سلايدرسياسة

هل يتعرض السودان للابتزاز؟

بروفيسور محمد حسين سليمان أبو صالح

هل دخل السودان مرحلة قد يتعرض فيها لإبتزاز إستراتيجي بعد عقود طويلة من ضعف التفكير الوطني الحكيم؟ تحدثت في فيديو سابق عن الصراع الإستراتيجي الدولي حول المصالح وموقع السودان منه وأوضحت أن مشكلة السودان تكمن في ثرواته الهائلة من مصادر الطاقة كالغاز والنفط واليورانيوم ومصادر المياه والطاقة والمعادن الإستراتيجية  من ذهب وحديد ونحاس  وكروم  ومنجنيز وتيتانيوم والمونيوم، إلخ،  بجانب الموقع الجغرافي للسودان الذي يؤهله لعبور الممر الإفريقي وطريق الحرير من البحر  الأحمر إلى العمق الإفريقي ، حيث يتوقع عبور حوالي 20 % من التجارة الدولية، وهذا  واحد  من أهم أسباب الأجندة الأجنبية في السيطرة على ساحل البحر الأحمر  السوداني. لذلك ظل السودان وخلال العقود الماضية يواجه إستراتيجيات متقنة ومتكاملة لتجهيز المسرح وإضعاف السودان تمهيدا لتمرير الأجندة والمصالح الأجنبية، كانت أهم أدوات هذه الإستراتيجيات (عدة الشغل) هي التفتيت الوجداني عن طريق إثارة ودعم الفتن العرقية والجهوية والدينية، وكذلك العقوبات الآحادية ومصيدة الديون والإضعاف الاقتصادي للدولة، الأجندة السياسية للمؤسسات الدولية، المالية والنقدية والتجارية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد، بجانب صناعة الأزمات المتكررة، عبر استخدام علم (Crisis Industry) وغير ذلك. لاحظوا معي التلكؤ والتباطؤ الدولي الواضح في عدم دعم الحكومة الانتقالية الحالية، ذلك لأن أصحاب المصالح في انتظار لحظة الصفر، برفع الدعم وكارثة الأسعار ومن ثم انفجار الأوضاع وتآكل الأجور، عمل مرتب.

الرؤية السريعة الشاملة للأوضاع الاقتصادية في السودان تشير إلى انخفاض العملة من 12 جنيه للدولار في 1990 إلى 105 ألف جنيه الآن، أو بمعنى آخر انخفاض قيمة المرتب في المتوسط إلى حوالي 10 % هذا يعني أن الشخص الذي كان مرتبه 2000 جنيه، والتي تساوي 400 دولار عندما كان سعر الصرف 5 جنيه، أصبحت تساوي الآن 20 دولار، أي أن هناك فرقاً مهولاً في القوة الشرائية المفقودة لهذا المواطن تبلغ 380 دولار، هي عبارة مصانع ومزارع توقفت وعمال تشردوا. وبمقارنة أخرى نجد أن قيمة المياه للمنزل والتي كانت تبلغ 30 ج تعادل 6 دولار، أصبحت الآن تساوي فقط 30 سنت، ما يعني قياسا على هذا، تآكل وتدني جودة خدمات التعليم والصحة والبيئة والمواصلات، إلخ، وصولاً لانهيار الدولة، تدمير منظم في ظل رؤية وطنية ضعيفة. نحن الآن علمياً في مرحلة الـ finishing للمسار الإستراتيجي الطويل للإستراتيجيات الأجنبية، المسرح السوداني جاهز للابتزاز وفرض الأجندة إذا لم نتصرف بمسئولية. هناك أسباب تفاقم من ضعف الدولة، أهمها:

> غياب الرؤية الوطنية الإستراتيجية الجامعة التي تتناسب والتعقيدات المحلية والدولية.

> الاستقطاب الحاد في الساحة الوطنية وتباين المشاعر الوطنية.

> ضعف الأداء المؤسسي.

> ضعف منظومة صناعة القرار الإستراتيجي الناجم عن:

> غياب العقل الإستراتيجي.

> ضعف العلاقة بين مستودعات الفكر والمعرفة والإبداع من جهة والسلطة السياسية والتنفيذية.

> ضعف الأداء الاقتصادي والاجتماعي.

> التضخم، انخفاض قيمة العملة، تآكل قيمة الأجور، العطالة، تدني مستوى التعليم والصحة والخدمات.

> ضعف الإرادة الوطنية التي باتت تسهل من تمرير الأجندة الضيقة بدلا عن الأجندة الوطنية في كثير من الأحيان.

> الالتفات الى الماضي ومراراته وما يرتبط بذلك من تصفية حسابات وانتقام.

> بدلا عن التوجه نحو المستقبل وما يرتبط بذلك من تخطيط وإنتاج معرفي وتراضي وطني.

> الالتفات الى الخارج دون اهتمام كافي للالتفات للداخل رغم المد الثوري والاندفاع الوجداني لخدمة الوطن..

> كل هذا قد يقود الى عدد من المخاطر والمهددات، منها:

> تهديد نصيب السودان في مياه النيل.

> تهديد المياه الجوفية

> إبرام اتفاقات مجحفة حول ثروات السودان من الأراضي والمعادن.

> التغول على الحدود السودانية.

> اتفاقات مجحفة حول موانئ البحر الأحمر. 

كل ذلك يعلن دخول الوطن لاستعمار جديد وطبقية جديدة وعهد إقطاع جديد وتهديد الأمن القومي ومصالح الأجيال القادمة.  التحدي الآن هو تحدي التأسيس لصناعة المستقبل، وقبل ذلك يبرز تحدي الحفاظ على استقلال السودان وصيانته. المعركة الآن معركة فكر ومعرفة وإبداع، معركة تحتاج لرؤية وطن، وسلوك وطن، وهم وطن، فلنترك الأجندة الضيقة والأنانية والممارسة التقليدية للسياسة ونرتقي لرحاب الوطن حتى لا يأتي يوم لا نجد فيه هذا الوطن إلا في ذاكرة التاريخ.  علينا الاحتماء بالداخل قبل الخارج، موارد ومزايا السودان تحتم عليه الدخول في حوار إستراتيجي خارجي يؤسس لمصالح عادلة …  إلا أن ذلك يتعذر دون حوار إستراتيجي داخلي يسبق ذلك. نحن في حاجة لمؤتمر إستراتيجي سوداني داخلي قبل المؤتمر الدستوري. لا يوجد في علم الإستراتيجية التي ينتهجها العالم اليوم مصطلح اسمه الأصدقاء وإنما المصالح، بينما تراجعت الأبعاد الأخلاقية الى حد كبير. نحن في حاجة لمؤتمر أبناء السودان قبل ما يسمى بمؤتمر أصدقاء السودان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق