سلايدرسياسة

هل انتهت الكورونا؟

تكيّف مع المرض أم تعميم للأزمة؟

تباعدوا والتزموا بارتداء الكمامة … هكذا تم اختصار الحل!

عماد البليك

تبدو الإجابة على السؤال المطروح، هل انتهت الكورونا؟ غير منطقية أو واقعية، إذ كيف يكون المرض قد انتهى وتلاشى الفيروس ولا زال الوباء يضرب أغلب بلدان العالم وعدد الوفيات يتزايد في الكثير من الدول، ما يدفع إلى السؤال التالي، لماذا إذن اتجهت دول عديدة إلى فك الحصار إذا جازت التسمية وإنهاء العزلة ولو تدريجيا وتهيئة الناس لمرحلة ما بعد الأزمة؟!

في استطلاع حديث للرأي نشرت عنه وكالة الأنباء الألمانية يوم الأربعاء 27 مايو، يظهر أن 20 بالمائة من الأشخاص الذين يحق لهم الانتخاب في ألمانيا يعتقدون أن الساسة والإعلام يبالغون بشكل متعمد فيما يتعلق بخطورة فيروس كورونا ” حتى يخدعوا الرأي العام”، وقد أجرى الاستطلاع لصالح معهد “ديامب” بتكليف من محطة “إن دي آر” الإذاعية.

بغض النظر عن هذه النسبة قليلة كانت أم كثيرة، فثمة تشكيك منذ ظهور الفيروس وإلى اليوم حول هويته الحقيقية إن أمكن الوصول إليها، هل هو شيء مفتعل أم حقيقي!

في تسجيل صوتي متداول لطبيب سوداني، كان قد أصيب بالمرض من سكان منطقة كافوري ذات الثراء، التي يسكنها أغلب مناصري نظام الرئيس المخلوع، قال بإن هناك المئات ربما يحملون الفيروس في ذات الحي، وأشار إلى أن الحل النهائي بظنه ليس في الحظر أو الفتح الجزئي، إنما في الفتح الكامل، وهي نظرية تقول بما يطلق عليه “مناعة القطيع” أو يفضل البعض أن يسميها “المناعة المجتمعية”، إذ لابد لكي تنهي الأزمة أن تجعلها شيئا عاديا، بأن يصاب عدد لا بأس به من المرض ويتحول إلى واقع عادي.

هنا سوف يكون المطروح، هل وصلت الدول التي أقدمت على الشروع في فك الإغلاق إلى درجة تحقيق المناعة المجتمعية أو التشبع الذي يجعل هذا الفيروس عاديا، هذا من جهة.. والإجابة الواضحة ربما تكون هي لا.. بالنظر إلى أن هناك من يرى أن الأسباب الاقتصادية هي التي دفعت السياسيين لاتخاذ قرارات فك العزلة. ما يشير إلى الاستطلاع الألماني سالف الذكر، كما لو أن الإعلام والسياسية يقومان بدور هنا في عمليتي خفض الوتر ورفعه بشأن القرار الذي يجب اتخاذه بل يتحكمان حتى في المعطيات الصحية وقرارات الأطباء داخل المشافي.

هناك بشكل عام التباسات قائمة بشأن فيروس كورونا “كوفيد 19” لا تزال غير واضحة، بل أنه يظل مرضا غامضا في كثير من تفاصيله وتاريخه إلى الطريقة التي يعمل بها هذا الفيروس داخل الجسم، حيث أكثر من نظرية في هذا الإطار، ما يجعل حتى مسألة العلاجات أو اللقاحات نفسها محل تجريب خاضع لأكثر من معطى، وهذا يعقد الوصول إلى حل ناجع وحاسم.

أما الجانب الثاني فهو الأفكار المطروحة تلك التي لها طابع نظرية المؤامرة والغريب أن بعض من يدلي بها هم خبراء في مجالاتهم، كالحديث عن إعادة تشكيل العولمة بسيادة شركات ضخمة في العالم تهيمن على كل شيء بما في ذلك إنهاء الحلاق البسيط واستبداله بشركة على نهج “كي اف سي” الأمريكية للأطعمة، لها وكيل في كل ركن من العالم، بأزياء موحدة وربطات عنق ذات لون معين. أيضا هناك حديث عن رسم جديد متوقع لخرائط السياسة الدولية والعلاقات بين الدول في ظل ما يعرف بصراع الأقطاب في عالم ما بعد الحرب الباردة، الذي آخر ما تجلي في نموذج الصين وأمريكا وحرب ترمب على المنظمات الدولية.

بعيدا عن كل هذا الإرباك الحاصل الذي هو جزء من طبيعة الأزمة الغامضة نفسها لفيروس غير مفهوم، سيظل السؤال القائم، هل انتهت أزمة كورونا؟

أغلب الإجابات الموضوعية أن جزءا من الأزمة تم تصعيده أو خفضه بناء على الاعتبارات ذاتها التي سوف تعمل على إنهاء الأزمة اليوم، كما بدا جليا أن القرار السياسي وليس الصحي هو الذي يتحكم في أغلب المعطيات، لقد كانت الكمامة في البدء غريبة وأنها غير مطلوبة للكل ثم تحولت الآن إلى قرار نهائي ملزم يؤدي عدم ارتدائها إلى الغرامة المالية في كثير من الدول، بناء على مقولة أن الكل “عدو” ويجب الحذر منه، فأنا ألبس الكمامة لكي أحمى الآخرين قبل أن أحمى نفسي، في حين يظن من يرتديها أنه يقوم بحماية نفسه، طالما كانت النفوس البشرية ميالة للأنا في الغالب.

غير أن الجدل ليس فلسفيا بل هو أمر موضوعي وواقعي تنسجه حبال منتظمة قد لا نراها أمامنا بوضوح، بفعل قتامة الوضع الناتجة من تعقيدات أزمة بدأت سريعا، وقد تنتهي بنفس السرعة دون أن نفهم شيئا، وهنا تكمن غرابة المشهد!

في بعض الدول ربما كانت السلطات واضحة في التعبير، كما في تصريح رئيس وزراء جورجيا جيورجي جاخاريا الذي قال بشفافية لشعبه في الجمهورية السوفيتية السابقة: “اتخذنا قرارا بمزيد من تخفيف القيود المفروضة بالنظر إلى المصالح الاقتصادية والاجتماعية لمواطنينا”، مضيفا أن وضع كمامات الوجه في وسائل النقل العام وفي المتاجر سيظل إلزاميا.

يجب التوقف مع كلمة “مصالح” و”مواطن” التي تدل عملية الجمع بينهما إلى حزمة القرارات في دول كثيرة، تجعل من التفكير في مفهوم المصلحة نفسه أمرا معقدا، من يحددها وكيف، وهل في لحظة معينة يكون للمصلحة أن تحكم على مجموعة بالموت مقابل حياة آخرين.

يبدو الأمر عبثيا هنا، وبشكل عام يعكس تصريح رئيس وزراء جورجيا، التفكير في المصلحة العامة بناء على الاعتبارات الاقتصادية والسياسية ومن ثم يقود إلى جدل الكمامة، وهي الصورة نفسها في أغلب العالم تقريبا، كأن يتم تحريك العصي من أسفل الطاولة.

في ملاحظة أخيرة يشعر بها من يشتغل في صناعة الأخبار والإعلام أن ضخ خبر معين من بداية الأزمة إلى اليوم، كأنما يشبه أمرا متفقا عليه، فطبيعة الأخبار تزامنت في فترة معينة لتدعو إلى الإغلاق والتشديد وأن تفعلوا كذا.. ومن ثم انتقل الخطاب الإعلامي الآن فجأة إلى فك التشديد وعودة الحياة.. برغم أنه لا يبدو ثمة متغيرات كبيرة جدا.

هل يريد السياسيون التضحية بشعوبهم؟

وهل يتأمر الإعلاميون والسياسيون والنافذون من رجال الاقتصاد؟

هل نحن في عالم بلا ضمير ولا أخلاق..

أم أننا في غاية الذوق واللطافة والإنسانية كبشر.

هل وهل؟! وكثير من الأسئلة التي تجعل كورونا محل ارتباك مع ازدياد الصورة التي تعمق من اللغز أكثر مما تكشف سره.

إنه تكيف مع المرض أم تعميم للأزمة ليفنى العدد الممكن، بناء على ما يشبه فكرة الحرب إذ لابد أن يموت رقم من البشر وألا لما انتهت المعركة! كل ذلك سوف يكشف عنه مستقبل الزمن، فحقيقة الكورونا بعيدة عن التأويل الراهن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق