ثقافة وفن

آيزاك آزيموف (1)

القيصر ألكسندر الثالث ورحيل اليهود

هذه ترجمة بتصرف لمقابلة أجراها سوافيك فويتوفتش مع الكاتب الروسي المولد أمريكي الجنسية آيزاك آزيموف. جرت هذه المقابلة يوم 27 أغسطس من العام 1988 بمدينة نيويورك الأمريكية. ولد آيزاك آزيموف في 2/1/1920 بمدينة بتروفيتشي الروسية التي تقع بالقرب من حدود بيلاروسيا، ينحدر آزيموف من أسرة من اليهود الأشكناز، أسرة هاجرت للولايات المتحدة أثناء موجهة تهجير اليهود من روسيا؛ تلك الموجة التي بدأت بعد هجمات البوغروم Pogrom التي وقعت ضد اليهود الروس عام 1882 بمباركة القيصر ألكسندر الثالث والذي إتخذ موقفاً مفصلياً حينما أصدر قوانين أجبر فيها اليهود على الرحيل، ولاحقاً قام البلاشفة بمواصلة نهج الإمبراطور وطبقوا قوانينه التي كتبها قبل رحيله عن العرش، وعن الحياة ذاتها، وعند قيام الإتحاد السوفييتي عام 1920 كان مليوني يهودي قد غادروا روسيا؛ ومنهم كانت أسرة آزيموف. على الرغم من الأصول الروسية لآيزال إلا أنه لا يتحدث اللغة الروسية مطلقاً، فوالديه كانا لا يتحدثان معه إلا اللغة اليديشية Yiddish التي يتحدثها أغلبية اليهود الأشكناز في شرق أوروبا، بالإضافة إلى اللغة الإنجليزية. نشر آزيموف أكثر من 520 كتاباً أثناء حياته. أما سلافيك فويتوفيتش فهو فنان تشكيلي بولندي متخصص في رسومات الخيال العلمي وكاتب قصص قصيرة، ونشر قد أول كتاب له بعنوان (Daydreaming) في العام 2004م. قيمة هذا الحوار تأتي من أنه من الحوارلت القليلة تمت مع آزيموف المعروف بأنه شخصية منعزلة عن المجتمع ولا يحب الخروج من منزله إلا نادراً، وهو لا يقوم بالإدلاء بأي إفادات للصحف إلا نادراً، وكذلك قيمة الحوار من أنه آخر حوار أجري معه قبل وفاته في العام 1992 نتيجة لمضاعفات مرض الأيدز الذي أصيب به في ديسمبر من العام 1983 أثناء عملية نقل دم.

حاوره سوافيك فويتوفتش

ترجمة: طلال الناير

> حسناً. لقد ولدت في الإتحاد السوفييتي في العام 1920، أتيت إلي الولايات المتحدة الأمريكية برفقة أسرتي في العام 1923 وعشت في نيويورك منذ ذاك الحين. لقد نلت شهادة الدكتوراه من جامعة كولومبيا في العام 1948. أنا متزوج ولدي طفلان من زواجي الأول. بدأت بقراءة كتب الخيال العلمي منذ التاسعة من عمري. بعت أول قصة لي وأنا في عمر الـ18، وبعت حقوق أول كتاب وأنا في الثلاثين، ومنذ ذلك الحين قمت بنشر 394 كتاب، ولدي خمسة وعشرين كتاباً تحت الطبع، هذه الكتب تتنوع موضوعاتها بين الغموض والتشويق، بعضاً منها للأطفال، والبعض منها كتب علمية صرفة، كتابات أدبية، كتابات ساخرة، وميثولوجيا، أنها كتب عن أي شئ أستطيع التفكير فيه.

< هلا تفضلت بإخبارنا بجدول مواعيدك اليومي؟

> في هذا الصباح قمت بإنهاء كتابة مقالي العلمي الأسبوعي لصحيفة Los Angeles Times، حالياً أعمل على رواية، أنها نصف مكتملة في مسودتها الأولي. وقريباً سأبدأ في كتابة مقالي الشهري لمجلة Fantasy and Science Fiction.[1] وحالياً أقوم بتأليف كتاب ضخم بعنوان (تاريخ العلم) بدأت بكتابته في العام 1945، إنها أربعون عاماً من الإرهاق. لذا فأنا لدي الكثير من العمل لأقوم به.

< الأ يوجد لديك أي وقت للقيام بشئ آخر بجانب الكتابة؟

> كل ما أفعله هو الكتابة فقط، فعلياً أنا لا أقوم بأي شئ آخر سوى الأكل، النوم والتمشي مع زوجتي.

< هل تعتكف على كتابة رواية ما؟

> الرواية أسمها “Nemesis” [2] وهي ليست جزءً من سلسلة روايات قمت بها من قبل، إنها ليست مثل روايات “Foundation” [3]  ولا حتي “Robots” [4]، إنها شئ مختلف تمام الإختلاف.

< ما هي مخططاتك بالنسبة للمستقبل؟ أي المواضيع سوف تقوم بمناقشتها؟

> ليست لدي خطط محددة، أنا أواصل فقط إنتاج رواياتي وتطويرها. عادة ما يقوم الناشرين بطلب شيئ لهم وهو ما يحدد لي ما سوف أقوم به لاحقاً.

< هل قمت من قبل بكتابة سيناريو من أجل أفلام الخيال العلمي؟

> لا. أنا لا أملك الموهبة لفعل ذلك، وأنا لا أود الأختلاط بمحيط هوليوود. فإذا أرادوا هم إنتاج فيلم من أحد رواياتي فأعتقد بأنهم يجب أن يجدوا شخصاً آخر للقيام بكتابة السيناريو.

< هل سمعت بأي خطط لتنفيذ سيناريو من أجل سلسلة روايات “Foundation”؟

> أوه! القاصي والداني تحدث معي عن القيام بهذا الأمر، ولكن حتي الآن لم يتجرأ أحدهم للقيام بشئ ودفع المال من أجل التنفيذ.

< هل أحببت أغلفة كتبك؟ هل تتدخل لإدراج تفاصيل وتصاميم الأغلفة؟

> أنا لا أتدخل مطلقاً في تفاصيل أغلفة الكتب، الناشرين هم من يتولى مسئولية هذا العمل داخلياً فيما بينهم، هم لم يقوموا بتوجيه أي سؤال لي، وأنا لم أتقدم لهم بأي نصيحة، وذلك لأن موهبتي الفنية تساوي صفراً كبيراً.

< ما هو رسامك المفضل في مجال الخيال العلمي؟

> حسناً، هناك العديد من الفنانين الذين يثيرون إعجابي، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: مايكل ويلان[5]وبوريس فاييخو،[6]هذين الأثنين من بين المفضلين بالنسبة لي. لقد أدهشوني، ولكن هذا لا يعني شيئاً بالضرورة، فما أعلمه بأنني لا أملك أي موهبة فنية.

< هل قمت بمحاولة رسم أي شئ من أجل نفسك؟

> لا! إنني لعاجز حتى رسم خط مستقيم بالمسطرة!

< ما هو رأيك في التغيرات الحالية بمجال الخيال العلمي؟

> حسناً، للحقيقية، لقد قدمت نفسي للقراء في وقت مبكر وأكثر سهولة، ومنذ ذلك الحين وأنا موجود ها هنا. بطريقة أخري؛ الروايات التي قمت أقوم بكتابتها في العام 1989 تشبه كثيراً الروايات التي كتبتها في الأربعينات والخمسينات، على ما يبدو بأنها أصبحت موضة قديمة بعض الشئ. ولكن لحسن الحظ فأن القراء لا يزال يقبلون على قراءتها على أي حال …

< هل تحب الفانتازيا؟ قصص تولكيين؟[7]

> أنا معجب بشخص تولكيين نفسه، لقد قمت بقراءة روايته خمس مرات. ليس لدي متسع من الوقت للقراءة هذه الأيام، أنا أخبرك صدقاً. عندما تقوم بالكتابة بالغزارة التي أكتب بها سوف لن تجد متسعاً من الوقت للقراءة. وللمزيد من المبالغة، فأنا عندما أقرأ فانني أبحث عن جرائم القتل الغامضة والقديمة، فأنا شخص عتيق الطراز و…

< ماذا عن رسوم الكوميكس؟

> نعم! الكوميكس فن بديع ولكن ليس لدي شئ أقوم به حيال ذلك، ولكن إذا أراد شخصاً ما تحويل أحد رواياتي إلى رسومات كاريكاتيرية مسلسلة سأطلب منه فقط أن يجعلها أعمالاً جيدة، هذا كل ما أطلبه.

< أي نوع من الخيال العلمي تفضل؟

> ما أفضله بشدة هو الطراز القديم، لقد وجدت صعوبة بالغة في إستيعاب التجارب الأساليبية الحديثة. لذا، فأنا أبحث عن قصص بسيطة من الصنف الذي أكتبه.

< معظم القراء يبحثون عن ذلك النوع من الكتابات التي …

> أنا سعيد لأنهم كذلك، وذلك لأنهم سوف يجدون ما يصبون إليه في كتاباتي، وأنا قادر على تحقيق ما يعيشون من اجله.

< هل لديك كُتاب مفضلين في المجال؟

> الكاتب المفضل لدي هو آرثر كلارك،[8] أنا أيضاً أحب فريد بول[9] ولاري نيفن[10] وآخرين من ذوي الأفق المفتح، أحب أيضاً هارلين إلسون[11] على رغم أن قصصه مضطربة عاطفياً. إنني لا أعتبر نفسي قاضياً للحكم على الكتابات الجيدة، ولا حتى على كتاباتي الخاصة.

< وماذا عن الكُتاب ذائعي الصيت؟

> أنا لا أقرأ لهم كثيراً. للآسف، أغلب ما أقرأه هو كتابات مغايرة للخيال العلمي: الكتب الجديدة في العلوم، الرياضيات، وأشياء من هذا القبيل. كل الكتابات التي أنجزها؛ بإستثناء رواياتي، إنما هى كتابات علمية بحتة. يستوجب عليّ أن أكون مواكباً للعلم، وهذا ما يشكل أغلبية ما أقرأه.

< هل في مخزونك رؤية لمستقبل البشرية على المدى المنظور؟

> لدي العديد من الرؤي، بعضها متفائل، وبعضها متشائم، وكلها تعتمد على ما نفعله. يمكنني رؤية عالماً مُحَوسبْ تقوم فيه الروبوتات بالأعمال الرتيبة، أو فضاءٌ يتوسط عالماً فيه الناس يتحركون جيئةً وذهاباً في مدار حول الأرض ويصلون للنيازك. يمكنني أيضاً رؤية عالمٌ ملوث يستعر بالحرب النووية، عالم تختفي فيه جودة الحياة وندمر فيه أنفسنا بأنفسنا. لا شيئ يتوجب فعله، فكل شيئ يعتمد كلياً على ما نقرر فعله. من الطبيعي إنني أود رؤية حضارة تستمر وتتطور، وأعتقد بأن الجميع يريد ذلك. ولكن، مازال الناس يصرون علي القيام بأفعال تؤذي الأنسانية.

< عندما كتبت لك رسالة مفادها بأنه من العظيم العيش في عالم تقدم خمسين عاماً (مقارنة بين أوروبا الشرقية والولايات المتحدة الأمريكية)، أنت لم توافقني الرأي … لماذا؟

> حسناً. إنك دوماً تستطيع مواكبة التكنولوجيا، فقبل مائة عام وضعت اليابان في مرادها اللحاق بركب أوروبا الغربية، فعندما يكون لديك نموذج تريد الوصول إليه فهذا شئ سهل. ولكن التقدم، كما نقوم به، يعني فيما يعني إننا غالباً نقوم بتلويث البيئة أكثر مما فعلت أي أمة من قبل، ونحن نستهلك الموارد بشكل أكثر تبديداً. هذه الأفعال ليست مثيرة للأعجاب بأي حال من الأحوال، فليس كل “تطور” يعني أنه تطور.

< إذا خُيرت لإنتقاء مكان أو زمان لتعيش فيه فماذا سيكون إختيارك ولماذا؟

> سأود أنا أكون هنا، في هذا الزمان وهذا المكان، لقد أعتدت على هذا العالم، أنا أدري كيف أعيش فيه لمدة طويلة، وهذا العالم فيه من الأشياء ما لا أود التخلي عنها؛ الطب الحديث على سبيل المثال، فبدونه لكنت الآن جثة هامدة بلا شك. لقد كنت أعاني بشدة من ضيق شرايين القلب ولم أظن بأنه يمكنني الحياة لمدة طويلة، قمت مؤخراً بإجراء جراحة لزراعة ثلاثة من الشرايين التاجية في القلب وأشعر الآن بأنني بخير. لقد أزيلت نصف غدتي الدرقية منذ ستة عشر عاماً لأنها كانت مُسرطًنة. لولا ذلك لكنت الآن ميتاً، على الأغلب. لذلك فأنا لا أنظر للحياة مستقبلاً بسهولة بدون المضادات الحيوية والعمليات الجراحية وخلافه. في الماضي كان هناك أيضاً عبيد، ومن يعلم؟ لربما جُعلت عبداً. سوف أعيش الحياة كلها، الآن، وسوف أعيشها بكل ما فيها من إخفاقات.

< ما هو بإعتقادك الحاجز الأصعب في طريق حلحلة وفك شفرة نظريات السفر فيما بين النجوم والمجرات؟

> الشئ الأكثر إستحالة هو سرعة الضوء، فطالما نحن لا نستطيع السفر بسرعة تفوق سرعة الضوء فإننا لا نستطيع طول حياتنا الوصول لاي نجم، ولا نستطيع حتى بلوغ للنجم الأقرب إلينا. في حال إقتربت السرعة من سرعة الضوء فلعل البشر الذين يسافرون، قبل أن تنتهي حياتهم، سوف يبلغون حدود المجرة، ولكن هنا، على سطح الأرض، سوف تمضي ملايين السنين، ولن يستطيعوا أبداً العودة لعالمهم الذي تركوه خلفهم. أخشي بأنه لا وسيلة لقهر ذلك الـ …

< في رواياتك الناس يسافرون بأقصي من سرعة الـ…

>  هذا صحيح، ولكن هذا في الروايات فقط! لا يتوجب عليك أبداً إرباك واقعك بأحلامك. أنه من الجميل أن تحلم، أنه من المرح أن تحلم، ولكن … إذا أعتقدت أنت بأن أحلامك أصبحت متماشية مع الواقع فأسمح لي بأن اقول لك بأنك ليس عاقل بما فيه الكفاية… أنا شخص عاقل، وأنا أعلم ما هو الواقع وما هو الحلم.

< معرفتنا وتقييمنا للعالم مؤسس على نظريات أنشتاين النسبية العامة[12]والتي يمكن أن تستبدل بنظريات أفضل منها مستقبلاً، تماماً كما حدث مع نظريات نيوتن التي…

>  أنا أدرك ذلك! وأنا في كتابتي دائم الحرص علي  تبيان أنه توجد الكثير من الأشياء التي لا نعلمها، والنظرية النسبية العامة لـ(أنشتاين) تنتمي للعالمنا. لربما تستطيع الخروج من هذا الكون، ولربما هناك إحتمال بوجود قوانين أكثر عمقاً نحن لم نفهمها بعد… أنا أقول كل شيئ، فأنا كاتب جيد للخيال العلمي، وأنا لا أريد القيام بأشياء بدون محاولة توضيحها. ولكنني أنا في الحقيقة غير مقتنع بكل ذلك.

< أحقيقة إنك لا تحب السفر؟

>  أنا لا أحب السفر مطلقاً! طوال حياتي لم أقم بركوب طائرة وأنا لا أحب التواجد خارج منزلي لفترة طويلة. أنها حياة مبسطة، وهذا يعني إنني أقوم برفض كل الدعوات للسفر لمسافات طويلة، وعادة لا أقوم حتى بالرحلات القصيرة. أنا أظل هنا طيلة الوقت برفقة الآلة الكاتبة، مع كتبي وحياتي الهادئة التي أحبها.

< إذن فأنت لن تلبي دعوتنا لحضور مؤتمر بولكون[13]المزمع إنعقاده في ديسمبر القادم في مدينة غدانسك؟[14]

> للآسف أنا أخشى بأنني لن أستطيع تلبية دعوتكم! لا أظن بأنني أستطيع الذهاب إلي مدينة نيو أورليانز، أعتقد بأن مؤتمر العام القادم سوف يكون في مدينة بوسطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق