
العرافة
دومينيكو زامبيري – 1616
د . محمد بدوي مصطفى
أنجب عصر النهضة بإيطاليا عمالقة من الفنانين تطرقنا لبعضهم واليوم سوف نسلط الضوء يا سادتي على أحد إعلام هذه الحقبة الهامة في تاريخ الفن العالمي على الإطلاق: دومينيكو زامبيري الذي تنسب إليه العديد من الأعمال الخالدة، مثل الجداريات واللوحات بالقصور الباروكيّة والكنائس الإيطاليّة. يقودنا النقاد إلى إنه أحد الذين ساهموا مساهمة فعّالة في تطوير وتوثيق فن رسم المناظر الطبيعيّة والأحداث الدينيّة التاريخيّة التي انعكست بصورة جليّة عبر جلّ أعماله الخالدة.
لوحة العرّافة كيومي، عمل صممه زامبيري تلبية لطلب الكاردينال بورغيزي في عام ١٦١٦. يُحكى عنها أنها إحدى أشهر العرافات على مرّ التاريخ وتحفظ لها الروايات التاريخيّة والذاكرة الجمعيّة بنبوءتها الشهيرة: “أن رجلاً ستحمل به امرأة عذراء في اسطبل في بيت لحم سيكون المُخلِّص”. وقد اعتبر أهل الديانة المسيحيّة والعارفين بها هذه النبوءة فيما بعد، أولى البشارات التي أشارت الى قدوم السيد المسيح، فصارت العرافة كيومي بسبب هذه النبوءة، التي جاءت قبل ميلاد المسيح، من إحدى أهم رموز الدين المسيحيّ على الإطلاق، وقد أبدع العديد من الرسامين في تجسيدها، إذ رسمها دومينيكو في العديد من أعماله الرائعة، كما أجادها رفائيل وجان فانن إيك ومايكل أنجلو وغيرهم من عمالقة الرسم في عصر النهضة وبعده.
لقد أطلق على العرافة كيومي هذا الاسم نسبة إلى المستعمرة اليونانيّة القديمة كيوما، الواقعة غرب إيطاليا، ويحكى أن تلك العرافة سكنت إحدى الكهوف بها وكانت تسطر نبوءاتها على أوراق الشجر وتعلقها على باب الكهف الذي تسكنه، فتبعثرها الرياح في كل أنحاء المستعمرة إن لم يحظ بها أحد.
ذُكرت العرافة كيومي في الأدب الروماني في غير محل حيث أشار إليها الشاعر أوفيدوس في كتابه “التحولات” وفيرجيل “ملحمة الإلياذة” وقد وُصف الكهف في هذه الأسافير بأنه كثير البوابات التي تنقل أصداء نبوءات العرافة إلى العالم الخارجيّ وفي عام ١٩٣٢ اكتشف أحد علماء الآثار (أميدو ميوري) خلال حفرياته في مقاطعة كيوما المكان الذي يزعم أن العرافة كيومي كانت تقطنه حيث أثبت عبر أبحاثه أن تضاريس ذلك المكان وبنية الكهف به تتوافق تماما مع ما ذكره فيرجيل في ملحمته. كما قامت فيما بعد الروائية الإنجليزيّة ماري شيلي بتحرير إحدى نبوءات كيومي تناصا واستعارة في كتابها الشهير “الرجل الأخير” والذي تروي فيه قصة أول شخص يعيش في القرن الواحد والعشرين وأن هذا القرن سيشهد نهاية العالم بقدوم وباء سيقضي على البشرية جمعا.