
سلطان الطرب النوبيّ
مكاوي حسنين
د. محمد بدوي مصطفى
جمعتني بهذا الرجل الجميل، الفنان المبدع، والصوت النوبيّ اللامع مكاوي حسنين حبنا لآلة العود، معرفتي به وبأخ صديق آخر مجيد منور الذي تحدثنا عنه في العدد السابق وبهامة بينهما هو د. مكي علي إدريس أدخلتني إلى متاهات الحب في معرفة الغناء النوبي وآدابه الرصينة. علمني الأستاذ مكاوي ذات يوم أغنية “كجنا كجنا” للأستاذ مكي على إدريس، التي اشتهرت بفضله وبحلاوة صوته الرخيم، وتوزيعه الرائع. مكاوي موسيقار، ملحن، عازف عود، مطرب، شاعر غنائي، وأستاذ ملم بمرجعيات الأدب والثقافة النوبيّة.
بزغ نجم هذا الفنان بقرية كوكا الساحرة بالمحس، وتعتبر كوكا اخر الممالك النوبية وتقع على الضفة الغربية لنهر النيل ويحدها من الجنوب شلال كجبار ومن الشمال قرية الترعة. كانت بدايات هذا المبدع مع آلة الطمبور التي أتقنها إلى درجة الثمالة لأنها كانت هي الآلة الوحيدة التي تصاحبه في رحلاته الفنيّة وفي أفراح المجتمع القروي بكوكا إذذاك. بدأ يغني لفنانيّ منطقته كالفنان الجميل شريف عوض وآخرون. كان يتسابق وأقرانه في تلحين الأناشيد المدرسيّة في مدرسة كوكا الابتدائية وسطع نجمه طفلا في مسابقات المدرسة والمسرح بنادي كوكا وفي المشاركات الفنيّة العديدة التي صقلت موهبته المرهفة في سن مبكرة. بدأ الفن يتخمر بذهن الشاب اليافع عندما انتقل إلى المدرسة المتوسطة وتكونت له صداقات عديدة أهمها الصداقات الفنيّة مع عازفيّ الطمبور والعود والأكورديون الذي برزوا في فترة تواجده بداخلية المدرسة إذذاك. تشبع بفنهم وبحرفيتهم وأخد في جعبته الكثير الوفير من الفن والعلوم بالفن. وتطورت الموهبة أكثر وأكثر عند دخول مدرسة عبري الثانوية حيث كان بها بعض من أساتذة الموسيقى وبوتقة من الشباب الموهوبين على آلة العود والإيقاعات ومن بينهم كان هناك عددا من الشعراء الشباب وكان لقاءه الأول بالهرم النوبي الشامخ الأستاذ مكي علي إدريس. وبعد كل هذه المسيرة الشاقة الجميلة صار مكاوي فنان عبري الثانويّة لمدّة ثلاث سنوات وبدون منازع.
هجر الأهل والأحباب للاغتراب بالمملكة العربية السعودية حيث مكث بها عشر سنوات. واتجه لإنتاجه الخاص لعدة أسباب أولها تخمر المعرفة والخبرة بأدوات الموسيقى ومن جهة ثانية لعدم سماح بعض فنانيّ النوبة التغني بأغنياتهم في الحفلات العامة، فجاءت كما يقول المثل “ربّ ضارة نافعة”! وسلك طريقه يبحث عن الشعراء وكان لقاءه الأول بالشاعر الجميل محمد توفيق، وعندما سرد له المشكلة لم يتردد هذا الأخير في اعطائه بعض قصائده ومكاوي يحتفي بأشهر أغنياته التي وهبها إيّاه وهي “ابوقل بجي”. والآن بجعبته أكثر من عشرة أعمال له، وتغمره السعادة بهذه الشراكة الفنيّة. ومن ثمّة قام المبدع مكاوي بتلحين العديد من الأغنيات لكثير من الرفاق الذي دعموا مسيرته الفنيّة منهم على سبيل المثال لا الحصر: عبد الغفار قاسم، امين سلمان، صابر نور الدين والاستاذ الفاتح شرف الدين.
مكاوي سلطان الطرب النوبي دون أدنى شك وبجدارة. أتمنى له ولكل الأحباب النجاح والتوفيق في مسيرته الفنيّة.