سياسة

البشير والبرهان وحديثي لقناة الـ «بي بي سي» ٢٠١٨

محمد المكي أحمد

في السودان، رغم القمع، تعيد قوى (الثورة والتغيير) وفي طليعتها جيل الشباب، ممثلا في لجان المقاومة كتابة تاريخ وقصص الثورات الشعبية، السلمية، المدهشة.  أحدث الأدلة، تشهدها الشوارع الآن، ما يعيد إلى الذاكرة تفاعلات جرت في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في ديسمبر ٢٠١٨، إذ انطلق شباب السودان تتقدمهم (كنداكات) وزغاريد، بمشاركة قوى مهنية وسياسية وشعبية، إلى الشوارع في أقاليم سودانية ثم انتقلت الثورة، إلى العاصمة، و في نهاية المطاف، سقط نظام عمر البشير الديكتاتوري، بتضحيات جسيمة، بالدماء والدموع. الحراك الثوري يتجدد الآن بفاعلية ضد انقلاب الفريق عبد الفتاح البرهان.  مشاهد الروعة بالأمس واليوم تكمن في التزام النهج السلمي في مواجهة القمع والبطش والاستبداد.  في أجواء ديسمبر ٢٠١٨ استهان واستخف البشير بثورة الشباب، وأختار مواصلة طريق القمع. في الوقت نفسه طرح موازنة للعام ٢٠١٩، وسط تصاعد حراك شعبي فاجأ سياسيين ودولا ومراقبين للشأن السوداني. نظام البشير طرح آنذاك أوهاما بشأن كيفيات معالجة الأزمة الاقتصادية، وهي نتاج سياساته الفاشلة، وفي خاتمة المطاف سقط النظام القمعي بثورة ديسمبر ٢٠١٨، ما يعني أن أي نظام انقلابي، يسلب الحريات ويسفك دماء، و يدمر ولا يبني. الأزمة القديمة المتجددة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا تجددت في شدة على يد الفريق عبد الفتاح البرهان ومجموعته الانقلابية، وانقلابه هو الأسوأ لأنه انقلب على (تعهدات)و(شركاء) رغم تباين الرؤى بشأن تلك (الشراكة) المختلة. هاهو البرهان يسير على خطى البشير و يتخذ البطش أسلوبا لإسكات الناس، و قد عمق الانقسامات في أوساط سودانية، كما أدى انقلابه إلى توقف الدعم الدولي، الاقتصادي والسياسي، وفي ميادين عدة فور وقوع الانقلاب الذي انتهك ويواصل ارتكاب انتهاكات بشعة لحقوق الانسان. رغم اتفاقه الثنائي مع رئيس الوزراء دكتور عبد الله حمدوك، الذي رفضته (مليونيات) و (قوى الثروة والتغيير) فان واقع الحال يؤكد أن قادة الانقلاب منبوذون دوليا. الأسوأ في هذا السياق أن الانقلاب أعاد السودان إلى دائرة المقاطعة والحصار الدولي. مثلما رفضت الشوارع نظام و سياسات البشير، القمعية الظالمة فسيفشل البرهان ومجموعته الانقلابية، العسكرية والمدنية، في تطويع قوى (الثورة والتغيير) وتسويق الانقلاب، لأنه مرفوض. قطع خدمة الانترنت والاتصالات الهاتفية وإغلاق الجسور ب(حاويات) للمرة الأولى في تاريخ الديكتاتوريين ووضع حواجز اسمنتية، عشية (مليونيات) للحؤول دون انطلاق التظاهرات لم و لن يوقف زحف الشوارع. لن يوقف زحفها تنوع وقبح أشكال القمع، لأن نبض الشوارع ثائر، ومدرك لأهدافه الساعية إلى بناء حكم مدني عصري، يعلو على الأسماء والمسميات.  هذا معناه أن ثورة الشباب الغاضب وقوى (الثورة والتغيير) ستتواصل إلى أن تحين لحظة سقوط الانقلاب، هذه حقيقة من أبرز حقائق التاريخ السوداني.  وفيما سجل شباب (لجان المقاومة) وكل قوى الشارع الحية حضورا حيويا في (مليونية) الخميس ٣٠ ديسمبر ٢٠٢١ وسيسجل الحضور الفاعل في مليونيات متواصلة في العام ٢٠٢٢ فإنني أحيي مجددا الشباب وكل المنخرطين في حراك الشوارع الحيوي داخل السودان وخارجه، وأرى ان ما جرى من قمع أكد مجددا طبيعة النظام الانقلابي القمعية.

وأكرر الدعوة إلى مواصلة (السلمية) والتمسك بها في أصعب الظروف، إذ أنها فاعلة وحضارية، وتستقطب دعما محليا ودوليا، وتشكل أقوى سلاح مدني في مواجهة الطاغين، الظالمين. في هذه الأجواء تأملت حقائق المشهد الراهن وعدت بالذاكرة إلى ثلاث سنوات مضت، وبالتحديد في ٣١ ديسمبر ٢٠١٨، حينما استضافتني (بي بي سي)،  وحاورتني بشأن قضايا الساعة، وفي صدارتها تفاعلات الثورة الشعبية ضد البشير. 

رأيت آنذاك أن شعب السودان سينتصر وسينتزع حريته، وقد فعل، وأبهر العالم، وأجدد تأكيد هذه القناعة اليوم وأقول مجددا وأكرر أن حراك الشوارع سينتصر بوحدة وتضامن قوى (الثورة والتغيير) لكن مطلوب برنامج جديد وقيادات تحترم أهداف الثورة ودماء الشهداء، وتنتصر لتضحيات الجرحى والمفقودين، وقادرة على تحمل مسؤوليات المرحلة باقتدار وجدارة، ومن دون مساومات ومجاملات وانصاف حلول. والأهم أن يشارك مشاركة محسوسة وملموسة جيل الشباب الذي يصنع فجر الثورة في بناء الحكم المدني ودولة المواطنة. التعلم من الدروس شرط مهم وحيوي لارتياد آفاق أرحب وأفضل.  في هذا السياق أرى أن المقارنة بين أوضاع الأمس واليوم تؤشر الى حقائق تعكس قواسم مشتركة بين البشير والبرهان كما تقدم دروسا لمن يريد أن يتعلم ويتعظ من الانقلابيين. من القواسم المشتركة بين البشير والبرهان مصادرة الحريات، وقمع التظاهرات السلمية، و الاعتقالات التعسفية، وغياب الرؤية السياسية والاعتماد على لغة خطاب سياسي عشوائي ومتوتر ومضلل، و يفتقر إلى اقتران الأقوال بالأفعال، اضافة الى احتكار (الوطنية )ونزعها عن معارضين، وادعاء واحتكار معرفة (مصلحة السودان)، واستخدام المؤسسات العسكرية والأمنية في قهر مواطنين، بدلا عن حماية المواطن والوطن، اذ أنها ملك للشعب وليست ملكية خاصة لأي قائد عسكري، والمؤكد أنها تضم رجالا ونساء يعرفون حجم ونوع مسؤولياتهم الوطنية الكبيرة في إطار الحكم المدني. في هذا الإطار أرى أن مضمون حديثي إلى (بي بي سي) قبل ثلاث سنوات بصوتي (القديم) عن البشير ونظامه الانقلابي ينطبق على البرهان ونظامه الانقلابي في العام ٢٠٢١. 

هنا وقائع حديثي إلى (بي بي سي) في ٣١ ديسمبر ٢٠١٨ وأهديه أيضا لشباب (المليونيات) و(قوى الثورة والتغيير) وكل أحباب وحبيبات الوطن.

https://www.facebook.com/692808222/posts/10160101212913223/?d=n

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق