ثقافة وفن

أيمن بعلبكي … رمزية الفدائي وأيقونة الأطلال من العرض إلى الآداء

بشرى بن فاطمة

لم يكن التعثّر بأعمال التشكيلي اللبناني أيمن بعلبكي بالأمر الهيّن لأنه يحيل إلى الوقوع في عمق الخراب الذي يحاول أن يسكن به فوضى تعجّ بها ذاكرته، وها هي الفوضى الظالمة تعود مجدّدا لتسكن ذاكرة العالم ومشاهده اليومية التي تعيد التساؤل الدائم لدى بعلبكي “من يرسمون في الحرب قليلون ولكن التوثيق ضروري”، مواقف بعلبكي الفنية تعطيه خصوصية التفاعل حتى لو لم يرسم في لحظتها وهو ما حدث معه مؤخرا عندما سُحبت أعماله من مزاد دار كريستيز، فقط لأن اللوحة التي نفّذها منذ 2012 تقدّم شخصية الفدائي الملثم والثائر صاحب القناع تلك التفاصيل الرمزية التي باتت مفتاحا لازدواجية المعايير الدولية والغربية بالخصوص وهي تخوض عدوانها الظالم على غزة وتشكّل شخصية المقاوم الثائر أو بالمعيار الغربي “الإرهابي”.
ما فعلته دار كريستيز طرح اسم أيمن بعلبكي على الساحة التشكيلية الدولية مع الكثير من التساؤلات التي ارتبطت به كفنان أولا وكانسان ينتمي لهذه المنطقة وله مفرداته التشكيلية التي لم يشاهدها فقط بل عايشها كطفل مشرد مع عائلته التي هجّرت فترة الحرب في لبنان وكانسان عايش صعوبة الحياة في وطنه وكفنان يعايش المعايير التي تفرض عليه مقاييس الفن حسب المعيار الغربي.
وحتى لو سحبت أعمال بعلبكي فالاندفاع الإنساني المتماسك الذي يقدّم به أعماله في فن التجهيز والمفاهيمية وفن الفضاء ستحمل كما هي فكرة الفوضى والترتيب وتناقضات البناء والهدم وفلسفة البقاء والفناء وفكرة التمرّد من أجل اكتمال هويّته والثبات على أرضه.
فأعمال بعلبكي تحتوي على مشهدية لونية متداخلة وتلطيخات بألوان متراكمة وأحجام ضخمة
تصل إلى ستة أمتار تحاكي أحداث واقعية وسياسية ميّزت الواقع اللبناني من تفجيرات واغتيالات وتدمير وتهجير وتشريد.
رغم أنها غارقة في الذاكرة إلا أنها لم تنتف من الذكرى والفكرة المنجزة في الألوان المفخخة وفي المواد المتصارعة وفي ثقل المواد التي تحاول الانفلات من صخب حركته التي يبالغ في التوغل بها نحو عمق الصراع الدائر في أرضه والمنطقة التي ينتمي اليها والتي جمعها لتحمل مشهد الأنقاض وتنقل الصورة بكل تشوهاتها.
فالعمل الذي يقدّمه في تجريبه البصري تحوّل إلى تصوّر متداخل للفكرة وفق حضورها السوداوي على المسطحات وبانفعال الفنان في العبث بها خاصة وأن قضية الصراع في الشرق الأوسط لم تنته وباقية بسوادها المعتم وظلمه المتكتّل على أطرف لبنان وفي قطاع غزة.
فمن خلال الأعمال التي يقدّمها بعلبكي يتحرك في أعماله كعنصر مشارك لا كفنان منفّذ لأنه يحمل الفكرة بحرية أكبر حتى يكون أكثر حضورا في الحدث والوقائع بديناميكية وبجرأة في التحوّل داخل مساحات اللوحة باضطراب وسكينة ببحث وتردد بتناقض وانسجام ليحاكي فلسفة الوجود على كل ذلك الخراب والتمسّك به رغم دماره فهو يحاول بأسلوبه أن يمنح الحياة إلى عناصره الجامدة حتى يكون أكثر جرأة ومواجهة لفكرة البقاء لا كمصطلح يعني الحياة ولكن حتى الموت أو عنده له دلالة البقاء طالما المقاومة تفرض عليه أن يستميت حتى آخر نفس وعلى كل ذلك الخراب وكل تلك الاطلال، وبالتالي يكابر في توظيف اللون على اللوحة وفي تكثيف الأشياء حوله حتى لو لم تكن مرتّبة إلا أنها تقوم باستنطاق الأمل والوصول به أبعد.
إن القناع أو الفوضى في أعمال بعلبكي تحكي تصورا أيقونيا له دلالاته ومعانيه تحمل رغبته الدائمة في حجب الملامح لأن الحجب يخفي العواطف ويحرّك تفاصيل الفكرة نحو التمرد والصمود رغم الدمار والانتفاض على السائد بالحركة لأن إخفاء الوجه بالأداء هو الذي يتحمّل كل اللوحة فيمتلأ في انفجاراتها الحسية.

*الأعمال المرفقة:
عملين من مجموعة متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum Collections
عمل الملثم والقناع التي سحبت من مزاد كريستيز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق