سلايدرسياسة

عون وراء باسيل … عليّ وعلى أعدائي

علي شندب

واضح أن قانون ماغنيتسكي العالمي قد فعل فعله في لبنان. فقد أصاب تصنيفه لوزير الطاقة والاتصالات والخارجية السابق ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، وصهر الرئيس ميشال عون بمقتل. إنه الصهر الذي ضحّى به الرئيس التركي رجب طيب اردوغان من وزارة المالية ليحاول إنقاذ الليرة المنهارة ونفي تهمة الفساد عنه، فيما ميشال عون “يردّد لعيون صهر الجنرال ما تتشكل حكومة”.

هي الإصابة القاتلة التي اغتالت المستقبل السياسي لوريث بونابرت اللبناني. ويبدو أن فعالية الفتك السياسي لقانون ماغنيتسكي، قد تفوّقت على فيروس كورونا الذي شُفي منه باسيل. ما دفع ميشال عون الى وضع استقالته على الطاولة اذا ثبت وجود فساد على أي شخص من عائلته. انها الاستقالة التي ربما تشكل خارطة طريق لإقالة عون من المطالبين باستقالته. وعلى هذا الأساس فتحت تلفزيونيا ملفات بالفساد لابنته “كلودين عون روكز” رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة، والتي اتهمت ضمنا باسيل بالوقوف وراء الحملة عليها.

وبعيدا عن صراع الأجنحة بين أسرة ميشال عون، كيف السبيل للصهر المعجزة أن ينزّه نفسه عن الفساد، وأن يبرهن خلو يديه من أي عمولة كهربائية لبواخر “فاطمة غول” التركية، كما ولكارتيلات مولدات الكهرباء الموازية لكهرباء الدولة المنتشرة في الشوارع والأزقة، أو لسدود المياه التي تجمّع فيها وعبر سنوات مديدة ملايير الأمتار المكعبة من الرياح الصافية من أي نقطة ماء تتبخر ولا تتقطر، أم للاتصالات السلكية واللاسلكية الشرعية والموازية، أم للسفراء والقناصل الأصليون والفخريون الذين يتم تعيينهم وفقا لامكانياتهم المادية وملاءاتهم المالية، وليس وفق لكفاءاتهم وعلاقاتهم مع جماهير الانتشار اللبناني حول الكوكب؟.

رصاصات الفساد التي أطلقتها الخزانة الأميركية على باسيل، ذخّرها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبييو بصلية سياسية مدوزنة. لكن الصليات الأكثر فتكا بجبران باسيل من عقوبة ماغنيتسكي، فكانت للسفيرة الأميركية في بيروت. انها الصليات التي تناوب على إطلاقها عينا “دوروثي شيا” الجاحظتين قبل لسانها الذي كانت المفردات التي يطلقها أشبه بالمقنبلات، فيما رقبتها تشبه كوبرا متوثبة للدغة قاضية.

وصمُ باسيل بالفساد عالميا، أتى كختم تصديق على نشيد “الهيلا هيلا هو” الذي لم تعزفه حناجر شعب 17 تشرين الا لجبران باسيل، الذي استنجد بحسن نصر الله واستعار منه مقولته حول سفارات أجنبية تمول بعض الحراك، ليردّدها كالببغاء محاولا النيل من رمزية نشيد “الهيلا هيلا هو” الذي تحوّل الى حالة وجدانية وطنية يشكل إنشاده اللازمة الضرورية للنشيد الوطني اللبناني.

اذن، محاصرة الفساد لأسرة ميشال عون بأجنحتها المتصارعة، يشي بوضع استقالة الرجل جديا على الطاولة. إنها الطاولة التي لأجل قلبها، لا بد من إشغال اللبنانيين بما هو أهم من فساد أصاب أسرة ميشال عون بمعايير ماغنيتسكي العالمية. ولأن قلب الطاولة وفق مفهوم عون، هو المرادف العملي لمقولة “عليّ وعلى أعدائي”، لجأ باسيل الى أرشيف الفساد الذي سبق وتشاركه مع منظومة الفساد والمال والسلطة والسلاح خلال أشهر بل سنوات العسل الحرم، وتردّد أنه ولأجل فضحه ونشره، أنشأ غرفة عمليات تعمل بحرفية وتقنية عالية حتى لا يكون باسيل الفاسد الوحيد في جمهورية الأشلاء اللبنانية.

ولأن التحقيق لم يكشف بعد حقيقة انفجار مرفأ بيروت الهيروشيمي، ولم يبين مسار باخرة نيترات الأمونيوم من لحظة مغادرتها جورجيا، وصولا الى رسوها في مرفأ بيروت وتخزين نيتراتها لسنوات، وانتهاء بانفجارها او تفجيرها غروب الرابع من آب الماضي. وفي استباق استعجالي لنتائج التحقيق باحتمالية الاعتداء الخارجي، جاء ادعاء المحقّق العدلي على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب والوزراء غازي زعيتر و (علي حسن خليل ويوسف فنيانوس المعاقبين اميركيا ايضا) بمثابة الانفجار الذي أحدث ارتدادات متصاعدة، أين منها ارتدادات انفجار مرفأ بيروت.

انه الادعاء الذي سبقه ادعاء لافت من حزب الله ضد موقع القوات اللبنانية وفارس سعيد وبهاء الحريري. كما ستشمل دعاوى حزب الله شخصيات سياسية واعلامية اتهمته بالتسبب بانفجار المرفأ. لكن حزب الله المدعي على المذكورين، هاله الادعاء الذي أصدره المحقق العدلي ضد رئيس الحكومة المستقيلة والوزراء الثلاثة الآخرين، فطالبه بإعادة النظر بادعائه، والاعتماد على معايير موحدة وغير استنسابية ضنّا بالعدالة. وللمناسبة فقد شدّدت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان حكمها على سليم عياش القيادي في حزب الله باغتيال رفيق الحريري واخرين.

هذه المشهدية تدلّل بعري لا لبس فيه، تقاذف أطراف منظومة المال والسلطة والسلاح تهم مسؤولية التقصير والاهمال عن انفجار بيروت. ويلاحظ أن هذه التهمة لم تطل حزب الله قانونيا وقضائيا بشكل مباشر، لكنها أصابته في الصميم من خلال اتهام حلفائه في الحكومات السابقة، فيما أطلق على حكومة حسان دياب الحالية من لحظة تشكلها بأنها حكومة حزب الله. انهم الوزراء الحلفاء الذين لطالما سهّلوا وغطّوا مع غيرهم من الوزراء كل ما له علاقة بحزب الله بحرا وبرا وجوا.

وبعيدا عن الخطوط الحمراء التي رسمتها فيدراليات الطوائف والمذاهب في لبنان، وخصوصا تجاه حسّان دياب بوصفه شاغل موقع رئيس الحكومة، الذي حظي بعد اتهامه والادعاء عليه بكل أنصبة التغطية السياسية السنية والدينية. وهي التغطية المتناقضة مع الغطاء الذي لم يحظى به دياب، عندما كلف بتشكيل الحكومة وبعد تشكيلها.

ربّ قائل إن اللوياجيرغا السنية الرسمية ممثلة برؤساء الحكومات السابقين وغيرهم، انما التفّت حول حسان دياب وتضامنت معه لأنها تحسّست رأسها، ومنهم نجيب ميقاتي الذي له ولأسرته ملفات مفتوحة مع القاضية غادة عون. فيما لفؤاد السنيورة المشمول دائما بعباءة دار الفتوى وخطها الأحمر ملفات تتعلق بكتاب أصدره التيار العوني بعنوان “الإبراء المستحيل”، والذي ردّ عليه السنيورة بكتاب لافت بعنوان “الافتراء في الإبراء”. أمّا سعد الحريري فيحكم تشكيله الحكومة العتيدة، مقولة جبران باسيل “إمّا أنا والحريري معاً في الحكومة وإمّا معاً خارجها”.

بدون شك فقد كثّف الإدعاء على رئيس الحكومة حسّان دياب من عقد تشكيل الحكومة الحريرية بدل حلها، سيّما بعدما ردّ ميشال عون على تشكيلة سعد الحريري بتشكيلة مضادة، وكأنه بات من صلاحيات الرئيس المستعادة تقديم أطاريح بتشكيل الحكومة. كما عقّد ظروف تصريف الأعمال بالشكل الذي يريده عون الذي قد يمتنع من التعاون مع دياب لأنه مطلوب للقضاء. علما أن عون ومن قبل الادعاء على دياب، يعمل على نفخ صلاحيات “مجلس الدفاع الاعلى” الذي باتت تشمل ايضا معالجة أزمة الصرف الصحي وتجنّب تحويل الشوارع لمستنقعات موسمية بفعل الأمطار التي تتسرّب من سدود وزارة الطاقة لصاحبها جبران باسيل.

“عليّ وعلى أعدائي” هي المعادلة التي تقود ميشال عون وجبران باسيل غريزيا في حربهم الدنكيشوطية المستكملة لحربي “الإلغاء والتحرير” اللتين وجد عون نفسه في نهايتهما على متن فرقاطة فرنسية، ثم لاجئا في باريس، التي يرجح العارفون بقنوات الشرف الفرنسية، أنها لن تكرر انقاذهم مرة أخرى، لأنهم كانوا رأس خط الهجوم في حفلة “الخيانة الجماعية” التي تعرّض لها ايمانويل ماكرون، ممن أنقذهم فرنسوا ميتران صونا لشرف فرنسا، ذات 13 تشرين مضى.

انها المعادلة التي ستنتصب بوجه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون خلال لقائه نظيره اللبناني ميشال عون، على هامش تفقده القوات الفرنسية جنوبي لبنان لمناسبة عيد الميلاد، رغم أن مبادرته “لمنع لبنان من الزوال” باتت بعهدة الاتحاد الاوروبي. انه الغرق ايضا، ذلك الذي وصف فيه وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان البلد الصغير بقوله “لبنان سفينة تيتانيك بدون الأوركسترا. اللبنانيون في حالة إنكار تام وهم يغرقون، ولا توجد حتى الموسيقى”.

وهي المعادلة التي تقول بوضوح أن لبنان يعيش مناخات متطابقة لتلك المناخات التي كان بلغ الانقسام فيها ذروته عبر حكومتين. الحكومة العسكرية برئاسة ميشال عون، وحكومة الرئيس سليم الحص، ويعبر عن هذه المناخات تنوع وتعدد أخبار اغتيالات مرجحة أوردتها قادة الأجهزة الامنية والعسكرية الرسمية بتنوع مصادرها ومشاربها.

أخيرا، عندما أطلق مقولته الخالدة “رايحين على جهنم” لم يكن ميشال عون يمزح ابدا. وعندما قال جبران باسيل “مستعدون للذهاب لما هو أبعد من الفيدرالية” لم يكن يمزح أيضا. وفي استنساخ فاضح لمقولة “نحكمكم أو نحرقكم”، يمكن القول أن معادلة ميشال عون وصهره جبران باسيل “علي وعلى أعدائي” هي الذهاب بلبنان واللبنانيين الى ما بعد ما بعد ما بعد جهنم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق