ثقافة وفن

بيوت من طين … الريف بعيون الحسن بلعربي

مدينة الناظور في سبعينيات القرن الماضي

 مدينة الناظور تلك المدينة المغربية الساحرة القابعة على سلسلة جبال الريف والتي تحمل بين ثنايا سهولها ووديانها وطيات هضابها وتلالها الكثير من حكايات عبق التاريخ والذي بصم في الذاكرة التاريخية للمدن البحر الأبيض المتوسطية إنها نغمة وحكاية أغنية يا جبال الريف علاش تكذبي؟ وتباني قدامي فرحانة والتي خلدتها فنانة الشعب المغربية سعيدة فكري. ولاكتشاف هذه الزاوية الماضوية لهذه المدينة الأبية يخرج علينا الدكتور حسن بلعربي سليل مدينة الناظور بكتاب يخلد ذكرى هذه المدينة  بشكل خاص وذكرى منطقة الريف بشكل عام  في عمله الأدبي الجديد باللسان الإسباني ” hogares de barro ” بيوت من طين .

 وهو كتاب يسرد الكثير من ذكريات الكاتب التي عاشها في طفولته   للأحداث أهل الريف وقصص الشخصيات التي خلدها الكاتب في كتابه الماتع والممتع ” بيوت من طين “والتحولات الثقافية والاجتماعية التي مرت  بها منطقة الريف في القرن العشرين.   بيوت من طين هي ذلك البلد الذي لا يريد أحد أن ينساه 

 وعطفا على ما سبق فقد حملت عدة أسئلة إلى الكاتب الحسن بلعربي في محاولة لسبر بعض اغوار عمله الأدبي الجديد من خلال هذا الحوار:

حاوره عبد الحي كريط

< بداية اشكرك على موافقتكم الكريمة لإجراء هذا الحوار مع جنابكم الكريم، عند قراءة عنوان الكتاب بيوت من طين يشدنا الحنين إلى الكثير من الذكريات التي عشناها في جبال الريف الممتدة من الناظور إلى طنجة ونحن صغار، هل عنوان الكتاب هو انعكاس ذاتي لشعورك تجاه هذا المعطى من خلال رمزية الطين؟ وهي رمزية ذات دلالات جد عميقة في الدين والأدب 

> قبل ان أدخل في التفاصيل، اريد بدوري ان اشكرك واشكر جريدة المدائن على اهتمامكم بروايتي ” بيوت من طين”، ويسعدني ان أكون ضيفا على القراء العرب اينما وجدوا.

فيما يتعلق باختيار الطين كعنوان لهذا العمل، ففي كل الديانات السماوية تبرز مادة الطين أساسية وبداية لكل البدايات. إن هذه المادة، تحت تأثير حرارة النار، تتحول إلى مادة صلبة تقاوم البرودة والحرارة، كذلك الإنسان، فمواجهته للتحديات وصعوبات الحياة تجعله قويا ومقاوما للأزمات. هكذا كان سكان الحي الذي نشأت فيه، فبالرغم من بساطتهم فهم كانوا يتمتعون بحياة غنية، وعاشوا مؤازرين مع بعضهم البعض. ثم إن قناعة هؤلاء حافظت على كرامتهم. فنشأتي بينهم مهدتني وأهلتني لمواجهات الصعاب والتقدم الى الأمام.

 < ما هو السر في كتابة منازل من طين باللغة الإسبانية بدل العربية؟

في الواقع إنني كتبت الرواية باللغة العربية، وكانت نيتي نشرها في المغرب او في إحدى الدول العربية، لكن عندما قرأها صديقي الكاتب والمترجم محمد المرابط اقترح على نشرها في إسبانيا وباللغة الإسبانية، فطلبت منه ترجمة الكتاب، وكان ذلك، ومستقبلا سأنشر النسخة العربية.

< هل الكتاب هو مشروع كان مؤجلا ثم خرج إلى حيز الوجود في زمن الجائحة؟

>لا أبدا، فقد انتهيت من كتابة الرواية منذ مدة، وكانت ستصدر في شهر ابريل، لكن اندلاع الجائحة أجلت صدورها. خلال فترة الحجر الصحي التي عشناها يبن منتصف شهر مارس وبداية يونيو كتبت بعض القصص القصيرة وايضا مقالات رأي.

  < هل اعتمدت في كتابك على مراجع تاريخية لبناء ونسج خيوط شخصيات الرواية؟

بالنسبة لشخصيات روايتي، فقد اعتمدت على ذاكرتي أولا وقبل كل شيء. لقد عايشتهم في فترة السبعينات من القرن الماضي، وأظن أني كنت جد وفيّ في الحكي عنهم، كذلك كتبت عن العادات والأحداث التي وقعت في تلك الفترة بأعين طفل لم يتجاوز العاشرة من عمره. في بعض الأحيان كنت أستعين ايضا بما كانت ترويه لي أمي، أو أخي الأكبر (محمد).

< البعض يصف مدينة الناظور بالمدينة المنسية ما مدى صحة هذا الوصف خاصة وأن كتابك أعاد أحياء المدينة من خلال اللسان القشتالي؟

> في نظري، عرفت مدينة الناظور الكثير من التهميش في فترة ما، لكن منذ بداية هذا القرن وهذه المدينة تعرف ازدهارا كبيرا، وانا أتنبأ لها بمستقبل واعد، فلديها قدرات قد تجعلها من أجمل وأغنى المدن في المغرب بل ومن أجمل المدن على ضفاف المتوسط.

 < هل هناك رسالة سياسية يحملها هذا العمل الأدبي؟

خاصة وأن منطقة الريف تشكل مئذنة حقيقية لبروز عدة تيارات سياسية كان لها الأثر البليغ في تشكيل المشهد السياسي للمغرب العتيق والمغرب الحديث؟ 

 في هذا العمل الأدبي حرصت على أن أقدم للقراء صورة واقعية على أجواء محيطي الى أبعد حد، حيث لم أكتف برسم المعطيات المتصل بذاتي وشخصيتي، بل رسمت تفاصيل حياة معيشية ترجع الى بداية السبعينات من القرن الماضي وتتصل بمجالات عدة: اجتماعية، ثقافية، تربوية، دينية، فنية إلخ.

رسالتي في هذه الرواية إنسانية واجتماعية بالدرجة الأولى، من خلالها أردت مخاطبة الأجيال الناشئة، فأطفالنا وشبابنا هما ضامني مستقبل هذا الوطن، ولابد من شحنهم، وزرع الأمل فيهم. أردت ان يعلموا بأن الظروف التي عاشتها الأجيال التي سبقتهم لم تكن بالهينة ولا بالسهلة ولكنهم لم يستسلموا أبدا ولم يصبهم الإحباط قط، الرواية رسالة حب وأمل.

< كلمة أخيرة للوطن؟

فلتكن رسالة. ونحن نعيش محنة جائحة الكورونا أود ان أكرر طلبا قد دعوت اليه عبر الكثير من المنابر، وهو الإلحاح على أمر في بالغ الأهمية وهو إعادة الاعتبار للتعليم العمومي.

فلنسترجع مكانة المدرس في مجتمعنا، نحترمه ونقدس رسالته ونثمن عمله، لنخرجهم من الاحباط ونرفع من تكوينهم حتى يتمكنوا من اداء مهاهم أحسن اداء، ويكونوا في مستوى المسؤولية العظمى الملقاة على عاتقهم.

لنعمل من أجل مدرسة عمومية منصفة وذات قيمة، لن نكون الوحيدين الذين سيضحون من أجل ذلك، فالتاريخ يشهد لدول أعطت دروسا للعالم أجمع في التضحيات التي قدمتها، حيث خصصت للتربية والتعليم حيزا وافرا من من مداخلها وجهودها.

كوريا الجنوبية مثلا، إبتدأت من الصفر واليوم تعد قوة عالمية من ناحية التكنولوجيا، وتخصص سبعة في المائة من ناتجها الخام للتربية والتعليم، ناهيك عن الهبات التي يقدمها مواطنوها لصالح المدارس العمومية. ثم كوبا التي بالرغم من ظروفها الاقتصادية الناتجة عن الحصار المفروض عليها، استطاعت أن تكون مثالا في جودة التعليم وتعميمه، فهي تخصص 13 % من ناتجها الداخلي للتربية والتعليم، ويعتبر شعبها من الشعوب المثقفة في المعمور، مع تسجيل غياب تام للأمية.

نعم، نحن في أمسّ الحاجة الى مدرسة عمومية ذات قيمة حتى يكون هناك عدل وإنصاف للمواطن البسيط الذي يشكل أغلبية الشعب المغربي. نحن مطالبون بالمزيد من التضحيات، للاستثمار في تربية وتعليم أبنائنا، الأمر لايخص الحكومات والفاعلين الأساسيين في الحقل التربوي فقط، بل يتعدى ذلك ليشمل كل الامة المغربية، فلنخصص صدقاتنا وزكاتنا وخرفان أعيادنا للتربية والتعليم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق