سياسة

على الدولة محاربة الخِطاب التكفِيري المُتطرِف …!

نضال عبد الوهاب

من المُلاحظ في الآونة الأخيرة ظهور موجة من الانتشار المُتنامي للخِطاب التكفيري المُتطرف باسم الدين والإسلام داخل المُجتمع السوداني ومن أشخاص بعينهم في المساجد والساحات وحتى الأسواق وقيامهم بتسجيل مثل هذا الخِطاب التكفيري وإعادة بثه في قنوات اليوتيوب ومواقع التواصُل الاجتماعي.

ظل هؤلاء النفر من ناشري هذا السلوك التكفيري يقومون بهذا العمل دون الالتفات لخطورته على المجتمع وحُرية الناس في أن يعتقدوا ما يعتقدوه، فهم بهذا الخِطاب التكفيري المُتطرِف يُهيجون المُجتمع على بعضه البعض ويبذرون بذور التطرُف وسط الناس خاصة من بين الشباب حُدثا السِن، مُستغلين للعاطفة الدينية في توجيه خِطابهم هذا، وهو ذات الأمر الذي ظل النظام السابق وقادته يُمكنون له ويُرسخونه وينتهجونه طوال الثلاثين عاماً الماضية، بل ومنذ تأسيس جماعاتهم في أواسط الأربعينات من القرن الماضي.. وبه تمت مُصادرة الديمُقراطية وحُريات الناس والعداء لعدد من الأحزاب السياسية الوطنية ولمنسوبيها.

الآن وبعد أن جاءت الثورة وتغيرت الأوضاع في السودان في غير صالح تلك الفئة من الدجالون والفاسدون والمُنتفعين باسم الدين والإسلام الساكتون عن قتل الناس وتعذيبهم آمرِي الناس بعدم الخُروج علي الحُكام القتلّة والفاسدِين والظالِمين والمُجرمين ، بل وكانوا يُشكلون حِماية لهم ولظُلمهم للناس بتأييديهم لهم والتمسُح في بلاطهم والأكل من مؤيدهم واستلام أموالهم ، بعد الثورة والتغيير وفُقدانهم لكل هذا كان لابدّ لهم من مُحاربة السُلطة الجديدة ورموزها وبرامجها وسياستها بذات الوسيلة وهي الدين والعاطفة الدينية ونشر الخِطاب التكفيري المُتطرِف .. لا يتورعون بقول كلمات مثل (الملاحِدة والكُفار).. ثم يرموا بذات الكلمات هذه أحزاب مثل (الشيوعي السوداني والحزب الجمهوري السوداني والبعث السوداني).. ثم يختاروا رموز وأعضاء منهم بالاسم ورميهم بتُهم وعبارات التكفير والزندقة والإلحاد، يُهاجمون هؤلاء لا لشيء إلا لأنهم أصبحوا خارج السُلطة وأن السُلطة الحالية وبعض من فيها فتحوا للسودان طريق للانعتاق من دولة الخرافة والمشعوذين لدولة الحُريات والقانون والمساواة بلا تمييز بسبب الدين أو العرق.. لذلك يُهاجمون العلمانيون ويصفونهم بالكُفر والإلحاد، والمُضحك أن بعض من يُحركونهم ويبعثون لهم بالأموال يلجؤون إلى تركيا العلمانية!

بالأمس استمعت إلى حديثين مُختلِفين أحدهم لمُتحدثين يصفون أنفسهم باتحاد العُلماء والدعاة السوداني قاموا برمي السُلطة والحكومة الحالية ومن بها بذات الصفة (الملاحِدة) وتلوا بيان ملئ بالتحريض عليها، وهنا المنصة التي انطلقوا منها ليست سياسية وإنما دينية وهنالك فرق كبير في أن تُجرم الآخرين وتُحرِض عليهم بسبب الدين والتشكيك في عقائدهم وتكفيرهم، وبين أن تختلف وتعارضهم سياسياً حتى وإن اختلفت معهم فكرياً..

هؤلاء في تقديرنا إنهم ينشرون الجهل والتطرُف ويُحاربون في المجتمع ويخرّبونه وينشرون الفتنة التي وصِفت في ذات الدين الذي يتحدثون بلسانه نفاقاً أنها هي أشد من القتل.

أما الحديث الثاني فكان لأحد المُنتمين لإحدى الجماعات السلفية والتكفيرية وأحد قادتها وله بعض الأتباع على شاكلته وهو حسب ما نعلم مُنقسم على جماعات سلفية أخري كلاً منهم يُكفر الآخر ويشتمه ويُخرِجون بعضهم من المِلة في شطط وغلو وتطرُف.. هذا المُتحدث التكفيري المُتحدث باسم السلفين شنّ هُجوماً أيضاً على الشيوعيون والجمهورين والعلمانيين السودانيين ووصفهم بالملاحِدة والكفار!

كيف تسمِح الدولة السودانية وفي عهد الحُريات والمساواة وتأسيس دولة القانون والعدالة بمثل هذا الخِطاب التكفيري ورمي الناس بتُهم الإلحاد والكُفر والشِرك، وتحويل الخِلاف السياسي إلي خروج عن الدين والمِلة، بل يُمكن أن يصل لإهدار الدم والقتل!

كاتب هذه السطور (علماني)، ما الذي يجعلني كافراً في عقول هؤلاء المهاويس والمعاتيه ويجعل على سبيل المثال (رجب طيب أُردوغان) في تركيا مسلماً وداعية في حين أننا نُؤمن بذات الفِكرة عن بناء الدولة وفصل الدين عنها وعن مؤسساتها السياسية.. أليس السبب هو فقط الخِلاف السياسي ما بيننا نحن وما بين هؤلاء المعاتيه!

يجب أن تعمل الدولة علي وضع قوانين واضحة في تجريم رمي الناس بتُهم الإلحاد والكُفر ونشر مثل هذا الخطاب التكفيري حرصاً علي الدولة بكاملها وتحقيقاً للعدالة والحُريات في أن يعتقد الناس ما يشاؤون.

ومن حق الحزب الشيوعي والحزب الجمهوري وأي شخص أتهمه أمثال هؤلاء بتُهمة الإلحاد والتكفير تقديم أمثال هؤلاء للمحاكمة بنص الدستور السوداني الذي يحترم معتقدات الناس وخياراتهم العقائدية، ولا يجب التفرِقة بينهم بسببها والناس أحرار فيما يعتقدون. وحسب قراءتي لبرنامج الحِزب الشيوعي السوداني ومنذ سنوات طويلة لم أجد فيه نصاً أو بنداً واحداً يُسئ للدين أو معتقدات الناس بل على العكس فهو يحترمها ويُعنف من يُسئ إلى كل الأديان.. فكيف لهؤلاء الجُهلاء ممن نصبوا أنفسهم خُلفاء لله في الأرض ومُمتلكي صُكوك الغُفران في العهد الحديث أن يرموا الناس وبعض القوي السياسية السودانية وأعضاءها بهذه التُهم دون أن يجدوا من يتصدى لهم من داخل الدولة وقيادتها!

رسالتنا الواضحة هي وقف هذا الخِطاب التكفيري وحسمه فوراً بالقوانين وسَنها وتفعيلها وبسُلطات الدولة لخطُورته الشديدة على كل الدولة ولمُخالفته للدستور السوداني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق