
يسرية محمد الحسن
وكان اللعين يخبئ لي زمانا نطفة في رحم الغيب لم تخلق بعد. وكان حاضري حلوا مرحا بين عمر الطفولة الغر يتأرجح وميعة الصبا النضر. وفي حواف العمر وبداخله تنمو وتكبر صداقات الطفولة البريئة اليانعة. عالم من السحر والجمال والنقاء والاشراق. وكان الساحر القادم من خلف فجاج الدنيا قد سرى سحره الأخاذ في كل المدائن والمرافئ البعيدة منها والقريبة وسكن قلوب الناس فتملكها وأحكم سطوته عليها فتغنى الجميع بمحاسنه ومباهجه وما فتئوا يلازمونه. كيف يكون وهم العشاق. وهو المعشوق، برقت عيناي حينها ووثب اللحظ مني وقد كنت نسجت في مداخيل الشعور حرائر من شدو حلو طرزته بمزاج من الجمال عال والخيال واشرأبت إلى العلا نفسي وأن وعر الطريق! كانت رحلتي قدري معها هو الدليل والصديق وبين صفحات الأيام الجميلة اختبأت ونبتت أغصان من الورود الملونة والأزاهير الرائعة وعطر الكلام. وأنغام من الطرب وكلها حكت عني للرفاق بأني راهبة في محراب قدسي أتبتل وأقرأ وأغني وأعزف الالحان. وأرقص حينا وأحايين أخرى، أشدو مع وردي وعثمان حسين وكابلي وكل جمال الطرب الأصيل، حاضر فيي وفيهم، وبيني وبينهم ومعا كنا رسلا لهم ولنبض أحاسيسهم الجميلة والدفاقة إبداعا وألقا وجمال وبينما يمضي الزمان ونحن بداخل الروض البهيج لا نحس به وكيف نحس بالذي يسرق العمر منا، هي أعمارنا الندية نعيشها فحاضرنا فتان، رائع وجميل به تزهو كل ألوان الربيع فينتشر عطرها الفواح العبق في أفئدة الناس راحة وطمأنينة بل محفزا الى التفاؤل والنظرة للحياة من حولنا بألوان زهر الربيع، وجاء ذات صباح طارق لبابنا حسبته وعدا نديا من فجر الصبح أتى وتوارى عني ليستبين شمسي كيف تشرق، ومتي؛ لكني وجدته هو ذاك الذي أفزعتني نظرات عينيه الجريئة، لكنه ماذا يريد مني؟ آه ثم آه اخرى تتزمل صدري زفيرا بحر من السموم اللافح ووسط دهشتي أفقت على قهقهته العالية، ساخرا مني. إنه اللعين قدري! وحكم الزمان وكان لابد لحكمه من نفاذ. فقد كان في الكتاب مسطورا، وليته تمهل قليلا هذا الزمان فالعمر ما زال في بواكيره طفلا شقيا غضا يرتع هنا ويلهو ويلعب هناك وتعلو ضحكاته البريئة المكان وتتسع للزمان الماضي وللحاضر. والآتي من بعد حين. (يتبع)