ثقافة وفن

المطرب محمد خضر بشير

لابد من حل المجلس الأعلى للموسيقى والدراما والمسرح

الساحة الفنية تحتاج إلى لجنة إزالة التمكين

ورث عن أبيه كل جيناته الفنية ليكون خليفة في خارطة الفن السودان محافظات على اسمه وتركته الفنية التي بكل جمالها وروعتها وما تحمله من أغاني وكلمات وألحان يصعب أن تتكرر. هادي الطباع سريع الرد مثقف، يحمل هموم الوطن والثورة، يقاتل من أجل الحفاظ على إرثه الفني، فتح قلبه للمدائن معبرا عن رأيه فيما يدور الان في الساحة الفنية وكيف أنها تنكرت للعمالقة والمخضرمين وفتحت زراعيها للمتسلقين واصحاب الاصوات النشاز، إنه الفنان محمد خضر بشير، ابن القامة الفنية خضر بشير الذي قدم الكثير للفن السوداني فكان لنا معه الحوار التالي:

حاوره صديق علي

< اختفي محمد خضر بشير عن الساحة الفنية والإعلامية فأصبح قليل الظهور في الوسط مما أثار التساؤلات عن اسباب ذلك!

> سبب اختفائي عن الوسائط الاعلامية هي الطريقة والنهج الذي أصبح سائد في تلك الوسائط سوي كان مرئي أو مسموع فهي تفتح أبوابها لمن يدفع اكثر ويملك المال والنفوذ فهناك حرب على قداما الفنانين كانت ولا تزال منذ العهد البائد حيث صار الوصول إلى  النجومية بالمال وليست هي الموهبة كما كانت عليه الحال في السابق، فالان عندما تمتلك المال تذهب إلى أي قناة فضائية، تدفع لها إيجار الاستوديو واكراميات العاملين بها أو بمعنى أصح: تدفع تكاليف الحلقة من جيبك لكي تظهر عبر الشاشة ولذا نجد أن هناك عددا كبيرا من الفنانين مصنوعين إعلاميا بظهورهم المتكرر على الجمهور حتى أصبحوا أمرا واقعا وهو السبب الذي جعل من تلك القنوات عبارة عن مستنقع يحتوي على الفيروسات الفنية وبالتالي أصيب المستمع السوداني بمرض بهذه الأمراض وأصبح لا يستطيع التميز بين المواهب الحقيقية والمصنوعة عبر الاعلام.

<  كيف ينظر محمد خضر للعنصر النسائي في الوسط الفني وهل تمثل المرأة إضافة للفن وما هي الاصوات التي تشده من المطربات؟

> هناك مشكلة حقيقة يعاني منها الوسط الفني وهي تقييمه للمطربة أو الفنانة فعندما تقف أي منهن في موضع التقييم تسيطر حينئذ النزعة الذكورية في التقييم فتجد المدح والثناء لمجرد أنها انثى، وهو ما ينطبق في كل شيء، فدائما تتم مجاملة الأنثى فقط لصفتها المحضة كونها أنثى، والفن لا يقبل ذلك فإن لم تكن تتمتع بموهبة حقيقية فليس هناك سبيل للمجاملة أو الاستثناء حيث يتساوى الرجل والمرأة والمحك الحقيقة هي الموهبة والصوت الجيد.

< هل يجب على الفنان أو المبدع دراسة الموسيقي لصقل الموهبة التي يمتلكها وكيف تقيم المعاهد والكليات التي تهتم بالموسيقى والفن عموما

> بالطبع الدراسة شيء أساسي لصقل الموهبة واكتساب الخبرة حتى يكون في المستوي المطلوب ولكن للأسف الشديد فإن معهد الموسيقي أصبح خصم على خارطة الفن السوداني بعد أن كان إحدى المنارات العلمية والصروح الفنية  خاصة بعد أن أصبح مؤسسة أكاديمية  تتجاهل الموهبة والابداع وتهتم بالمواد الدراسية؛ ففي السابق كانت الموهبة تكفي ليتم قبولك أما  الآن يراعي في المقام الأول الدرجات الأكاديمية وهو ما جعل المعهد عبارة عن جسد بلا روح يدخل الطلاب ويخرجون منه دون أن يضيفوا أي جديد إلى عالم الموسيقى، والدليل على ذلك أن المعهد ومنذ فترة طويلة لم يفرز أي موهبة صنعت الفارق في أي من مجالات الموسيقى بل أن كثير منهم يترك الموسيقى والفن بمجرد أن يكون قد تخرج عنه، لأنهم يعتبرون الموسيقي مجرد مواد دراسية ومعظمهم يفتقد للحس الفني، إلا ما ندر. فمنذ مهرجانات الثقافة في عهد نميري لم نجد أعمال فنية مكتملة من حيث اللحن والكلمات والمضمون وأصبح الغناء القديم يعاد مرارا وتكرارا ومعظم الفنانين والمطربين يدورون على نفس المحور الذي رسمه من سبقوهم.

< طفت للسطح منذ مدة بوادر أزمة بينك وبين الفنان جمال فرفور حدثنا عن ذلك الخلاف وهل توصلتم إلى تسوية أو حل؟

الموضوع ليس شخصي وإنما رأي فني فما زلت مصرا على رأيي أن جمال فرفور صوت ( سخلي) صنعة النظام باعترافه، فهو مسؤول عن الملف الفني   حيث قام بتشويه أغاني عمالقة الفن عندما سمح لنفسه براعية انصاف المواهب وهم يتغنوا بأعمال أكبر منهم قامة وتقديمهم في ثوب المبدعين ليس فقط بترديدها بل بتغير مضمونها وهو ما فعله ببعض الاعمال التي تخص والدي، حيث قام بالتعدي عليها وتغييرها فقمت بفتح بلاغات ضده، فقد قمت بأخذ صوت جمال وصوت الاستاذ الراحل خضر بشير لكي أثبت بينة جديدة وسابقة في التشوية  ولكن نسبة لنفوذه والصلاحيات التي كان يتمتع بها تم سحب كل المستندات التي تخص البلاغ.

< كيف تنظر إلى الساحة الفنية بعد الثورة، هل لمست أي تغير ملموس انعكس على الحياة الثقافة والأنشطة الفنية بالمقارنة بالوضع الذي كان قبل الثورة؟

> لم تسقط بعد رغم أن الثورة حققت أولى خطواتها لكن لا يزال الطريق طويلا أمام الثوار فأذيال النظام السابق تعمل في اجهاضها ولهذا لم يطرأ أي تحسن على الوضع العام وحتى الساحة الفنية والإعلامية مستمرة في النهج القديم الذي وضعة الكيزان من أجل محاربة الفنانين الحقيقيين واتاحة الفرصة إلى انصاف المواهب والمتسلقين للظهور، وهم من يسهل السيطرة عليهم لأنهم في نهاية الأمر مجرد أكذوبة إعلامية يسهل التخلص منهم.

< لم يظهر محمد خضر باي اعمل ايام الثورة ماهي الأسباب هل لعدم وجود نصوص أو أعمال تتناسب معكم!

> هنالك الكثير من النصوص والأعمال الجاهزة للتقديم ولكن لم يئن الأوان بعد للتغني والاحتفال والفرح ما لم تتحقق أهداف الثورة وبعد الأخذ بثأر الشهداء وتقديم الجناة للمحاكمة، حينئذ نبتهج ونتغنى للثورة، وكما قال الشاعر عتيق الفجر لاح جيش الظلام وضع السلام، فنحن الان عند لواح فجر الحرية، لم نستنشق نسماتها بعد فعندما يضئ نور الحرية ويملأ سماء الوطن فقط يستيقظ الناس من سباتهم الذي طال إلى رحاب حياة الحرية ففي الوقت الحالي لا تزال المحاصصات السياسية والصراعات الحزبية هي التي تسيطر على الموقف.

هناك الان نوع من انواع الفوضى وعدم الاستقرار تنعكس أثاره على حياة ومعاش الناس وبالتالي ينعكس على الفن والثقافة.

<  هل محمد شخص مصادم حيث عرف عنك إنك لا تتنازل عن الحقوق بسهولة وتقبل التسويات

> دخلت في صدامات عديدة مع جهات وشخصيات من العهد البائد وصلت إلى المحاكم، فقد تم انتزاع أراضي زراعية تخص جدنا وهي مسجلة بالحجج والأوراق الثبوتية ومنها الأراضي التي شيد عليها مستشفى البراح الطبي، فهي في الأصل كانت أراضي زراعية اعتدت عليها جامعة الخرطوم كلية الزراعة لاستقلالها من أجل الدفع بعجلة التعليم ولكن تم تحويلها لمصالح شخصية وتحولها من زراعية إلى سكنية وتوزيعها لشركات وشخصيات أخرى، فكان ذلك شكل من أشكال الظلم والفساد الذي عانى منه الشعب السوداني عموما وأهل شمبات خصوصا الذين نزعت أراضيهم لصالح شخصيات في الدولة.

< مع من يجد محمد خضر نفسه في التعامل مع الشعراء والملحنين وهل هناك مقايس معينة لجودة الاعمال التي يجب أن يقدمها؟

> هنالك طرق ومعاير معينة اختار بها المفردات والألحان وهي أن النص لابد أن يكون بمستوى ادراكي أو بمستوى المدرسة التي تشربت منها المفردات والألحان؛ فقد تعلمت من الوالد عليه الرحمة كيف استشعر المفردات التي تلامس احساس المستمع فقد تغنى لكبار الشعراء من عتيق والتجاني يوسف بشير ولهذا عليّ أن أسير في نفس الطريق بتقديم فن راقي يسمو بالقيم والأخلاق الاجتماعية ويكون له دور بتثقيف ونشر الوعي ويدعو إلى الأخلاق والقيم الرفيعة، فأي مفردة تحمل مضمون ينعكس على السلوك وهو عكس ما نسمعه الان من أغاني تدعو إلى الرزيلة والاسفاف والانحلال الأخلاقي وللأسف يتنشر هذا النوع من الأغاني بسرعة كبيرة مثل أغنية (الخالات) التي تروج للشباب للعلاقة بنساء متزوجات وقبلها كانت هناك أغنية تدعو الفتيات الصغار لخطف الرجال المتزوجين وهكذا الحال.

<  ماهي الأسباب التي تدفع الدولة وأجهزتها الأمنية بمحاربة الفن والفنانين في حين أن معظم الدول والحكومات تدعم الفن من أجل ترسيخ حكمها؟

> جهاز الأمن في عهد الكيزان دمر الفن  السوداني لمحاربته للإقامة الفنية في بادي الأمر ونفيهم للخارج فقد شهدت بوادر ذلك العهد حرب شنيعة تجاه الفنانين وتهجيرهم، فتمت محاربة الراحل مصطفي سيد أحمد حتى هرب للخارج فكانت أغنياته مثل المنشورات وتمت محاربة محمود عبدالعزيز الذي صبر ولم يغادر فكان صديق دائم للسجون. وقد تم اجلاس العدد الأكبر منهم في البيوت بعدها قام الجهاز بتكوين مليشيات فنية تسيطر على الوسط الفني عن طريقهم وضجت الساحة الفنية بالظواهر الفنية الغربية والتقليعات التي لا تمت للفن بصلة مثل الشخلعة والازياء الفاضحة والتشبه  بالنساء وفنانين الجلخ والفسخ حتى وصل الأمر بالتبجح وأحدهم يتبجح بأنه يستخدم إبر تبييض البشرة فلم يعد هناك وجود للفنانين أصحاب الشعبية الجارفة بعد الراحلين مصطفي سيد أحمد ومحمود عبد العزيز وكانت تلك الخطط تستهدف الرواد فمنذ أن قال كبيرهم أنه لا يخاف من الاحزاب السياسية وإنما يخاف من الفنانين والمطربين فكانت تلك ضربة البداية، حينما صدر قرار بالإبادة لكل أغنية ذكر فيها الكأس أو الخمر أو توصف جمال ومفاتن المرأة ولم تنجح هذه الفكرة فلجؤوا إلى تغير مفهوم الفنان وإعادة صياغته للناس على أساس أنه مجرد منظر خارجي في ملبسه وتسريحة شعرة ولون بشرته ومنها أصبحت الصورة النمطية تحمل الكثير من التشوهات؛ والفنان عكس ذلك فهو إنسان صاحب رسالة وقيم عالية وأخلاق، إنسان مثقف ومتعلم يكون بمثابة قدوة للجميع في السلوك الإيجابي والحياة الاجتماعية، إنسان يعكس مشاكل وأماكن الخلل في المجتمع ويقدم لها الحلول والمعالجات ويحارب العادات الضارة والدخيلة على المجتمع.

<  قدم وصفة ومعالجة للوضع الراهن حتى يعود للفن السوداني عافيه ويرجع إلى عهدة السابق في تقديم الأفضل!

> أولا يجب حل المجلس الأعلى للموسيقى والدراما الذي يتراسه عبد القادر سالم وعلي مهدي وأن يؤول لشخصيات مستقلة كما يجب أن تلغى كل البطاقات التي استخرجت من تلك الجهة، لا الرواد الذين يعترف بهم أساسا، وأن يتم تكوين لجنة لإجازة الصوت من جديد حتى يتم غربلة الوسط وأنا مستعد إلى الدخول من جديد للمرة الثالثة لإجازة صوتي كما يجب أن تفعّل قوانين الملكية الفكرية وتتم محاسبة كل من يعتدي على أعمال الرواد واستقلالها ماديا وتجاريا وكان ذلك شكل من أشكال الظلم والفساد الذي عانى منه الشعب السوداني عموما وأهل شمبات خصوصا الذين نزعت أراضيهم لصالح شخصيات في الدولة. 

< إذا كنت تريد حل كل الأجسام والنقابات الفنية فما هي الجهة التي منوط بها تحقيق ما تصبوا اليه

> أتمنى أن تكون هناك لجنة إزالة التمكين داخل الوسط الفني، وأن تبدأ من القنوات الفضائية ثم تمر بكل التنظيمات الموجودة الان والتي جعلت من الفن مهنة وليست رسالة فقامت بإصدار البطاقات لمن لا يستحقها، عبر وسائط وسماسرة يحضرونها للمطرب أو الفنان في منزله والغرض الأساسي هو المبلغ المدفوع أو الإكرامية، لذلك فقد أصبحت تلك الكيانات غير قادرة على السيطرة داخل  الساحة الفنية بعد أن لغيت كل البروتكولات السابقة والتي كانت تحفظ لها القوة و الهيبة واضحت مجرد أجساما هلامية لا تستطيع أن تحكّم قبضتها على الساحة الفنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق