ثقافة وفن

قراءات

الله جل جلاله (5)

محمد المنتصر حديد السراج

نواصل مع جاك مايلز رسم صورة الغرب التي هي تجسيد لفهم وتصور الغرب لسيرة الله، بل لله تعالى متجسدا بشرا في الغرب السائد اليوم.

في الجزء الَماضي تحدث مايلز عن الشخصية الرئيسية في الكتاب المقدس وهو يعني الله تعالى، يقول مايلز: الشخصية الرئيسيةProtagonist، في عمل أدبي هي الشخصية التي تقود الفعل وتدفعه قدما، وتعني الكلمة في أصلها اليوناني، الَمقاتل الأول. والشخصية الرئيسة لا تتطابق دوما وبالضرورة مع البطل، لكنها دوما الشخصية المحورية، ويمكن أن يكون لها منافس أو خصم أو شخصية مقابلة Antagonist.

لقد تناقلت اليهودية والمسيحية معرفتهما بالله من جيل إلى جيل وبطرائق شتى. فبالنسبة للبعض، كانت هناك و لا تزال تلك الاتجاهات المتطلبة القاسية، بل والسرية أحيانا، الخاصة بالزهد والتصوف واللاهوت.

وبالنسبة للأكثرية، فإن هنالك كتابا يمكن للمؤمن ولغير المؤمن أن يفتحه ويقرأ فيه. أما معرفة الله كشخصية أدبية فلا تقتضي الإيمان بالله ولا تحول دونه، وهذا الضرب من المعرفة هو ما نحاول القيام به في هذا الكتاب.

ويرى بعض فلاسفة الدين أن الآلهة جميعا ليست سوى إسقاطات للشخصية البشرية، وربما كان ذلك صحيحا. لكننا يجب ألا نغفل أن كثيرا من البشر قد اختاروا اجتياف أو استدخال الإسقاطات الدينية التي أسقطتها شخصيات بشرية أخرى بدلا من أن يقوموا بإسقاط شخصياتهم الخاصة على آلهة من صنعهم الخاص. ولعل هذا هو السبب في أن الدين يستثير قدرا كبيرا من الافتتان، والحسد، والغيظ (أحيانا بين كتاب الأدب ونقاده ممن كرسوا المسألة كثيرا من فكرهم) فمن الممكن النظر الى الدين. والى الدين الغربي بوجه خاص.. بوصفه أدبا فاق في نجاحه أشد الأحلام جموحا لدى أي كاتب من الكتاب.

ونحن نعلم أن أية شخصية (تولد) في عمل أدبي قد تمارس قدرا من التأثير على البشر الواقعيين الذين يطلعون على هذا العمل. و ليس (دون كيخوت) لسرفانتس، حيث تسير الشخصية الرئيسية على غرار الأدب الشعبي المعروف في زمنها، سوى مثال عملي على هذا الأمر لا نجد ما يضاهيه في نكهته اللاذعة أو مرحه الصاخب.

بيد أن شخصية مسرحية أو قصصية أو سينمائية، لم تنل ما نالته شخصية (الله) من استقبال، فالله في الغرب ليس مجرد كلمة شائعة، بل فرد حقيقي من أفراد الأسرة الغربية، سواء رحبت به هذه الأسرة أم لا.

والآباء الذين حسموا أمرهم معه ليس بمقدورهم إبعاد أبنائهم عنه، لا لأن الجميع قد سمعوا به وحسب، بل أيضا لأن بمقدور الجميع أن يحكي لك شيئا ما عنه. ومنذ بضع سنوات شاهدنا على الخشبة مسرحية كوميدية كتبها (نل سيمون) عنوانها (صفي الله)، وتقوم على (سفر أيوب) من الكتاب المقدس. ومع أن قلة ممن حضروا المسرحية كانوا قد قرأوا الكتاب المقدس، إلا أن أحدا لم يشعر بضرورة ذلك لفهم المسرحية، فهم يعرفون الله معرفة تكفي لالتقاط ما ترمي إليه فكاهات المسرحية ودعاباتها.

ولأن الهزلي ينتفي بانتفاء الرصين، كما يقول أوسكار وايلد، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو من أين جاءت فكرة الله الرصينة إلى أذهان جمهور (برودوي) الذي كان مهيئا للضحك بملء فيه؟

(يتبع)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق