث فيها عن الخلاص عن حرية تحترم الكيان.
تنتقي الحسن ألوانها بدقّة تتناسب معها شعوريا ونفسيا حسب امتلاكها لمفاتيح التكوين الحسي التي تطغى على تكويناتها التشكيلية وكتلها وشخوصها “اللون بالنسبة لي عليه أن يكون متناسبا معي شعوريا ونفسيا اللون يدعم الفكرة والحالة التي تسير بي اللون البنفسجي يبهجني كتناقض منعكس بين الأسود والرمادي فهو المنطقة التي تقع بين متناقضين النور والعتمة فهو يتخلل تفاصيل لوحاتي الحزينة ليخبر المتلقي أن مساحة الفرح متاحة والأمل باق، الأزرق كذلك يعني لي الكثير في تشكيله التوظيفي للحواس، أما الحزن الشديد فأعبّر عنه بالأصفر كما في لوحة أم عزيز، اللون يساعدني على طرح الفكرة وعنصر البطولة في اللوحة حيث الشخصية المحورية تحاكي وتسرد قصتها إلى بقية العناصر التي أعبّر عنها تجريديا لتشكيل مرونة الحضور وتساؤلات العناصر، اللوحة تخلق التوازن التعبيري بين السريالية والتجريد والرمزية وهي عناصر متكاملة معا تبدو مثل الصور البيانية أو المحسنات التي تأتي في سياق التفصيل الجمالي.”
*الأعمال المرفقة:
متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum Collections