
ساعة لعقلك
ارتد الكمامة
د. علي عفيفي
“غير مسموح بالدخول بدون كمامة”، عبارة نراها في كل مكان منذ بدأ انتشار مرض الكورونا (SARS-CoV-2)، ولكنها مع الأسف فقدت معناها تدريجياً حتى تحولت في مصر إلى ما يشبه عبارات “التزم بالسرعة المقررة” و”ارتدي حزام الأمان” التي نراها على جانبي الطريق ولا نلق لها بالاً.
في زيارتي الأخيرة إلى مصر، لاحظت أن الكثير من المحلات والمجمعات التجارية تجبر مرتاديها على ارتداء الكمامات أثناء الدخول، ولكنها تسمح لهم بخلعها بعد ذلك. على الجانب الآخر، تظاهر الكثيرون في ألمانيا وإسبانيا والولايات المتحدة احتجاجاً على فرض الحكومات ارتداء الكمامة في الأماكن العامة. فما السبب إذن في رفض الناس لارتداء الكمامة رغم إصرار الحكومات على ضرورتها؟ يرجع ذلك في رأيي إلى غموض الخطاب التوعوي منذ البداية، فأهمية الكمامة لم تكن واضحة للخبراء أنفسهم. السبب في ذلك هو أن الكمامات تمنع عبور بعض الجسيمات الفيروسية أو معظمها (على حسب نوع الكمامة) ولكنها تسمح بعبور البعض الآخر. ولذلك شكك الكثيرون في قدرة الكمامة على حماية مرتديها، وأكدوا أن دورها يقتصر فقط على حماية الآخرين من العدوى، عن طريق منع انتشار الرذاذ أثناء السعال أو العطس. ولكن هل هذا صحيح؟ أم أن الكمامة قد توفر لمرتديها بعض الحماية؟
من المعروف أن شدة الإصابة بأي فيروس تتناسب طردياً مع عدد الفيروسات (أو الجرعة الفيروسية) التي تعرض لها الجسم في البداية1-3. هل ينطبق ذلك على فيروس الكورونا إذن؟ من الناحية النظرية، نعم. وفي تلك الحالة، فالكمامات التي تمنع عبور معظم جسيمات فيروس الكورونا قد تساعد ليس فقط على تقليل انتشار العدوى، ولكن على تقليل شدة المرض، في حالة حدوث العدوى بالفعل.
لاختبار تلك الفرضية تجريبياً، قام العلماء بإجراء عدوى صناعية على عدد من حيوانات الهامستر. ثم قاموا بوضع حاجز من نفس المادة المصنوع منها الكمامات الطبية بين الحيوانات المصابة والسليمة، فوجدوا أن ذلك الحاجز أدى إلى انخفاض نسبة العدوى في الحيوانات السليمة إلى 25%. المثير هو أن الحيوانات التي أصيبت بالعدوى في هذه التجربة لم تظهر عليها غير أعراض طفيفة، مما يؤكد قدرة الكمامات الطبية على تقليل شدة الإصابة، وليس فقط على تقليل احتمالات حدوثها كما كان يعتقد من قبل4. إضافة إلى ذلك، لاحظ العلماء مؤخراً أن حوالي 40-45% من المصابين بفيروس الكورونا لا تظهر عليهم أي أعراض، بينما كانت تلك النسبة أقل بكثير (حوالي 15%) قبل أن ينتشر استخدام الكمامات، وهو ما يشير إلى دور الكمامات في تقليل شدة الإصابة بمرض الكورونا5.
ماذا يعني كل ذلك إذن؟ يعني أن الكمامات، وخاصة الطبية منها، توفر مستويين من الحماية لكل من مرتديها والمحيطين به: الأول، هو أنها تقلل من احتمالات انتقال الفيروس من شخص مصاب إلى شخص سليم. والثاني، أنه في حالة وصول الفيروسات إلى الشخص السليم، فعدد الأجسام الفيروسية التي تدخل الجسم تكون أقل بكثير وبالتالي تكون الإصابة طفيفة، مقارنة بمن يصابون دون ارتداء الكمامة. إذن فالمراهنة على عدم فعالية الكمامات الطبية هي مراهنة خاسرة تماماً، والخاسر الوحيد هو أنت، وليس الحكومات التي تتهاون في فرض ارتداء الكمامة في الأماكن العامة.
مصادر
• McKenney DG, Kurath G, Wargo AR. Characterization of infectious dose and lethal dose of two strains of infectious hematopoietic necrosis virus (IHNV). Virus Research 214: 80-9 (2016).
• Tao X, Garron T, Agrawal AS, et al. Characterization and Demonstration of the Value of a Lethal Mouse Model of Middle East Respiratory Syndrome Coronavirus Infection and Disease. Journal of Virology 90 (1): 57-67 (2016).
• Memoli MJ, Czajkowski L, Reed S, et al. Validation of the wild-type influenza A human challenge model H1N1pdMIST: an A(H1N1) pdm09 dose-finding investigational new drug study. Clinical Infectious Diseases 60(5): 693-702 (2015).
• Chan JF, Yuan S, Zhang AJ, et al. Surgical mask partition reduces the risk of non-contact transmission in a golden Syrian hamster model for Coronavirus Disease 2019 (COVID-19). Clinical Infectious Diseases (2020). doi.org/10.1093/cid/ciaa644
• Gandhi, M., Beyrer, C. & Goosby, E. Masks Do More Than Protect Others During COVID-19: Reducing the Inoculum of SARS-CoV-2 to Protect the Wearer. Journal of General Internal Medicine (2020). doi.org/10.1007/s11606-020-06067-8