سياسة

حصانة ناقصة …؟!

زهير السراج

توقعتُ أن تكون وزارة العدل أكثر شفافية ومصداقية فتوضح للشعب أن الحصانة السيادية للسودان لا تزال تحت رحمة دعاوى ضحايا تفجيرات 11 سبتمبر، ليس بموجب قانون العدالة ضد رعاة الارهاب المعروف اختصارا ب (جاستا) مثل كل الدول الأخرى، ولكن بموجب قانون الارهاب (القديم) أيضاً الذي وضع السودان تحت رحمة الدعاوى القضائية السابقة، ولا يزال سيفاً مسلطاً على رقبته، وكان من المفترض أن توضح وزارة العدل هذه النقطة للشعب السوداني بشكل واضح، وتتعامل معها بحذر بدلاً عن صيغة الترحيب الكبيرة التي حملها البيان ولم تكن في محلها وضللت الكثيرين وملأت الوسائط بالهتافات والتهليل!

* جاء في الفقرة الاولى من البيان، وهى بمثابة مقدمة لا تستدعي التعليق عليها ولكنها مهمة لفهم ما حدث: ” أجاز الكونغرس الأمريكي يوم الاثنين، 21 ديسمبر، ضمن قانون الاعتمادات المالية للمؤسسات الفدرالية الأمريكية، التشريع الخاص باعتماد اتفاقية التسويات التي تم التوصل إليها بين حكومة السودان وحكومة الولايات المتحدة الأمريكية، فيما يتعلق بقضايا تفجيرات السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا والمدمرة كول، والتي تم بموجبها الاتفاق على دفع حكومة السودان مبلغ 335 مليون دولار، وذلك مقابل حذف السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب كخطوة أولى، يعقبها شطب الأحكام القضائية الصادرة ضد السودان في تلك القضايا، والتي قضت بدفع السودان أكثر من 10.2 مليار دولار، ومن ثم استرداد الحصانة السيادية للسودان بخصوص أي محاكمات مستقبلية تتعلق بالفترة التي كان مدرجاً فيها على قائمة الدول الراعية للإرهاب”.

* نأتي الآن للفقرة الثانية التي تتضمن امكانية مقاضاة السودان بموجب القانون القديم، وهى ثغرة كبرى بل يمكن أن تكون بمثابة كارثة على السودان لو استغلها ضحايا تفجيرات 11 سبتمبر لرفع دعاوى على السودان، بالإضافة الى إمكانية رفع دعاوى ضده بموجب القانون الجديد (جاستا) الذي تخضع له كل الدول!

* تقول الفقرة: “وتود حكومة السودان أن تشير هنا إلى أن النسخة الأولية التي تم تقديمها إلى الكونغرس الأمريكي كانت تقضي بشطب جميع القضايا المرفوعة ضد السودان تحت قانون الإرهاب وتحويل القضايا المرفوعة على السودان في أحداث 11 سبتمبر 2001 ــ والتي بدأ رفعها ضد السودان منذ العام 2003– لتكون بموجب “قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب” المعروف اختصاراً ب “جاستا “والذي يمكن بموجبه مقاضاة أي دولة بما في ذلك الدول غير المدرجة في قائمة الإرهاب، إلا أن ذلك الأمر اصطدم بمعارضة قوية من قبل اثنين من أعضاء مجلس الشيوخ مدفوعين باعتراضات محاميي أسر ضحايا 11 سبتمبر، الذين رفضوا تحويل قضاياهم المرفوعة سلفاً ضد السودان إلى قانون جاستا، وبسبب ذلك قضي التشريع الذي تمت إجازته الآن باستمرار هذه القضايا وفق قانون الإرهاب، وليس قانون جاستا، كما طلب السودان”.

* إذن، وباعتراف الوزارة نفسها فان السودان سيظل خاضعاً للقانون القديم، ورغم ذلك تخلص الوزارة الى ان “الوضع القانوني للسودان بعد بدء سريان التشريع الذي تمت إجازته أنه سيصبح دولة مكتملة الحصانة السيادية أمام أية محاولات مستقبلية للتقاضي ضده استناداً إلى وضعه السابق كدولة كانت مدرجة في قائمة الدول الراعية للإرهاب، كما يتيح التشريعُ المجاز للسودان إبطال كل الأحكام التي حكمت بها المحاكم مسبقاً في قضية السفارتين والقاضية بتغريم السودان 10.2 مليار دولار، هذا فضلاً، عن شطب كل القضايا الأخرى المرفوعة ضده حالياً، عدا الخاصة بأحداث 11 سبتمبر 2001، والتي يمكن مقاضاة أية دولة بشأنها وفقاً لقانون جاستا، كما أشرنا أعلاه، هذا وتود وزارة العدل أن تؤكد هنا أن السودان ملتزمٌ بالظهور أمام المحاكم الأمريكية والدفاع عن نفسه في القضايا القائمة حالياً لإثبات عدم علاقته بأحداث 11 سبتمبر وبراءته من هذه الاتهامات غير المؤسسة”.

* وهو للأسف تلخيص غير صحيح، فيه محاولة إلتفاف واضحة على المواطن بإغراقه في تفاصيل قانونية تشوش على فهمه لما حدث، فالوزارة تقول إن السودان سيكون مثل بقية الدول خاضعاً لقانون جاستا فيما يتعلق بتفجيرات 11 سبتمبر، ولكنها تتجاهل ما ذكرته في الفقرة الثانية بأنه سيظل أيضا خاضعا للقانون القديم (قانون الارهاب) فيما يتعلق بتفجيرات 11 سبتمبر( بسبب احتجاج الضحايا ومحاميهم وعضوي الكونجرس على مقاضاته بموجب قانون جاستا فقط) ـ كما ذكر البيان نفسه ــ واستمرار مقاضاته بموجب القانون القديم أيضاً (قانون الارهاب)، وهو ما يجعله مختلفاً عن الدول الأخرى التي لا يمكن مقاضاتها بالقانون القديم لأنها لم تكن خاضعة له، بينما يمكن مقاضاة السودان بموجبه!

* نخلص من هذا الى ان الحصانة التي حصل عليها السودان ناقصة وغير كاملة، عكس ما ذكره بيان وزارة العدل من انها حصانة كاملة، وليس لدي أدنى شك في أن الضحايا ومحاميهم سيستغلون هذه الثغرة الكارثية لينفذوا منها الى السودان، وإلا لما أصروا على تضمينها في القانون!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق