
ذات الخِمار
ألكسندر روزلين ١٧١٨ – ١٧٩٣
د . محمد بدوي مصطفى
عُرف عن هذا الرسام بولائه لطبقة الارستقراطيين وكان دؤوبا لبيع لوحاته لديها، لا سيما في بلاط الملوك وقصور الخاصة من الطبقة الرفيعة من الأمراء والوجهاء بدواوين الدولة التي كان نهجها البزخ والترف والحياة المترعة. يعد ألكسندر روزلين مثالا حيّا يوثق ويجسد هذه الصلات الوثيقة بين جماعة الرّسامين والطبقات الغنيّة. وبالنظر إلى القصور والمتاحف العامة نجد أن أعظم الآثار الفنيّة التي تتضمنها، هي من وحي طبقة الأغنياء بأوروبا فكانت ثرواتهم لا تعد ولا تحصى وكان لهث أهل الفن إليهم عظيما، يأتون إليهم راجلين من كل صوب وحدب.
امتهن روزلين حرفة الرسم وحرفية التعامل مع اللون والمقادير لدى معلمه جورج إنغلهارد شرودر ودأب معه يحترف ويرسم ويتعلم وينسخ ببراعة فائقة وقدرة منقطعة النظير روح معلمه إلى أن وصل إلى درجة من العلم والمعرفة والإدراك فأيقن حينها أن وصل إلى درجة من الثقة بالنفس والمعرفة الفنيّة لا تمكنه من أن يحصد المزيد من أستاذة، لذلك عليه أن يرحل لطلب المزيد الوافر من الصنعة وينبغي عليه أن يهاجر في بلاد الله الواسعة في سبيل طلب اللون والنَفَس الجديد، الروح المتميزة والتجسيد الفريد، باحثا عن لونه الشخصيّ وجرّة ريشته المتميزة فكانت باريس إذذاك مكة الفن وفاتيكان الجمال فقصدها لا يلوي على شيء إلا وأن يحترف هذه المهنة. هجر إيطاليا واستقر به المقام ببلاد جان فال جان، والتحق بأكاديمية الفنون الجميلة الملكيّة في عام ١٧٥٢ وعقد صلات واسعة ووثيقة بأهل الفن من بينهم الأستاذ والمعلم بالأكاديميّة فرانسوا بوشيه ومن خلال هذه الصلة الحميمة فتح الله له أبواب الرزق على مصراعيها وحقق من النجاحات ما لم يخطر لأحد ببال وعندما وافته المنيّة في عام ١٧٩٣ كان من أثرى الفنانين بالمدينة.
تميز روزلين بأسلوب ساحر في تجسيد الأحاسيس الداخلية المنبثقة من أنفاس الشخصيات التي انتقاها وكرّس جهده في أن يخلدها على شاكلة عمل فنيّ وحسب اعتقاد النقاد أن إحدى أعماله الخالدة ستظل بورتريه “ذات الخمار” وتعتبر أعظم لوحة تم عرضها في صالون باريس على الإطلاق على حسب شهادة الأديب والفيلسوف الفرنسي ديدرو في عام ١٧٦٩. جسد فيها هذه المدام بابتسامتها الفاترة التي إن دلّت فإنما تدل على ملوكية دلالها وعظمة شخصيتها ونقاء سريرتها في الحبّ والغرام. والمدهش أن السيدة لم تنتمِ لهذه الطبقة الأرستقراطية ولم يكن لها مكانا مرموقا في صحن المجتمع الفرنسيّ بل كانت زوجته فحسب، نعم زوجة الرّسام، المدعوة ماري سوزان غيروست. أراد روزلين ساعتئذ أن يجسدها بهذه الملوكية وأن يخلد لها شأنها وأن تكون العظمة لبساها وهندامها، مقارعة بأولئك الذين يدفعون له المال ليجسد حيواتهم الزائفة والخاصة وحيوات أفراد أسرهم وكأنه بذلك يقول: أستطيع وبدون المادة أن أرفع من شأن أي إنسان وإني على ذلك لقدير! يعتقد النقاد أن تجسيده لهذه اللوحة بواقعيّة مغريّة ومستفزة قد أثار الإحساس بالغموض بحيثياتها، لا سيما فيما يتعلق بعلاقته الشخصية هو كرجل بالمرأة عموما وبالأنوثة فضلا عن الإغراء، شيء يثير الإحساس بعلاقة حب متزمت، ولهٍ أرثوذكسي وغرام ملتزم، فهل يا ترى كانت علاقته بها على هذه الشاكلة؟!