
من هندسة العمارة إلى هندسة الآلات الموسيقيّة
أصفهان … نصف جهان (نصف العالم)
الصانع مسعود محمدي
د. محمد بدوي مصطفى
لا زلت أذكر ذاك اليوم عندما أقلنا مسعود محمدي بسيارته إلى المطار أنا وأخاه سعيد. كنت قد جئت إلى أصفهان في زيارة لأخذ آلة (عود) طلبتها من الأخ سعيد محمدي وبقيت أنتظر انتهاء العمل بها قرابة العام والنصف. فحينما جئت إلى أصفهان نعمت بالتعرف على كل الأسرة الجميلة: سعيد وأسرته، مسعود وأسرته ومحمد هذا الرجل الجميل. صار لهذا الثالوث الخطير في صناعة الآلات سعيد، مسعود ومحمد محمّدي صيتا ورنينا في كل أنحاء العالم. درسوا العمارة وكل فرد منهم قد تخصص في صناعة آلات معينة ورغم ذلك فهم يعملون ثلاثتهم في ورشة واحدة ببيتهم الكبير في قلب هذه المدينة الساحرة أصفهان.
ولد الصانع الجبّار مسعود محمدي بمدينة أصفهان في عام ١٩٦٩ وتخرج من المدرسة الفنيّة في عام ١٩٨٩ درس فيها هندسة العمارة ونال إجازة الماجستير في عام ١٩٩٣. بدأ يهتم بصناعة الآلات الموسيقيّة في بداية عام ١٩٩١ وهو لا زال طالبا في العمارة وكانت نقطة التحول الخطيرة في حياته، بل قل في حياة ثلاثتهم، أنهم تعرفوا على الأستاذ الصانع قمبري مهر، الذي عرف هو أيضا بالريادة في صناعة الآلات الموسيقية في إيران، أو قل في العالم أجمع. اهتموا جميعا بالآلات التقليديّة التي تحتوي مكبرات الصوت الخاصة بها من جلد الحيوانات مثلا والتي توضع في صدر الآلة. يصنع سعيد الآلات الوتريّة مثل الرباب والطار وغيرها ويستعمل في صناعتها أجود الخامات من الأخشاب وجلود الحيوانات.
الأستاذ مسعود محمدي من مجددي ومحدثيّ صناعة الآلات التقليديّة الإيرانية ونجد آلاته وآلات أخويه سعيد ومحمد في متحف الموسيقى بأصفهان وأيضا بطهران. أسرة الأساتذة الثلاثة محمدي الأصفهانيّة سحرتني بعملها المتقن في جودة الصناعة، الزخرفة، الصوت وكل المقومات التي تجعل من أي آلة تصنعها بأيديها تحفة أثريّة نادرة.
أتمنى لها النجاح والتوفيق في مسيرتها المثيرة والرائدة فأسرة محمدي أثبتت لي أن أصفهان، كما يسميها أهلها بالفارسيّة “نصف جهان” أي “نصف العالم” بحق وحقيقة وأنها مركز هام في الصناعات التقليديّة.