سلايدرسياسة

زيارة وزير الخارجية الأمريكي للسودان والعلاقات مع إسرائيل

صلاح جلال

أعلن وزير الخارجية الأمريكي (مايك بمبيوا) عن زيارته للسودان هذا الأسبوع، وإنه سيلتقى فخامة رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان ومعالى رئيس الوزراء د. عبدالله حمدوك، وسيكون في استقباله وزير الخارجية المكلف السيد عمر قمر الدين، سيصل الوزير الأمريكي إلى الخرطوم من إسرائيل بعد لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وسيغادر الوزير من الخرطوم  إلى المنامة ومنها إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، خط سير رحلة الوزير  قال كل شئ عن مضمون ومعنى الزيارة ولا يحتاج لشرح أصدق تعبير عن الدبلوماسية الصامتة(  Action In play ).

الزيارة على هذا المستوى العالي للسودان، بعد شبه قطيعة وعلاقات عدائية على مدى ثلاثين عام عمر النظام المباد،  مع الولايات المتحدة الأمريكية، تعنى بوضوح أن سودان الثورة ليست دولة راعية للإرهاب، وأن الولايات المتحدة الامريكية ترى  خروج السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب يرتبط بعودة العلاقات الدبلوماسية بين السودان وإسرائيل، على حكومة السودان ممثلة فى الحرية والتغيير ومجلس الوزراء ومجلس رأس الدولة، النظر لهذه الرسالة بهذا الوضوح، ويدركوا أن العلاقات الدولية فى عالم اليوم( In Realistic Terms ) لا تقوم على المواقف الأخلاقية  أو العدالة فقط، بل تقف على منطق القوة والإكراه والمصالح الدولية والاقتصاد أيضاً.

نحن في السودان مسئولين عن مصالح ٤٠ مليون مواطن، ينتظرون رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب،لينفتح الطريق أمامهم للعودة إلى التعاون مع الاسرة الدولية، وصناديق التمويل العالمية، وإلغاء الديون وفق مبادرة (الهيبك) للدول المثقلة بالديون و من أجل الحصول على رأس المال والتكنلوجيا، ونسج شراكات ذكية مع دول العالم،  السودان كدولة غنية بالموارد مياه وأرض زراعية، وثروة حيوانية ومعادن، إذا كان الباب الوحيد المتبقي للسودان والانفتاح على مصالحة، هو شرط متعسف بإقامة علاقات دبلوماسية مع دولة إسرائيل، يجب ان تتحلى القيادة السياسية في السودان بالواقعية، والإدراك الواعي لإكراهات السياسة، واعتبار العلاقة الدبلوماسية  مع إسرائيل  فدية يجب دفعها (Rand Sum )، هنا تتجلى شجاعة القيادة وحكمتها وترجيح مصالح الشعب على ما عداه من مصالح، النفس أولىّ من الصاحب.

إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ليست نهاية التاريخ، فقد سبقتنا  لذلك أكبر دولة عربية فى الشرق الاوسط  جمهورية مصر العربية، وأكبر اقتصاد في الشرق الأوسط  ممثل في دولة تركيا التي تتمتع بعلاقات دبلوماسية وتجارية مع إسرائيل  تتجاوز عدة مليارات من الدولار ات سنوياً، والآن انضمت للعلاقات الدبلوماسية بالإضافة إلى الأردن وموريتانيا ثالث أكبر اقتصاد في الشرق الاوسط  دولة الإمارات العربية المتحدة، السودان ليس استثناء أو قاعدة شاذه لرعاية مصالح شعبه ومواجهة إكراهات السياسة، إذا كان الخيار الصعب (العزلة الدولية أو الاندماج)  من خلال رفعه من قائمة رعاية الإرهاب الدولي التي تعطل انطلاق السودان نحو التنمية والاستقرار، الشعوب لا تقتات على الشعارات مهما كانت أخلاقية  وبراقة، تعلوا عليها قضايا، القوت والنقود والدواء( الجوع أخو الكفر )، وأطعمكم من جوع وآمنكم من خوف.

الشرق الاوسط وقضيته المركزية فى فلسطين، لن تحل بالحرب، وليس هناك أي اتجاه لحرب شاملة ومقاطعة كاملة من أجل القضية الفلسطينية، التوجه الحقيقي الآن نحو الحل الدبلوماسي والسياسي، الذى يقوم على الاتصال والحوار (Active Engagement)، هذا النوع من الحلول لا يتناقض مع العلاقات الدبلوماسية،  التي لم تقف حجر عثرة أمام تركيا أو مصر أو الامارات العربية  أخيراً، امام هذه الدول من دعم القضية الفلسطينية العادلة في المطالبة بالوضوح بمبدأ  الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، القارئ للمستقبل يرى بأنوار كاشفة ملعب المنطقة السياسي، التوجه لتطبيع العلاقات مع إسرائيل في دول الشرق الأوسط، التي أعتقد ستتأتى لها في الايام القادمة كل من المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين وعمان  ستأتي مهما تأخرت بقراءة معطيات الواقع والتوجهات الإقليمية والدولية، فلا يصلح أن تدعى  الكاثوليكية  أكثر من بابا نفسه.

على السودان عدم إهدار فرصة زيارة وزير الخارجية الأمريكي القادمة، وأن تكون القيادة السياسية ممثلة فى قوى الحرية والتغيير، والحكومة المدنية، ومجلس السيادة على مستوى من الشجاعة والوضوح والواقعية، حول مصالح الشعب السوداني أولاً، وتوضيح موقف السودان الثابت من القضية الفلسطينية في حل الدولتين، وفق قرارات الجامعة العربية  والجمعية  العامة للأمم المتحدة، وأن السودان سيقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل لرعاية مصالح شعبة ولا يقايض بذلك التنصل عن حقوق الشعب الفلسطيني  في الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية،اللحظات التاريخية الحاسمة تحتاج شجاعة نادرة ووضوح رؤية ثاقبة  زيارة وزير الخارجية فرصة يجب أن تحسم فيها كل الملفات المعلقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، لمصلحة الشعب السوداني أولاً وثانياً وثالثاً.

خاتمة

الحرب والسلام خيارين متساويين في النتائج، الحرب هي السياسة والدبلوماسية فى شكلها الآخر والعكس، نستشهد بقول الشاعر العبقري عكير الدامر، مخاطباً السيد عبد الرحمن المهدى بخصوص مواجهة والده للإنجليز بالحرب ومواجهته هو لهم بالدبلوماسية من أجل الاستقلال، أنشد عكير الدامر قائلاً

جهاد المهدى سيف سلاه يلمع ضاوي

حكموا في الرقاب ألفى الشرع بتلاوي

إنت جهادك الليّن بالهداية تداوى

مختلفة السيوف إلا الضرب متساوي

زيارة بمبيو للسودان فرصة يجب إدراكها بالحكمة والشجاعة والواقعية والصراحة والوضوح مع الشعب (بلا غتغتة أو دسديس)، العلاقات الدبلوماسية تعبير عن مصالح وليست خيانة لمبدأ أو هزيمة لقضية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق