سلايدرسياسة

المأزق القانوني بين اتفاقية السلام والوثيقة الدستورية

أحمد عثمان محمد المبارك

فور التوقيع على اتفاقية السلام في الثالث من اكتوبر 2020 تناثرت آراء الخبراء القانونيين عبر الوسائط حول العوائق القانونية التي تواجه تعديل الوثيقة الدستورية لإدراج اتفاقية السلام فيها، وقد قدموا الاسباب القانونية التي تدعم ذلك، وهي اسباب في تقديري لها من الوجاهة القانونية ما يسندها، ولا اختلاف عليها فنصوص الوثيقة المتعلقة بتعديلها واضحة لا غموض فيها كما أوضح كبار رجال القانون امثال القانوني الضليع الدكتور نبيل اديب الدكتور محمد عبدالسلام عميد كلية القانون * والخبير القانوني مولانا *سيف الدولة حمدنا الله، وغيرهم ممن قدموا شرحهم للنصوص التي تؤكد عدم اختصاص مجلسي السيادة والوزراء (كجهة تشريعية مؤقتة) في اجراء اي تعديلات على الوثيقة  الدستورية من جهة ان المهمة الموكلة للمجلسين هي مهمة تشريعية لا علاقتها لها بتعديل الوثيقة. وأجد نفسي متفقا تماما معهم فيما ذهبوا اليه وذلك لوضوح النصوص القانونية كما تم تحليلها وشرحها من قبلهم. وانا لا اريد هنا ان اكرر ما تم توضيحه، أو اجادل فيما ذهبوا اليه بل أفضل ان اتناول الموضوع من زاوية سياسية بعيدا عن النصوص القانونية الجامدة والتحليل القانوني الصرف.

دعونا أولاً نتفق على حقيقة ثابتة وهي ان الثورة والقانون مفهومان متعارضان بطبيعتهما، فالثورات تندلع لرفضها للأنظمة والقوانين القائمة وتخرج على كافة القوانين بما فيها الدستور نفسه وتهدم كل مؤسساته القائمة، ويستمر الرفض الثوري خلال فترة الانتقال واعادة بناء المجتمع من جديد.  لذلك فإن التناقض بين الثوري والقانوني مسألة حتمية مستمرة باستمرار الثورة الى ان يتم التغيير المطلوب وبداية عهد ونظام قانوني جديد هذا من جانب. ومن جانب آخر فلنتفق أيضا على أن الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية الان قد اكتسبت صفة العقد الاجتماعي الذي ارتضاه الثوار بعد ثورة ديسمبر المجيدة التي رفعت شعارات الحرية والسلام والعدالة. وبما ان السلطة الانتقالية الحاكمة مطالبة بشكل صارم وبموجب الوثيقة الدستورية، بإنزال تلك الشعارات على ارض الواقع والتي على رأسها تحقيق السلام العادل والشامل، وهذا ما تضمنته المادة 7 من الوثيقة الدستورية المتعلقة بمهام الفترة الانتقالية، حيث جاء نص في الفقرة (1) منها مترجما لشعار السلام كشعار ثوري فجاء النص كما يلي: *(العمل على تحقيق السلام العادل والشامل وانهاء الحرب بمخاطبة جذور المشكلة السودانية ومعالجة آثارها مع الوضع في الاعتبار التدابير التفضيلية المؤقتة للمناطق المتأثرة بالحرب والمناطق الأقل نموا والمجموعات الاكثر تضررا.).. أذن فإن السلام واجب ثوري مستحق للشعب السودان الذي عبر بوضوح عن ارادته القوية لتحقيقه وعدم العودة للحرب، وبما أن الشعب السوداني لن يتنازل عن رغبته في تحقيق السلام كأحد اعمدة التغيير في السودان مهما كانت المعوقات، فإن من اوجب واجبات السلطات الحاكمة للفترة الانتقالية، وبموجب الوثيقة الدستورية نفسها، احترام ارادة الشعب التي بالضرورة، يجب أن تعلو على النصوص القانونية الجامدة ، فالشعب هو صاحب السلطة والكلمة العليا بنص الوثيقة الدستورية نفسها، كما أن الوضع الذي يمر به السودان الآن يعتبر وضع في غاية الخطورة، وشديد الاضطراب ما بين الثوري والقانوني فاذا لم يتم تجاوزه، فاخشي ما أخشي أن يكون ذلك تمهيدا لتقويض فكرة الدولة المدنية نفسها.

في تقديري ان المصلحة القومية العليا في تحقيق السلام تفرض عليها الخروج من قوقعة النصوص القانونية الجامدة والتعامل مع الواقع بجوانبه السياسية والقانونية، وذلك لان مسألة تعديل الوثيقة الدستورية وان كانت مسألة قانونية بحته الا انه لا يمكن فصلها عن التوازنات السياسية التي يتم العمل في اطارها بالوثيقة الدستورية لتحقق الاهداف التي من اجلها خرج هذا الشعب في ثورته العظيمة، ومن هنا اطالب بالخروج من النظرة المثالية للوثيقة الدستورية كنص قانوني وفصلها عن الواقع السياسي الانتقالي الى نظرة اكثر واقعية واكثر مرونة في التطبيق القانوني بدلا عن الجمود لان هذه الوثيقة الدستورية وان كانت ذات طبيعة قانونية فهي وثيقة ثورية وخطوة تنظيمية لإدارة الفترة الانتقالية، وحتى لا تكون تعديل الوثيقة الدستورية عائقا في طريق تحقيق اهداف الثورة يجب العمل على ايجاد الحلول القانونية والسياسية لتجاوز هذه الازمة وان لزم الامر طرح التعديلات على استفتاء شعبي حاسم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق