ثقافة وفن

لوحات المدائن

الليدي ليليث

للفنان دانتي غابرييل روزيتي

تقول الأسطورة إن زوجة آدم الأولى لم تكن حوّاء بل امرأة أخرى تُدعى ليليث. لكن عندما تمرّدت ليليث على آدم وتخلّت عنه خلق الله حوّاء. سبب النزاع بين آدم وليليث لا يخلو من طرافة. إذ تذكر القصّة أن الخلاف دبّ بين الزوجين عندما أصرّ آدم على أن تنام ليليث تحته أثناء المعاشرة الزوجية. لكن لأن ليليث كانت تعتبر نفسها مساوية لآدم، فقد رفضت أوامره فحلّ عليها غضب الربّ وتحوّلت إلى شيطان! ويقال إنها طُردت بعد ذلك من الجنّة ووجدت نفسها أخيرا على الأرض قرب شاطئ أحد البحار وبعد ان اخرجت ليليث من الجنه تعلمت المزيد من الحكمه من اله النور وعاشت ملكة الليل اذا كانت تدعو السماء للرقص والمرح حتى غياب ضوء القمر. واصبحت ليليث رمزا للنساء المعتدات بانفسهن والرافضات لاستبداد الرجل.

ورغم أن اللوحة تصوّر “ليليث”، إلا أن من المثير للاهتمام أن نلاحظ انه اختار لها عنوان “الليدي ليليث” كي يدفع الناظر منذ البداية إلى التركيز على حسّية وأنوثة المرأة.

الليدي ليليث هي واحدة من “صور المرآة” العديدة التي رسمها روزيتي في تلك الفترة. وكلّ تلك الصور تركّز على شخصية الأنثى المستغرقة في تأمّل جمالها الخاصّ.

هذه الصورة كانت مقدّمة لسلسلة أخرى من اللوحات التي رسمها الفنان في ما بعد لإناث نرجسيات وذوات جمال قاتل. وقد لاحظ بعض المؤرّخين انه يندر أن تجد فنّانا في ذلك الوقت لم يرسم امرأة جالسة أو واقفة أمام مرآة. ورغم شيوع هذه الفكرة آنذاك، إلا أن الليدي ليليث هي التي ظلّت تمثّل النموذج الأوّل لهذه السلسلة.

إن نظرة سريعة إلى خلفية اللوحة قد تعطي انطباعا واهماً بأن المرأة تجلس في مكان ما من مخدعها. ورغم وجود مرآة وأشياء أخرى في الخلفية، إلا أن “الغرفة” تمتلئ أيضا بالأزهار، والأزهار البيضاء خاصّة التي ترمز للعاطفة الخالصة. وهي تنتشر في أعلى يمين اللوحة وبمحاذاة شعر المرأة. أزهار الخشخاش، رمز الموت، هي أيضا حاضرة. الفراغ واقعي وميثولوجي في الوقت نفسه. هذا الفراغ في الخلفية يوضّح المعنى المزدوج الذي تحدّث عنه روزيتي في قصيدته التي أرفقها باللوحة.

في هذه اللوحة، ثمّة شيء آخر غامض يتمثّل في المرآة السحرية إلى أعلى اليسار. المرآة تظهر انعكاس الشمعتين اللتين أمامها، ما يشير إلى أنها بالفعل مرآة حقيقية وليست نافذة تطلّ على عالم آخر. غير أن معظم الانعكاسات في المرآة تكشف عن منظر طبيعي لغابة ساحرة

اختلف لفظ اسمها في اللغات الساميّة، فهي “ليليث” بالعبريّة، و”ليليتو” بالأكّاديّة، و”ليل” بالعربيّة، وكلّها تعني الظلام أو مخلوقة أنثويّة ليليّة

صُوّرت بأشكال ورموز عديدة على مرّ العصور، فهي تارة طائر بوم أو امرأة مجنّحة، وتارةً أخرى امرأة جميلة بشعر طويل وجسد مثير تغري الرجال بجمالها الأخّاذ ثم تقتلهم

تجسّدت عند السومريين بالرياح والهواء فكانت آلهة الريح الحارة التي تتسبّب بموت العديد من النساء أثناء الولادة والنفاس، وذكرت إحدى الأساطير أن جلجامش حاول قتلها لكنّها هربت منه إلى الغابات واتّخذت الأشجار ملجأ لها، كما مرّ ذكرها في بعض الرقم والنقوش الآراميّة والبابليّة

تنصّ الأساطير العبريّة على أن ليليث هي الزوجة الأولى لآدم قبل حواء، وهي التي خُلِقت معه لتكون شريكته لكنها لم ترض بسيطرته فتمرّدت وهربت منه إلى الأرض تاركة خلفها المئات من أولادها

ذُكِر اسمها في العهد القديم، وتحدّث كتاب زوهر بن سيرا للتراث العبري عن قصّتها وأنه بعد هجرها لآدم ونزولها للأرض تم إرسال ثلاثة ملائكة لإرجاعها أو قتلها، لكنها أبت الرجوع فحُكِم عليها بأن تصبح عاقراً ويقتل مئة من أولادها كل ليلة، فقرّرت أن تنتقم من أبناء آدم وحوّاء بقتل أطفالهم، لذلك كانت تضع النساء الحوامل والمرضعات في العصور القديمة بعض التمائم التي تحمل أسماء الملائكة الثلاثة لحمايتهن من شرّها

كما ذكرت في بعض النصوص الإنجيليّة القديمة كإحدى الأرواح الشرّيرة التي تفتك بالنساء الحوامل والأطفال الرضّع

وفي عصر النهضة صُوّرت كأفعى ملتفّة على شجرة دلالة على الأفعى التي أغوت حوّاء لتأكل من شجرة الفاكهة المحرّمة التي كانت سبباً في طردها وآدم من الجنّة

أمّا في العصر الحديث فقد اختلفت النظرة إليها، فهي لم تعد رمزاً للغواية والشر بل أصبحت مثالاً لتحرّر المرأة واستقلالها، واتخذّت العديد من الجمعيّات النسائيّة والمجلات والنوادي اسمها وصورتها رمزاً لها، فقد اختلف تفسير الأسطورة القديمة واعتُبرت ليليث أكثر ذكاء وحكمة من آدم مما جعلها تضيق ذرعاً منه، فهجرته وتركت الجنّة بإرادتها رافضة بأن يقتصر دورها على أن تكون أمّاً وزوجة فقط

وظهرت ليليث الثائرة المتمردّة بصورها المتعدّدة في الأدب العالمي، فقد صوّرها جون ملتون في ملحمته الشعريّة “الفردوس المفقود” كأفعى ساحرة، وعند فكتور هيجو اتّخذت شكل مصّاصة دماء مرعبة، أما دانتي روزيتي فقد استحضرها في أعماله الأدبيّة ولوحته الشهيرة التي تحمل اسمها “Lady Lilith” كامرأة مثيرة مخلّدة

(٭ نقلًا عن صفحة قصة لوحة)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق