سلايدرسياسة

نظام الأسد إلى أين؟

باب روسي من حديد وشباك سوري من خشب

عماد الخالدي

يا سادة يا كرام، إذا كان هناك من تساؤل يتم طرحه في الأوساط الإعلامية وعلى مستوى واسع جداً هذه الأيام، فهو:

هل حقاً إدارة بوتين تبحث بجدية عن تسوية الأوضاع في سوريا بأي ثمن كان، وذلك درءاً لمخاطر قادمة لملفٍ لا يزال متعثراً إيجاد الحلول له برغم كثرة السيناريوهات.

مما يبدو للعيان في الوقت الراهن أن بوتين وحكومته بدأت تضيق ذرعاً للفوضى الكبيرة التي يعيشها الملف السوري مقارنةً بحجم الضغوطات التي تحاصر القيادة الروسية وخصوصاً تزايد حالة عدم الرضا في الشارع الروسي للمنهج التي تتخذه موسكو في إدارتها للمف السوري. وخصوصاً مع تداعيات أزمة كورونا في البلاد وفي ظل الهبوط الحاد لأسعار النفط.

الخيارات لم تعد واسعة النطاق أمام بوتين، مما يُحتم عليه ضرورة إيجاد حل مناسب من شأنه أن يرضي جميع الأطراف، سواءاً الشارع الروسي أو مناصريه مروراً إلى الداخل السوري وأصحاب القرار والمنفعة في المنطقة.

أصوات الداخل الروسي تتعالى بضرورة إنهاء التواجد الروسي في سوريا والتخلص من صداع الأزمة وتبعاتها على الصعيدين العسكري والاقتصادي.

بات بوتين مُطالباً أكثر من أي وقت مضى بالتخلص من حالة الحصار التي يعيشها، ما بين سنديان الرأي العام الروسي وغضبه من الحرب التي يخوضها في سوريا، ومطرقة تعنت بشار الأسد بعدم تقديم أي نوع من التنازلات عن صلاحياته.

وما يُعقد الأمور ويزيد الطين بَله، عدم وجود البديل المناسب للأسد والذي من شأنه أن يُرضي الأطراف الدولية ذات الشأن والمصلحة.

في الآونة الأخيرة خرج العديد من السياسيين الروس بتصريحات علنية وأبدوا انتقادات لاذعة للنظام السوري وسياساته، وأنها تحتاج إلى الكثير من المرونة وبُعد النظر من أجل القدرة على إيجاد مخرج لإنهاء الصراع.

أقوى تلك التصريحات كانت على لسان ” ألكسندر اكسينيونوك ” وهو دبلوماسي سابق في الإدارة الروسية ونائب لرئيس مجلس الشؤون الدولية، حيث قال ” إذا رفض الأسد قبول دستور جديد فهذا بالتأكيد يعني أن النظام بشأن تعريض نفسه لخطر كبير”

وفي نفس السياق صرحت ” ايرينا زفيياجيلسكايا ” خبيرة شؤون الشرق الأوسط في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية.

موسكو تمتلك منشأة بحرية وقاعدة جوية على الأراضي السورية وإضافة لذلك أرسلت قوام كامل من الشرطة العسكرية لتسيير دوريات في المناطق التي سيطر عليها المسلحون فيما قبل على حد تعبيرها، وفي حال تخلت روسيا في هذا الوقت عنه أو حاولت الإطاحة به فإنها سوف تخاطر بكل ما قدمت عبر السنوات الماضية من الدعم اللامحدود ولربما تخرج خالية الوفاض.

مما لا شك فيه أن مثل هكذا تصريحات لا يمكن التحدث عنها في دولة مثل روسيا لمجرد الكلام أو التصريحات الفضفاضة وإنما تحتاج على أقل تقدير إلى ضوء أخضر من بوتين شخصياً للحديث عنها.

ومن جانب آخر صدرت أوامر مباشرة من الكرملين لوزارتي الخارجية والدفاع لإجراء محادثات مكثفة وسريعة ليتم من خلالها توسيع النفوذ الروسي البحري وأيضا تسليم المزيد من الصلاحيات للعديد من المنشآت الحيوية للقيادة الروسية.

وبرؤية معمقة لكل هذه التفاصيل نجد أن أوراق الأسد باتت تتناقص عند الحاكم الروسي، ولا يخفى على أحد أن روسيا مارست الكثير من الضغوط عليه فيما خلف الكواليس لتقديم بعض التنازلات التي ترى روسيا ضمنياً بأنها لا تسمن ولا تغني من جوع ولا تدعم أدنى متطلبات الشارع السوري، وكل ذلك من أجل تقديم صورة أفضل ومجملة وكسب التأييد داخل مجلس الأمم المتحدة ومن باب آخر لإعادة انتخابه المتوقعة في عام 2021، ولكن الأحداث على ارض الواقع تشير إلى ان هذه الضغوط لم تجدي نفعاً.

فبعد كل الجهود التي بذلتها روسيا من أجل بدء محادثات جنيف الأخيرة لإعادة صياغة الدستور السوري، باءت بالفشل سريعاً ووصلت إلى طريق مسدود في وقت مبكر من المفاوضات بعد أن قام نظام دمشق بإفساد كل ما يمكن أن يؤدي إلى نتائج قد تلوح في الأفق ويتوافق مع رغبة الجميع.

ومن المؤكد أن روسيا لم تكن إيجابية أبداً بالتعاطي مع الثورة السورية، فكل مناوراتها كانت تصب في بوتقة مصالحها ومكتسباتها في سوريا والتي لها انعكاس على تواجدها في منطقة الشرق الأوسط ومدى قوة تأثيرها في القرار العالمي

وخصوصاً بعد خسارتها لثقلها في المنطقة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي سابقا وخسارة كل مصالحها في المنطقة.

وإذا صح القول فالخطر الأكبر بالنسبة لروسيا هو أن يتم تغيير النظام بغير إرادتها وقرار منها، وبالتالي تخسر كل ما حصلت عليه من اتفاقيات ومكتسبات بعد كل ما أنفقته خلال دعمها للأسد ونظامه.

لا يمكن تجاهل الدور الروسي البالغ الأثر، فلولا تدخله في عام 2015 لكان سقوط الأسد ونظامه حتمياً بشهور قليلة، لكنها قلبت الموازين في تلك الفترة بتدخلها، بعد أن كانت المناطق السورية تسقط من يد النظام بوتيرة متسارعة، واستطاع أن يعيد للأسد ونظامه من الأراضي التي خرجت عن سلطته وسيطرته الكثير.

من خلف الستائر يرى بوتين أنه من واجب الأسد أن يخضع له فيما يقرره، ولكن قميص الواقع مُصاب بالُسُمنة، فالأيادي الإيرانية والمنظمات التابعة تحت إمرتها لها وزنها على الأرض ولا يمكن تجاهله بأي حال، لذا خلط الأوراق من قبل النظام اعتماداً على إبقاء مصالحه في الغرفة الخلفية للقرار الروسي هو ما يثير ترتيب الأوضاع حسب الرغبة الروسية.

ويبقى السؤال المُلِح …. هل روسيا قادرة بالفعل على اتخاذ قرارات تُقلل من خسائرها المتزايدة في سورية في الوقت الراهن، ومعها تُنقذ الكثير من السوريين الذين يرزحون تحت وطأة الظلم من كل حدب وصوب سواءاً في الداخل السوري أم خارجه.

هي مجرد وجهة نظر برغم أن قميص الحلم ضيق، ولكن هو ما أراه في الوقت الحاضر …

التدخل الروسي عسكرياً كان قراراً فُجائياً في بدايته …….. فهل من قرار مفاجئ بتغيير منحى الأزمة، ومعه تبدأ أولى حكايات حلحلة الأوضاع بعد عشر سنوات مضت، لاقى فيها السوريين كل ما يمكن أن يخطر على قلب بشر من عذابات ومآسي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق